لاشك أن نسب الفقر في مصر زادت بصورة يقشعر لها البدن ليصبح (فقراء مصر) أكبر حزب يشهده تاريخنا السياسي والكارثة أنه امتد ليشمل الطبقة المتوسطة صاحبة التاريخ النضالي العريق وأصبحت مشكلة الفقر هي أعقد المشكلات التي ستواجه الرئيس المنتخب محمد مرسي علي الإطلاق.. ولكن تظهر فكرة "إنشاء بنك للفقراء" كبارقة أمل لحل تلك المشكلة المعقدة وهذه الفكرة ليست بوليدة الظروف الحالية بل طرحت منذ أكثر من 15 عاما كحل بسيط علي غرار بنك "جرامين"البنجلاديشي والذي أسسه أستاذ الاقتصاد المسلم محمد يونس كأول بنك في العالم يقدم القروض للأسر الفقيرة لإقامة مشروعات بسيطة يعتمدون عليها في أرزاقهم ونجحت الفكرة في بلاده لتنتقل بعد ذلك إلي 40 دولة علي مستوي العالم وأثبتت نجاحا منقطع النظيرليحصل بعد ذلك علي جائزة نوبل للسلام. ولكن في مصرلم تجد التأييد وقوبلت بالرفض من الجهات المختصة واستمات النظام البائد في دحضها وقتلها واليوم أعيد طرح هذه الفكرة علي يد المهندس حازم الليثي أحد رجال الأعمال الشرفاء الذين فكروا في مساعدة فقراء مصر عن طريق وضع عدة ملايين من الجنيهات في أحد البنوك لتكون نواة للبنك القائم علي التبرعات وتقوم جمعية رسالة بتنفيذ تلك المهمة الصعبة لتتوغل في قري الصعيد وتقدم قروضا للبدء في عمل مشروعات صغيرة يستفيد منها الفقراء وتكون حائطا يستندون عليه من غدر الأيام وقد نجحت تلك الفكرة في تمويل العديد من المشروعات الصغيرة بتلك القري لتثبت نجاحا غير مسبوق. فهل ستهتم حكومة مرسي الجديدة بمثل تلك المشروعات وتحاول تدعيمها وإحياءها مرة أخري ؟أم ستسير في نفس اتجاه النظام القديم وتوجه بصرها نحو خدمة رجال الأعمال والمستثمرين؟؟ هذا ما ستسفر عنه الأيام القادمة....... »آخرساعة« استمعت إلي بعض متطوعي جمعية رسالة والذين يقومون بدور مانحي تلك القروض للأسر الفقيرة وعن أحوال القري التي زاروها وأوضاعها الاقتصادية. يقول أحمد سلامة عضو الحملة: منذ أن وافقت الجمعية علي تبني تلك المبادرة سعدنا كثيرا بهذا النشاط الخيري والبنك الذي نتمني أن يؤدي دوره علي أكمل وجه وقد تركزت جولاتنا في البداية علي قري الصعيد وتحديدا قري المنيا وبني سويف ففي محافظة بني سويف زرنا قرية"أهناسيا" والتي تشتهر بآثارها الفرعونية المهملة ولا تجد الاهتمام الكافي من قبل المسئولين فحالها لا يختلف كثيرا عن أحوال سكانها الذين يعانون من الفقر المدقع فالمياه ملوثة والبطالة وصلت لأعلي معدلاتها إضافة إلي أن هناك نسبة كبيرة من النساء يعلن أسرهن عن طريق بيع الخضراوات أو حتي العمل كخادمات في البيوت ولا يجدن الاهتمام الكافي من قبل الحكومة أو حتي نظرة عطف من عين الرئيس الجديد وعندما علمن بمبادرة بنك الفقراء سارعن بالتقديم فيه حتي يستفدن من قرضه البسيط الذي سوف يساهم من وجهة نظرهن في كسب لقمة العيش دون مرمطة في الشوارع. ويروي سلامة قصة إحدي السيدات التي استفادت من تلك التجربة وتدعي"أم سيد"وهي مثل حي للسيدة الصابرة المكافحة التي رضيت بقضاء ربها وحكمته, ربة منزل بسيطة لم يتعد عمرها الستين ربيعا لاتفقه في الحياة شيئا سوي الصبر ومناهضة الجزع والخوف توفي زوجها منذ أكثر من عشرة أعوام في حادثة سير ولسوء حظها كان يعمل"أرزقيا"ولم يكن له معاش تستند عليه كما يقولون إضافة إلي أن الله ابتلاها بثلاثة أبناء يعانون جميعهم من إعاقات مختلفة فولدها الأكبر مصاب بشلل أطفال منذ نعومة أظافره أقعده عن العمل والتعليم أما الأوسط فإعاقته تتمثل في ضمور بالمخ والأعصاب جعله أقرب إلي الموتي لايسمع أو يتكلم