فى رحلة القدس للسلام مع إسرائىل.. السادات ومناحم بىجن وحسنى مبارك كانت حرب فلسطين عام 8491، هي أول صراع مسلح بين العرب وإسرائيل.. وقد شهدت هذه الحرب فصولا عديدة ومتعددة الأطراف والأهداف، وإن كانت بعض هذه الفصول قد انتهت.. إلا أن بعضها أيضا كان قد بدأ أثناء هذه الحرب ثم استمرت لسنوات طويلة بعد ذلك وكان لها تأثير كبير علي قضية الصراع العربي الإسرائيلي في الحرب والسلام. وأحد هذه الفصول خاصة بجمال عبدالناصر.. فقد ذكر محمد حسنين هيكل الكاتب والصحفي اللصيق بعبدالناصر منذ هذه الحرب في إحدي مقالاته عنه.. »أنه خلال حرب 84 أي حرب فلسطين وحصار الفالوجا كان عبدالناصر يتحدث عبر خطوط الجبهة مع الإسرائيليين المحاصرين للفالوجا، وكان الحديث يدور حول الكيفية التي أجبرت بها بريطانيا علي التخلي عن انتدابها علي فلسطين«.. وعند هذا الحد، توقف هيكل في روايته.. ولكن ماذا بعد؟! حكاية برتقال الفالوجا كان الصاغ جمال عبدالناصر حينذاك أركان حرب الكتيبة السادسة مشاة ضمن القوات المحاصرة في بلدة عراق المنشية قطاع الفالوجا، وقد فوجئ زملاؤه من الضباط بوصول برتقال إليهم.. وقد تصور أحدهم وهو اليوزباشي حسن التهامي بأنها تأتي من القوافل التي كانت تهرب إليهم المؤن.. وعندما وصلته إحداها دفعه فضوله إلي السؤال عن مصدرها، فرفع سماعة التليفون الميداني متحدثا مع إبراهيم بغدادي مساعد ضابط مخابرات اللواء المشاة بالفالوجا محافظ للمنوفية والقاهرة فيما بعد وسأله عن مصدر هذا البرتقال قائلا: لقد جاءتني برتقالة ولا يوجد عندنا في الفالوجا برتقال، فكيف جاء إلي هنا؟!.. فرد عليه إبراهيم بغدادي ببساطة بقوله: أبدا.. إنها أتت من عند جمال عبدالناصر.. فعاد التهامي يسأله: ولكن لا يوجد برتقال في قطاعه! فعاد البغدادي مجيبا بقوله: إنها قد أتت إلينا من إيجال يادين رئيس أركان جبهة جنوبفلسطين.. علي السلك. فسأله التهامي: كيف؟ فرد عليه إبراهيم بغدادي قائلا: إن إيجال يادين يبعث أقفاص البرتقال وعلب الشيكولاتة إلي جمال وهما صديقان ويعرفان بعضهما، ويبعث جمال عبدالناصر برجاله إلي السلك ليأخذوا البرتقال ثم يقوم بتوزيعه علينا ثم نقوم بدورنا بتوزيعه من قيادة اللواء علي الضباط، وكل واحد يحصل أو تأتي إليه برتقالة واحدة. وقد أشار حسن التهامي إلي هذه الواقعة، حيث أعلن أنه عندما التقي بصفته نائب رئيس وزراء بإيجال يادين نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي علي مائدة المفاوضات أثناء زيارة الرئيس السادات للقدس عام 7791 فقد تجالس الاثنان متجاورين بحكم منصب كل منهما في بلاده ولم يفت عليه سؤال إيجال يادين عن هذه الواقعة.. فسأله: هل كنت ترسل برتقالا وشيكولاتة إلي عبدالناصر في الفالوجا عام 8491؟! فرد عليه إيجال يادين بقوله علي الفور: نعم.. فسأله التهامي: لماذا.. وكيف ذلك؟.. فرد عليه يادين وقد بدت عليه علامات الاستنكار لهذا السؤال بقوله: لماذا تندهش.. فعبدالناصر كان صديقي الشخصي وتربطني به علاقات أخوة