خالد محيي الدين .. واحد من الضباط الأحرار الذين قاموا بثورة يوليو25.. وكان عضوا بمجلس قيادة الثورة.. عرف عنه شجاعته وفروسيته .. وظل علي مدار أكثر من خمسين عاما في العمل السياسي لا يتلون حسب الزمان والمصالح والأشخاص، حتي عندما صبغوه باللون الأحمر لم يتنازل عن معتقداته، فعزل ونفي.. لكنه عاد .. وفي كل مرة كان يعود بعد الانكسار قويا .. كان صاحب رأي وصاحب مواقف ، يرفض التنازل عن آرائه ومبادئه مما أكسبه احترام الجميع حتي الذين اختلف معهم واختلفوا معه.. اعترافات جمال : فكرت أن أتزوجها .. لكن اختلاف الديانة منعني أهلها وقفوا جنبي في أزمتي .. وساعدوني وادوني »ريق حلو« في وقت كانت ظروفي صعبة جدا من هنا تأتي أهمية شهادة الرجل علي الثورة وقائدها جمال عبدالناصر.. يقول خالد محيي الدين: إن عبدالناصر أول رئيس عربي يعترف بإسرائيل.. ذات مرة سُئل خالد محيي الدين: »في كتاب عبدالناصر والذي قام بتأليفه أنتوني ناتنج من الخارجية البريطانية قال: إن الثمن كان لخروج اسرائيل من حرب 65 أن تمر في خليج العقبة وهو الممر الذي كان بالنسبة لها أفضل من المرور من قناة السويس وأن الرئيس عبدالناصر وافق علي ذلك«. يجيب خالد محيي الدين: تلك من الحقائق الثابتة تاريخيا، فمصر كانت تريد سحب القوات الاسرائيلية من سيناء وكان هذا هو المقابل. إذن تم ذلك دون رغبة أو لي ذراع جمال عبدالناصر كشئ مقابل شئ؟ يقول خالد محيي الدين: ولماذا لي الذراع.. السياسة ليس بها لي ذراع.. فإذا كنا نريد إخراجهم فكان علينا أن نحاربهم.. وإذا كنت غير قادر علي حربهم فهناك القرار السياسي وهو البديل المطروح عليك وهو أن يمروا في خليج العقبة وهو لم يستطع أن يقول لا.. لأنه لا يستطيع إخراجهم بالقوة. في ظل هذا المنطق تري أن الرئيس جمال عبدالناصر إذا كان موجودا في ظل الظروف الحالية في المنطقة.. كان سيقبل بالبدائل والحلول السياسية ولم يكن ليفضل الحرب كما يتصور الكثيرون؟ يجيب خالد محيي الدين: الرئيس جمال عبدالناصر كان أول زعيم عربي يقبل قرار مجلس الأمن رقم 242 وهو يتضمن الاعتراف بدولة اسرائيل ومنع الأعمال العدائية ضدها.. وعبدالناصر كان سياسيا ورئيس دولة، والذي يعمل بالسياسية عليه أن يلعب بالأدوات المختلفة ويتفهم الشرعية الدولية والأمم المتحدة ويحاول التعامل مع قراراتهم. هل كان السلام حتميا؟ الاعتقاد السائد أن مبادرة الرئيس أنور السادات للقدس من أجل السلام، كانت أول اعتراف من رئيس عربي بدولة اسرائيل.. فهل كان هذا صحيحا؟ لاشك أن المبادرة أثارت العديد من التساؤلات من خلال معطياتها ونتائجها ومسارها وحديث العالم عنها.. وكانت هذه التساؤلات تدور حول أربعة محاور أساسية: هل كان السلام بين مصر واسرائيل حتميا.. وهل كان لابد واقعا لامحالة من خلال هذه المبادرة؟!.. وبمعني آخر هل ذلك السلام كان استراتيجية لابد وأن تتحقق .. وكانت المبادرة بهذا المعني نهاية طريق طويل لهذه الاستراتيجية؟! وفي ذات الوقت هل هي بداية طريق آخر؟ وإذا كانت هناك استراتيجية لتحقيق هذا السلام.. فما هي السياسات التي اتخذت وجرت وحققت هذا السلام بين مصر وإسرائيل؟ وماهي الأطراف البشرية أو العناصر الإنسانية في لعبة الحرب والسلام والتي كان عليها تحقيق هذا السلام الاستراتيجي؟ ثم ماذا كانت أدوات هذه العناصر البشرية أو أدوات ووسائل تلك الزعامات التي سعت لتحقيق هذا السلام عقب مبادرة القدس؟.. وفي ضوء هذه التساؤلات.كان لابد من وضع خطة بحث .. وذلك للتعرض من زواياها المتعددة بالفحص والتدقيق لنصل إلي إجابة عن هذه التساؤلات. عندما تلمسنا بداية هذا البحث وهذه الدراسة التاريخية الواقعية.. كان أمامنا نموذج فريد في العداء السافر بين عبدالناصر واسرائيل.. ولكن في الظاهر والعلن والشعارات.. وفي ذات الوقت كانت هناك مساع من كل منهما نحو السلام .. أو الصلح! والسؤال الذي يبدو ملحا في هذا النموذج هو.. إنه رغم العداء السافر لدي عبدالناصر، وهو العداء المعلن والظاهر طوال سنوات ليست قليلة، والمعارك التي وقعت بين النظام الناصري وإسرائيل.. إلا أنه بعد هذه السنوات أضحت إسرائيل قوة عظمي إقليمية.. فهل حققت السياسة الناصرية هذه النتيجة لاسرائيل.. عمدا أم نتيجة سوء تقدير؟!.. وإذا كان للقوي العالمية فضل في ذلك.. فهل كانت للعناصر المحلية و منها القيادات المصرية »عبدالناصر السادات مبارك« دور في تحقيق هذا الفضل لإسرائيل؟ حرب 84 البداية.. ولكن قد تبدو حرب 84، وهي أول مواجهة عسكرية بين العرب وإسرائيل، هي البداية الأولي لنمو خيوط السلام بين مصر وإسرائيل.. وإن كانت في ذلك الحين تحتاج إلي مجهر حتي يمكن تحري الدقة في هذا التشخيص.. وقد تتبعنا هذه الخيوط علي مدي أكثر من ستين عاما لنصل إلي حقيقة الصراع العربي الإسرائيلي من خلال الصراع الإسرائيلي الناصري ثم الصراع الإسرائيلي الساداتي.. ثم الإسرائيلي.. المباركي في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. وليس بجديد أن نذكر أن الاتصالات السرية بين إسرائيل وعبدالناصر قد بدأت في شهر أغسطس عقب قيام حركة ضباط يوليو 25 بما يقرب من شهر، وهذا ما أفصحت عنه الوثائق الأمريكية والبريطانية .. ثم الوثائق الإسرائيلية والمصرية أيضا. ولكن قبل أن نتناول الوثائق .. دعونا نذكر حكاية لها دلالاتها ذكرتها السيدة اعتماد خورشيد في كتابها »حكايتي مع عبدالناصر«. غرام في حارة اليهود تقول اعتماد خورشيد تحت عنوان: »عندما خفق قلب جمال«.. كان خالد الريس »زوجها الفلسطيني الذي اختاره عبدالناصر زوجا لها« حريصا علي إسعاد كل مجموعة الأصدقاء »وتقصد بهم مجموعات الضباط المصريين ومعهم جمال عبدالناصر الذين كانوا يجتمعون كل مساء في منزل خالد الريس« وكان يلبي طلباتهم ويحبهم من قلبه ويدرك مدي وطنيتهم وحبهم لبلدهم ومحاولاتهم حل مشكلة بلده فلسطين.. وكان يحس دائما ويقول لي: إن جمال دائما مكتئب .. وحزين وزعلان وشايل هموم البلد علي صدره .. وأنا مش قادر أعمل له أي حاجة تسعده وتبعد الهموم دي عن صدره. وذات مرة جاء جمال ولم يكن خالد موجودا في البيت وجلس معي نتكلم ويشكو كل منا همه للآخر.. وقامت جدتي تعمل القهوة.. كان يحب أن يشرب القهوة من إيد جدتي.. ودائما يتساير معها ويشتكي همومه لها. قلت له: مالك.. ياجمال فيه إيه إنت ليه حزين النهاردة؟.. قال: النهاردة بس .. أنا حزين علي طول .. البلد متلخبطة ومش عجباني.. يعني عاجبك حال البلد.. حتي حياتي نفسها متلخبطة ومش عارف أنا رايح فين .. واستطرد يقول : مش إنتي لوحدك اللي ظروفك صعبة ، ولا إنتي لوحدك اللي تعبتي في طفولتك.. وعذبتك مرات أبوكي .. أو جوز أمك .. أنا برضه حصل لي كده .. لقيت المُر من مرات أبويا وتعبت قوي في صغري .. واتعذبت كتير بعد أبويا ما اتجوز .. وبعد أمي ما ماتت الله يرحمها .. وقطع كلامه بقراءة الفاتحة علي روحها .. فقد كان يحبها جدا.. وعاد جمال يروي حكايته مع العذاب : بعد أمي ما ماتت عشت عند أقاربي في حارة اليهود .. ولكنني كنت غريبا محروما .. متضايقا .. حزينا .. مش حاسس أنهم أهلي وعزوتي.. حكاية نيللي باخوم وأضاف: عشت في حارة اليهود مع قرايبنا.. سألته: فين حارة اليهود دي؟.. قال: في الخرنفش.. ولي أصدقاء كثيرون هناك ومنهم يهود.. وفتح جمال لي قلبه.. وبدأت علامات السعادة تغزو وجهه، وكنت أكاد أسمع دقات قلبه وهو يقول: تصوري يااعتماد: أنا حسيت أن فيه بنت يهودية »أخت واحد صديقي« وجدتها تدخل حياتي، أو تقتحمها بجرأة غير معهودة.. وأكاد أقول أنها تغازلني »وطبعا جمال راجل شكله حلو.. وجسمه فارع الطول، ومنظر وممكن أي بنت طبعا تقع في حبه«. واستطرد جمال يقول: اسمها نيللي وأبوها تاجر قطن إسمه ليشع باخوم.. فكرت في يوم من الأيام أتجوزها.. لكن الفكرة بعدت عن ذهني، فهي يهودية وأنا مسلم.. الحقيقة الناس دول وقفوا جنبي في أزمتي.. وساعدوني وأدوني »ريق حلو« في وقت كانت ظروفي مع أبي وأهلي صعبة.. قلت لجمال.. ممكن أشوفها؟.. قال : أفكر. وبعد أيام حضرت معه إلي بيتنا.. واحدة جميلة جدا.. شعرها أحمر وبيضاء وعيونها خُضر.. وجلسنا نتحدث طويلا.. وكانت ذكية للغاية جريئة في كل كلامها.. فقد كان اليهود كذلك بخلاف المصريات.. ولم يكن عندهن حساسية الخجل من الرجال مثلنا.. وكانت نيللي تعلمني استعمال الماكياج وتصر علي أن تنزل معي تشتري فساتيني واكسسواراتي من عند صديقة لها اسمها إيرين يهودية في شارع عماد الدين بجوار باتا.. وهي التي أقنعتني أني أنفع ممثلة، فكانت تقول لي دائما.. إنتي حلوة زي ممثلات السينما.. وطبعا هذه نغمة تعجب أي ست.