حملات التبرع بالدم.. قد تصادفها في بعض محطات المترو ويحاول القائمون علي الحملة إقناعك بجدوي ذلك.. البعض قد يستجيب من أجل الظروف الإنسانية والبعض الآخر يخاف ويتوجس لأسباب كثيرة وأولها: ما الذي يثبت تبعيتهم للمكان الرسمي أو الشرعي الصحيح خاصة أنهم يتواجدون بمحطات المترو ولاتظهر السيارات الخاصة بهم.. وثانيها: أين مصير الدم الذي سوف يتم التبرع به؟.. والثالث: الخوف من التلوث والفيروسات.. وبين هذه الأفكار تظهر معاناة الفريق الطبي الذي يعمل من أجل ذلك ومدي نجاحهم في إقناع الناس بعدم وجود هذه الهواجس. »آخر ساعة« رصدت هذه الحملات علي مدي يوم كامل وتابعت خطوات هذه العملية منذ بدايتها وحتي النهاية. مجموعة من الأشخاص يفترشون جانبا علي رصيف مترو الأنفاق ومعهم مجموعة من الأدوات الطبية والصناديق المليئة بالسرنجات والأكياس البلاستيكية وكذلك بعض الأسرة الصغيرة اللازمة لذلك.. يحاولون اجتذاب الناس من علي محطات المترو.. قلة من الناس يستجيبون لأنهم يفترضون حسن النوايا يرون ذلك عملا إنسانيا ينالون عليه ثوابا.. ولكن الكثيرين يخافون ويتوجسون وتدور في رؤوسهم تساؤلات عدة تجعلهم يحجمون عن ذلك حتي مع المحاولات الشديدة من الفريق الطبي.. دخلنا إلي مكان عمل هذه الحملة من الداخل.. فريق عمل الحملة يتكون من رئيس الحملة وهو طبيب ويمثله في هذه المجموعة د. نهي محمد وأشخاص من التمريض ويمثلهم هنا إبراهيم سامي وهبة فتحي وعزة محمد ومجموعة التمريض هم المسئولون عن سحب عينة الدم وكذلك وجود شخص فني ويمثله هنا حاتم محمد الشاذلي وهو المسئول عن أخذ العينة لمعرفة مدي صلاحية دماء هذا المتبرع.. ولذلك لابد من وجود أشخاص يمثلون العلاقات العامة في الفريق وهما طارق سليمان وعلي خالد وهما اللذان يجذبان الناس من أجل التبرع.. وكذلك وجود كاتب يسجل البيانات علي الكمبيوتر. د. نهي محمد وحاتم الشاذلي شرحا لنا بالتفصيل الخطوات التي تتم منذ بداية أخذ العينة وحتي المرحلة الأخيرة التي يمر بها كيس الدم بعد الحصول عليه قائلين: إننا نأخذ عينة من المتبرع أولا لمعرفة الفصيلة الخاصة به ونسبة الحديد في الدم لمعرفة هل يوجد أنيميا في الدم أم لا؟ لأننا نرفض أخذ عينة من شخص يعاني الأنيميا حتي لاتحدث له مضاعفات وكذلك يتم قياس الضغط لأن الضغط المنخفض لايفضل تبرعه.. وبعد التبرع يتم أخذ عينات من كيس المتبرع نفسه ونعمل عليها تحاليل للتأكد من عدم وجود فيروس الكبد (B . C)، وكذلك الإيدز والزهري وهذه المرحلة تكون بعد إتمام الحملة وتتم في المعامل.. وكذلك لايفضل أخذ عينات من مريض القلب أو السكر أو السرطان أو المرضي بالصرع.. والمتبرع عندما يدخل علينا نأخذ بطاقته ونسجل بياناته وكل كيس من هذه الأكياس الفارغة معقم ومغلق ومستقل بأدواته كاملة ومغلف.. ثم تجمع الأكياس بعد التبرع ويتم الذهاب بها إلي معامل المصل واللقاح التابعة لوزارة الصحة.. وهناك حملات أخري تكون تابعة لبنوك الدم وكل بنك ينزل بالفريق التابع له ولكن الغالبية تكون تابعة لهيئة المصل واللقاح لأنها هي التي تقوم بتوزيع الدم بعد ذلك لمناطق متعددة سنذكرها بالتفصيل فيما بعد.. ولكن بعد ذلك يدخل الكيس عملية فصل بمعني أنه يتم فصل البلازما عن (RBC) لأن الدم مكون من الصفائح والبلازما. وكرات الدم الحمراء فيتم فصل البلازما عن كرات الدم الحمراء وبعد ذلك يتم تجميد البلازما والدم يوضع بالثلاجات حتي تظهر نتيجة التحاليل.. فلو أظهرت التحاليل صلاحية كيس الدم يأخذ مساره للمحتاجين.. سألتهما: ماهي المناطق التي تقوم هيئة المصل واللقاح بتوزيع الدم لها؟ فأوضحا أن هذه الأكياس معظمها تذهب لأطفال (الثلاسيميا) وجزء يذهب لمرضي الفشل الكلوي وجزء لمستشفي سرطان الأطفال والباقي للمرضي الكبار حسب قرارات العلاج علي نفقة الدولة.. وهناك جزء بسيط يتم بيعه وليس معني بيعه أن هذا يحدث في السوق السوداء التي يخشاها الناس والتي قد تجعلهم يحجمون عن التبرع وإنما معناها أنه لو وجد مريض مثلا بحاجة إلي دم ولاتسمح ظروفه المادية بالشراء فيأتي باثنين من الأهل أو الأصدقاء يتبرعان بكيسين من الدم من أي فصيلة مقابل كيس الدم الذي سيأخذه.. يعني الكيسين مقابل كيس واحد للمريض.. أما باقي الدم فيتم بيعه للمقتدرين بالطرق الشرعية أيضا.. وهناك معلومة هامة وهي أن الكيس يدون عليه اسم المتبرع ويأخذ رقم كودي والكيس عبارة عن كيسين معا.. كيس يتم التبرع فيه وكيس فارغ لحين فصل البلازما. ويأخذ نفس الاسم والرقم وسن المتبرع يكون من 18 إلي 60 سنة. سألت فريق الحملة عن مدي اطمئنان المتبرع بأنه بعد تبرعه سيكون آمنا من انتقال عدوي أو فيروسات معينة إليه فأجابت د.