وأعرف طباعه وعاداته وما يحبه وما لا يحبه.. وأنا أعرف عنه أنه يحب الشيكولاتة والبرتقال.. وكان البرتقال يتوافر عندنا فماذا يمنع من الإرسال لصديقي ما يحبه؟! فزادت هذه الإجابة من دهشة حسن التهامي الذي عاد يسأله: وهل كان صديقك قبل حرب 8491؟.. فيرد عليه يادين مبتسما في النهاية: نعم.. وأعرفه معرفة جيدة.. وحيث إن المفاوضين حول المائدة، لم يكن لديهم الوقت للاستطراد في هذا الحديث الجانبي فاكتفي كل منهما بالحديث عند هذا الحد، حيث كان علي الجميع أن يشاركوا في إعداد البيان السياسي الذي سيصدر عن هذه الزيارة التاريخية للقدس. ويقول التهامي: عندما حدثت واقعة البرتقال في حصار الفالوجا، لم أتصور وقتها بأن للأمر عمقا أو بعدا آخر. ولكن عندما أكد له إيجال يادين أثناء مبادرة القدس دلالة هذه الهدية من البرتقال والشيكولاتة بأنها تحمل معني الصداقة والأخوة، فإن حسن التهامي يري أنه وجد الإجابة التي كان يبحث عنها منذ سنوات طويلة، فيعلق علي ذلك قائلا: إن معرفة الإنسان بطباع آخر يعني أن هناك معاشرة أو تعارفا طويلا من قبل، وليس من المنطق أو المعقول أن يكون ذلك وليد يوم وليلة أو مقابلة سرية أو تعارف أثناء القتال، وإلا كيف يعرف يادين بحب عبدالناصر للشيكولاتة؟ لقد أكد ذلك في حديثه معي.. ولم ينكر، بل إنه بدا وكأنه يفاخر بهذا! تساؤلات التهامي ويستدرك التهامي في تعليقه بقوله: »وإذا كان هناك مثل هذا النوع من الصداقة بين رأس الحكم في مصر وهو عبدالناصر وبين قائد إسرائيلي أو غيره.. فماذا يعني ذلك؟! يجيب التهامي علي تساؤله قائلا: إذا كان القائد المصري بهذه الخلفية أو هذه الصداقة فهل مؤدي هذا الموقف، أو علاقة ما أو علي أحسن الفروض.. أن يكون نوع من التفاهم.. ثم يضيف بقوله: فإن أبسط النتائج المترتبة علي هذه الصداقة أو هذه العلاقة هي عدم اللجوء إلي القوة مع الصديق، إنما الأقرب للمنطق وطبيعة الأمور في تلك الحالة هو أن يكون التفاهم وسيلة أولي في علاقتهما، وبذلك يمكن الوصول إلي حل أي مشاكل.. بدلا من الحرب.. لقاءات عبدالناصر باليهود وإذا كانت هذه الواقعة علي لسان أحد شهودها.. فهناك رواية أخري تروي أنه أثناء احتدام المعارك في حرب 8491 وقبل الاتفاق علي الهدنة فقد تمت لقاءات أولية بين إيجال آلون وضابط إسرائيلي آخر هو بروحام كوهين وبين الصاغ جمال عبدالناصر الذي كان حينذاك ضابط العمليات في الكتيبة السادسة التابعة لسلاح المشاة المصري والتي كانت محاصرة في الفالوجا.. وكان عبدالناصر يتزعم في ذلك الوقت حركة الضباط الأحرار السرية، وكان آلون قائدا للجبهة الجنوبية، إلا أن آلون قدم نفسه لعبدالناصر في ذلك الوقت باسمه الحركي »يهو شع برجشتاين«، ولم يذكر الكاتب هذه الرواية بالمقابل الاسم الحركي الذي تعرف به آلون علي عبدالناصر وكذلك زميله الآخر.. وفي أحاديثه معهما أبدي عبدالناصر اهتماما بالاستيطان اليهودي في فلسطين أثناء فترة الانتداب البريطاني. ثم بعد ذلك استمر بروحام كوهين في لقائه بعبدالناصر والذي