الإشراف القضائي .. معضلة جديدة بدأت في الظهور في الأفق خاصة بعد ظهور المسودة الأولي للدستور وذلك بعد إلغاء الإشراف القضائي ليحل محله مفوضية عليا تتولي الإشراف علي الانتخابات البرلمانية والرئاسية والاستفتاءات بعد فترة انتقالية مدتها 10 سنوات يتم بعدها التخلص من الإشراف القضائي بحيث يصبح الإشراف علي العملية الانتخابية عملية مجتمعية تديرها منظمات المجتمع المدني والحكومة. مما لاشك فيه أن انتخابات مجلس الشعب 2010 هي القشة التي "قصمت ظهر البعير" وكانت شرارة كبري في قيام ثورة 25 يناير وكان من أهم مطالب الثوار هو حل هذا المجلس الذي جاءت فيه المعارضة والأغلبية وقتها بالتزوير ولم لم ينجح أحد من جماعة الإخوان المسلمين سوي نائب إخواني واحد اتفق معه أمن الدولة لإنجاحه وتم فصله من جماعة الإخوان المسلمين التي قاطعت الانتخابات وقتها وكان أهم أسباب تزوير تلك الانتخابات هي عدم الإشراف القضائي الكامل وهو ما أدي الي تلك النتيجة وصحح الخطأ في الانتخابات الأخيرة التي خضعت لإشراف قضائي كامل أعاد للأمور نصابها من جديد بعد خطأ 2010 الذي فعله النظام من أجل ألا تحدث مرة أخري انتخابات برلمان 2005 التي حصل فيها الإخوان المسلمون علي 88 مقعدا بنسبة 20 ٪ من المجلس ووصلت كراسي المعارضة إلي 27٪ وهو الأمر الذي جعل النظام يشعر أن هناك خطرا قادما وبالتالي ظهرت تبريرات كثيرة من قبل قادة الحزب الوطني من إلغاء الإشراف القضائي. علامات استفهام كثيرة ظهرت بعد هذه الفكرة خاصة داخل الجمعية التأسيسية والتي وصف مجموعة كبيرة من الرافضين لفكرة إلغاء الإشراف القضائي إن هذا الوضع سيؤدي لإنتاج حزب وطني جديد، فيما يري المؤيدون للنص أن مدة عشر سنوات كافية للقضاء علي ثقافة التزوير. وكان عدد من أعضاء الجمعية التأسيسية قد رفضوا إلغاء الإشراف القضائي علي الانتخابات بعد مرور عشر سنوات وإسناد الإشراف للمفوضية الوطنية للانتخابات.. وقال الرافضون في الجلسة العامة للجمعية التأسيسية لوضع الدستور، إن هذا الوضع سيؤدي لإنتاج حزب وطني جديد، فيما يري المؤيدون للنص أن مدة عشر سنوات كافية للقضاء علي ثقافة التزوير، وأن الإشراف القضائي يعطل عمل المحاكم المزدحم بالقضايا. وهدد محمد عبد العليم داود عضو الجمعية بالاستقالة من "التأسيسية" وعدم خوض أي انتخابات برلمانية لو وجد إصرار علي إلغاء الإشراف القضائي بعد عشر سنوات، مؤكداً أنه لن يوقع علي بياض لأحد، وأرجع داود مطالبته باستمرار الإشراف القضائي إلي أن التزوير تم ممارسته علي مدي 60 عاماً، وقال داود: "لا نضمن أي نظام حاكم، سواء الحالي أو القادم ولذلك لابد أن تجري الانتخابات تحت الإشراف القضائي الكامل وعندما تنتهي ثقافة تزوير إرادة الناخبين الذي لن يكون قبل سنوات طويلة من الممكن وقتها تعديل المادة الخاصة بذلك.. أما وضع مادة تحدد استمرار الإشراف بعشر سنوات فهو أمر مرفوض ومن يدرينا عندما يثبت الحزب الحاكم أقدامه من خلال رجاله ومحبيه ومؤيديه أن نعود لسيطرة حزب واحد في إدارة شئون البلاد مرتكزًا علي نفس ثقافة التزوير التي نجح في ترسيخها النظام السابق. وأشار عبد العليم أن هذه المادة أخطر ما في الدستور، لأنها تمهد لعودة نظام الحزب الحاكم، وطالب داود بتعديل مادة تشكيل المفوضية بحيث ينضم إلي أعضائها ممثلون عن هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية. وأضاف داود: "أذكر الإخوان بيوم كنا جميعاً في خندق المعارضة خلال برلمان 2010/2005.. وانسحبنا من جلسات تفصيل وتقنين التعديلات الدستورية التي ألغت الإشراف القضائي علي الانتخابات.. وأطلقت عليها يومها أنها "تعديلات شيطانية"، وكان نتيجتها برلمان 2010 الذي كان أحد أسباب قيام الثورة". وتنص المسودة الأولي للدستور علي إنشاء مفوضية عليا للانتخابات تتشكل من تسعة أعضاء بالتساوي من بين نواب رئيس محكمة النقض ورؤساء محاكم الاستئناف ونواب رئيس مجلس الدولة تنتخبهم جمعياتهم العمومية من غير أعضاء مجالسها الخاصة ويتم انتدابهم للعمل دورة واحدة لمدة خمس سنوات وللمفوضية أن تستعين بمن تراه من الشخصيات العامة والمتخصصين وذوي الخبرة، ونصت الأحكام الانتقالية علي أن الإشراف القضائي يستمر علي الانتخابات لمدة عشر سنوات قادمة وبعدها يتم إسناد الإشراف للمفوضية الوطنية. ومن جانبه، قال الدكتور ياسر برهامي عضو الجمعية، إن الإشراف القضائي يجب أن يستمر علي الانتخابات دون تحديد مدة معينة لإنهائه، وأن إلغاء الإشراف مستقبلاً يكون بعد تغيير ثقافة الشعب وأن هذا لا يمكن التحقق منه أو التنبؤ به خلال مدة معينة، لافتاً إلي أنه لا يمكن أن يختار تسعة قضاة هم أعضاء المفوضية الوطنية للانتخابات 500 موظف يتولون الإشراف علي الانتخابات، فكيف لهم أن يعرفوا هذا العدد من حيث كفاءتهم وسمعتهم وسيرتهم بشكل موثوق به وليس بناء علي ترشيحات قد تكون فيها أغراض أو شبهات.