نهي: يتم طمأنته عن طريق رؤيته للشكاكة التي يتم وخزه بها أولا لأخذ العينة المبدئية لأنها تستخدم لشخص واحد فقط ثم تلقي بعد ذلك في سلة المهملات ولا تستخدم لأكثر من شخص .. ثانيا: كيس الدم نفسه مغلق ومغلف بأدواته كاملة بداية من الإبرة وحتي الكيس معقم بالإضافة لأن هناك أشخاصا نرفض أخذ دم منهم علي الإطلاق مثل الحامل والمرضع أو الشخص الذي أجريت له عملية جراحية منذ أقل من 6 شهور. وكذلك مرضي السرطان والسكر والقلب. ويضيف حاتم الشاذلي الفني بالحملة لايوجد لدينا إقبال كبير لأن المتبرع يقول إن هذه الحملة ليست في مستشفي وأن الناس تخشي سرقة أكياس الدم وكذلك البعض يتخوف من حمل أمراض وعدوي ولكننا نطمئنهم وكذلك الكمية التي تقوم بسحبها هي 400م فقط لأن حجم الكيس 500.. وبه 100م مادة بالكيس الفارغ نفسه لمنع التجلط.. ولكن هناك أياما تكون الكمية التي حصلنا عليها قليلة ككيس أو اثنين أو حتي ثلاثة فقط.. أما الحد الأقصي فيكون 30 كيسا مثلا أما في المتوسط العام فتكون 20 كيسا غالبا وخاصة أن الحملات علي محطات المترو تكون ضعيفة الإقبال عكس النوادي والشوارع. أما بالنسبة للدور الذي يقوم به موظف العلاقات العامة فيقول طارق سليمان: نحن نحاول اجتذاب الناس فنقوم بالتحدث مع المتبرع كل حسب طريقته إذا كان مثقفا أو من عامة الشعب وبالطريقة المناسبة له ونحدثه عن الظروف الإنسانية والثواب الذي سيأخذه وعن الحالات المرضية الصعبة التي يصل إليها كيس الدم مثل أطفال الثلاسيميا وكذلك مرضي غسيل الكلي والسرطان والأمراض الخطيرة وهناك شخص يتفهم عندما يتم طمأنته من تعقيم الأدوات وخلوها من أي عدوي وأن كل شخص يستخدم أدوات خاصة به.. ونطلعه علي البطاقات وإثبات الشخصية لأننا المشكلة ونحن علي محطات المترو تكون الأمور أصعب من الشوارع لتعذر وجود السيارات الرسمية التي تثبت عملنا.. ولكننا نعمل في ظروف أصعب من الشارع أو النادي بالإضافة لشرح الفوائد الإيجابية للمتبرع التي تعود عليه مثل تجديد الدم وكذلك عمل التحاليل المجانية له لكي يطمئن علي خلوه من الفيروسات وهذه التحاليل مكلفة بالخارج ولكنه يحصل علي نتائجها مجانا عن طريق متابعتنا ويمكنه الحصول عليها شفوية أو كتابية.. وهناك فئات أخري نحدثهم عن طريق العاطفة والشعب المصري عاطفي بطبيعته وطيب فنحدثه عن الحالات الإنسانية التي يذهب لها هذا الكيس.. ولكن الكميات عامة في محطات المترو تكون أقل وكذلك تختلف من منطقة لأخري ومن محطة لغيرها بسبب التعداد السكاني والمستوي الثقافي ولكننا كفريق عمل نعاني من أجل الحصول علي المتبرعين.. والمفروض أن يكون هناك توعية من الصحافة والإعلام لمعرفة مدي الدور الهام لهذه العملية.. فعمليات زرع الكبد تحتاج إلي 10 أكياس دم وعمليات القلب المفتوح تحتاج 4 أكياس.. أما أطفال الثلاسيميا فيتاجون الدم بصفة دورية.. وكيس الدم يمكن أن يفيد أكثر من شخص وترجع أهمية الحملات بأنها هي التي تجلب أكياس الدم للمستشفيات.. وهيئة المصل واللقاح هي التي تعطي أكثر الكميات وتوزعها علي المستشفيات وبنوك الدم وتحاليلها آمنة وخالية من الأمراض. وتلتقط د. نهي أطراف الحديث مجددا قائلة أتذكر حادثة هامة وغريبة ولكنها تؤكد مدي أهمية التبرع وهي فتاة كان عمرها 19 عاما تبرعت معنا بكيس دم وبإجراء التحاليل اكتشفنا إصابتها بفيروس (C) وهي لم تكن تعلم بذلك فسألناها عن إجرائها أي جراحات من قبل أو قيامها بعملية نقل دم فقالت: لا ولكنها قالت إن العدوي كانت من عند (الكوافير) فانتبهت الفتاة لهذا المرض وأخذت تعالج منه فترة وبعد سنتين تقابلنا معها أمام النادي وأخبرتنا بأنها عولجت من هذا المرض وأنهم هم السبب في اكتشافه مبكرا ولولا ذلك ما علمت به!!