وصل في ذلك إلي خمسة عشر لقاء.. وأما اللقاء الخامس عشر والأخير بينهما فكان في السابع من سبتمبر عام 0591، حيث جاء عبدالناصر في ذلك الوقت لمنطقة الفالوجا مشتركا في الوفد الذي يحدد موقع جثث القتلي من الجنود الإسرائيليين في معارك عام 8491. ولكن لماذا اختير عبدالناصر ضمن الضباط الذين قاموا بهذه المهمة التي بدت إنسانية؟!.. والإجابة أنه أوعز إلي الشاويش الذي عمل معه علي أنه يشير إلي أن عبدالناصر هو الذي يعرف مكان هذه الجثث، وقد رافقه في هذه المهمة حسن صبري الخولي الذي عينه ممثلا شخصيا له فيما بعد. وكان اللقاء المشار إليه سابقا ضمن لقاءات أخري تحت مظلة جماعة الكويكرز الأمريكية المشرفة علي المعونة الدولية للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة عامي 9491 و0591، وكان طابع هذه اللقاءات الظاهرة بين الضباط الإسرائيليين والمصريين تبدو أنها مخصصة لمناقشة المشاكل المتعلقة بتنفيذ اتفاقية الهدنة وطرق ضمان الهدوء علي حدود قطاع غزة وصحراء سيناء، بل رأي البعض بأن واقع الطريقة التي عرضت بها مبادرة السلام المصرية في القدس يرجع الفضل فيها لاتصالات عام 9491 هذه والتي أجراها عبدالناصر مع الإسرائيليين تحت مظلة الأعمال الإنسانية والبحث عن جثث وقتلي اليهود في حرب 8491. أي أن هذا البعض يؤصل مبادرة السلام للسادات لخط سياسي من جانب عبدالناصر قد بدأه وسعي فيه للسلام مع إسرائيل عام 9491، ولكن تطور الأحداث أو الظروف عاقت استمرار عبدالناصر من استكمال هذا الطريق، ولكن هذا البعض بهذه الرؤية يرد الفضل للمبادرة إلي عبدالناصر.. منذ عام 9491. ولكن هل كان لهذا الفضل أثناء حرب 8491 خيط سابق.. أو امتداد لاحق أيضا؟ بالفعل كان له خيط سابق.. علاقات الود في حارة اليهود روي محمد حسنين هيكل أن والد عبدالناصر الذي كان يعمل كاتبا بمصلحة البريد المصرية قد نقل من الصعيد إلي الإسكندرية وقد تزوج بسيدة من الإسكندرية، ورزق بعبدالناصر، الذي وصل إلي عمر الثماني سنوات، وأُرسل إلي القاهرة لاستكمال تعليمه، وكان يراسل والدته بخطابات ولكنها لم ترد عليه.. وفي الإجازة الصيفية عندما ذهب إلي الإسكندرية قيل له إنها توفيت.. فحزن وغضب عبدالناصر وشعر أنه يفتقدها. وعند هذا الحد من الرواية توقف هيكل عن الاستطراد.. ولكن ماذا جري في القاهرة؟ عندما أُرسل عبدالناصر إلي القاهرة كان يقطن عند إحدي قريبات والدته في حي يقع بين منطقة الصورين ومنطقة الخرنفش وهو مايطلق عليه حي اليهود في منطقة الموسكي التجارية.. وبالتحديد في رقم (5) في حارة خميس العدسي بحي اليهود.. ومن الطبيعي أن يستمر مع قريبة والدته في ذلك الحي بعد أن نقل والده إلي القاهرة وتزوج بأخري.. ولم يطق عبدالناصر الاستمرار مع زوجة أبيه.. ومن الطبيعي والحي كان يهوديا أو الأغلبيبة من سكانه من اليهود فإن هناك علاقات اجتماعية تنمو مع أقرانه وأصدقائه وجيرانه منهم وتشتد هذه العلاقات إلي أقاربهم وذويهم أيضا في أنحاء مصر أو أحيائها الأخري كحي السكاكيني.