وأكد برهامي أنه لا يضمن إلغاء ثقافة التزوير وأن وجود الإشراف القضائي، هو أكبر ضمانة لعدم إنتاج حزب واحد حاكم. وتساءل علاء عبد المنعم عضو مجلس الشعب السابق عن سبب تغير موقف الإخوان من الإشراف القضائي، مشيراً إلي أن مجموعة ال88 لنواب الإخوان والمعارضة كانوا يدا واحدة في برلمان 2005 من حيث معارضتهم لإلغاء الإشراف القضائي علي الانتخابات والإرادة السياسية ليست ضمانا لانتخابات حرة ونزيهة. وأضاف: "أنا أضمن الدكتور محمد مرسي أنه لا يرغب في التزوير، لكن من يضمن من يأتي بعد مرسي"، واقترح عبد المنعم أن تجري الانتخابات في إجازة القضاة، وذكر "الإخوان" بأن الحزب الوطني كان يقول نفس الحجج عندما ألغي الإشراف القضائي في التعديلات الدستورية، وقال وقتها إن ذلك يعطل عمل المحاكم والفصل في قضايا المواطنين. وقال صلاح عبد المعبود عضو لجنة نظام الحكم بالجمعية التأسيسية عن حزب النور، أن عشر سنوات كافية لكي نلغي الإشراف القضائي علي الانتخابات، حيث ستكون المفوضية العليا للانتخابات استكملت كل بياناتها واختيار موظفيها.وأشار عبد المعبود إلي أن لدينا انتخابات مجلس نواب ومجلس شيوخ كل ثلاث سنوات ومجالس محلية وانتخابات رئاسية، أي أننا أمام انتخابات كل عام تستهلك شهرين، وهذا من شأنه تعطيل القضاء. وكان الدكتور ثروت بدوي أستاذ القانون وعضو اللجنة الاستشارية للجمعية التأسيسية، قد برر إلغاء الإشراف القضائي قائلاً أمام إحدي الجلسات العامة للجمعية التأسيسية: رغم أن لي آراء قد تختلف مع آرائكم إلا أني أقدر جهدكم، قائلا وباعتباري من جيل قديم وليس تدخلا في عملكم ولا محاولة لفرض رأي لكن بحكم خبرتي واطلاعي علي تجارب عديدة ومشاركتي في وضع دستور 71 أؤكد ضرورة أن تكون هناك مبادئ أساسية يجب مراعاتها عند وضع الدستور، وهي أننا نعمل دستورا للأجيال القادمة ولأولادنا ولأحفادنا وليس لأنفسنا. وتابع: ومن هنا يجب أن نضع في الاعتبار مجموعة مبادئ أساسية وهي أننا متفقون علي وضع دستور ديمقراطي حر يقوم علي سيادة القانون والعدالة والمساواة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك ما لم يتحقق الفصل بين السلطات، ويجب أن نعلم أن الديمقراطية والحرية وسيادة القانون مبادئ مرتبطة ارتباطا وثيقا بحيث ينهار أي مبدأ منهم إذا مس الآخر، وهذا الارتباط يجعلنا جميعا نعرف أن الفصل بين السلطات ضمانة أساسية لعدم الاستبداد، ويقوم علي استقلال القضاء لأن القاضي يحمي سلطات الدولة وحقوق المحكومين، ولا يكون كذلك إلا إذا كان القضاء مستقلا محايدا، وهذا يتطلب عدم التدخل في الأعمال الإدارية والمشاركة في السياسة، ولذلك فإن جميع النظم تمنع ترشح القاضي للانتخابات إلا بعد أن يترك عمله، فالقاضي يجب أن يبتعد عن العمل السياسي. وأضاف ثروت بدوي: كنت دائما أنبه إلي أنه لا يجوز إشراك رجال القضاء في الإدارة فلا يجوز ندب القضاة في أعمال إدارية أو مشاركة القضاة في أعمال الانتخابات، فالإشراف القضائي بدعة ابتدعها الرئيس السادات في 81 حتي يمرر النص الخاص بمدد الرئاسة، وهو الذي ابتدع النص الخاص بسلطة الصحافة مستقلة، فالصحافة ليست سلطة مستقلة. ومن جانبه أكد النائب حسين إبراهيم زعيم الأغلبية ورئيس الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة بمجلس الشعب المنحل وعضو الجمعية التأسيسية أن ما هو موجود داخل لجان الجمعية بشأن الإشراف علي الانتخابات البرلمانية مجرد مقترحات. وأضاف إبراهيم نحن في مصر لانثق إلا في إجراء الانتخابات تحت إشراف قضائي كامل ووجود قاض علي كل صندوق لأن أي نظام آخر كانت تتم به الانتخابات في ظل النظام السابق كان يتم تزويرها وكانت انتخابات غير معبرة عن إرادة الناخبين.