ولم يكن أصغرهم بأحسن حال من أخويه فهو يعاني أيضا من شلل نصفي ليصبحوا جميعهم عبئا علي تلك السيدة الفقيرة والكارثة أنها تعاني من ضيق اليد جعلها تنتظر مساعدات أهل الخير التي قد تنضب يوما من الأيام. ويستمر سلامة في حديثه قائلا: وبعد أن درسنا حالة تلك السيدة قام "البنك" بإقراضها خمسة آلاف جنيه لفتح مشروع "بقالة" متواضع يخدم أهل الحي التي تسكن فيه ويكون مددا لها علي حياتها القاسية التي تعيشها وبالطبع أعطيناها مهلة تصل إلي أكثر من شهرين للبدء في الدفع. وعن المعوقات التي تواجه أعضاء الحملة في عملهم قال سلامة: منذ أن بدأنا العمل في تلك المبادرة وعرضها علي السيدات المعيلات واجهنا تخوفا من قبلهن نحونا فأغلبهن كان يشك في صحة نوايانا وعن الهدف الحقيقي من تلك المبادرة فهن اعتقدن أننا نمثل تيارا سياسيا بعينه كما أن هدفنا الخيري يخبئ وراءه حقيقة أخري وقضينا عدة أسابيع لنشرح لهن طبيعة تلك المبادرة وماتنشده من خير لهن وقد وفقنا الله في جذب عشرات منهن ومساعدتهن علي فتح أبواب رزق مستديمة لهن. أما هالة مجدي وهي إحدي المتطوعات في جمعية رسالة فأكدت أن مثل تلك المبادرات هي التي سوف تقلل من نسب الفقر في مجتمعاتنا خاصة أن هناك فئات بعينها من الفقراء لايعلم عنهم أحد شيئا فهم قابعون في منازلهم لاينتظرون شيئا من الحكومة أو المسئولين بل يعتمدون علي أنشطة الجمعيات الخيرية ومساعدات الأغنياء وتقص مجدي حكاية "سنية" تلك السيدة الجميلة التي أصيبت بداء الفيل وقد أقعدها هذا المرض عن العمل كبائعة في أحد المحال التجارية المتواضعة وقد لجأت للعمل به بعد أن أعيتها القدرة والعزيمة في تغيير حال زوجها "شوقي" الذي انقطع عن العمل "كحلاق" بعد زواجهما ببضعة أشهر فقط لتجد"سنية" نفسها تحمل هم الإنفاق علي بناتها الثلاث وعلي مرضها الذي حل عليها كالضيف الثقيل. وتستكمل هالة: وبعد أن علمت سنية بمبادرة "بنك الفقراء" سارعت بتقديم أوراقها لطلب قرض بسيط لتستطيع أن تشتري"جاموسة"تكون مصدر رزق لها وتستفيد من خيرها وتحمي نفسها من طلب المساعدة ومد اليد وبهذا يكون "البنك"قد نجح ولو نجاحا ضئيلا في مساعدة بعض الأسر والتي يكون أغلب معيليها سيدات ضاق بهن الحال ووجدن في البنك شعاع نور لهن. وتختم هالة حديثها مطالبة الحكومة الجديدة بإحياء تلك المبادرة التي أثبتت نجاحا في دول جنوب آسيا والتي لا يختلف أهلها عن المصريين كثيرا من حيث نسب الفقر والمستويات الاجتماعية المتقاربة وقد ساهمت تلك الأفكار في دحض شبح الفقر والقضاء عليه.. وبعد أن استمعنا إلي أعضاء جمعية رسالة المتطوعين في "بنك الفقراء" كان حريا بنا الاستماع إلي صاحب تلك المبادرة الطموحة وهو"المهندس حازم الليثي"أحد رجال الأعمال الشرفاء الذين حاولوا إحياء تلك الفكرة مرة أخري حتي ولو بأسلوب متواضع يقول حازم الليثي: مما لاشك فيه أن نسبة الفقر ارتفعت في مصر بطريقة مرعبة وبات هذا الشبح ضيفا ثقيلا علي قلوب أهالي المحروسة خاصة في قري الصعيد والتي لايعلم الكثيرون عنها شيئا فجاءت لي هذه الفكرة بعد نجاح تجربة بنك الفقراء البنجلاديشي الذي أسسه أستاذ الاقتصاد المسلم محمد يونس والذي أطلق عليه اسم "جرامين" عام 1976 وحاز عليه جائزة نوبل للسلام. وتقوم المبادرة علي أساس توفير القروض التي تبدأ من 500 جنيه حتي 50000 جنيه كحد أقصي وبدون ضمانات أو فوائد وبذلك يختلف هذا البنك عن جرامين فهو يفرض نسبة فائدة مرتفعة تصل إلي 25٪. ويضيف الليثي: وتعتبر النساء المصريات هن أكثر العملاء الذين نفضلهم فأغلبهن معيلات يضطررن للعمل للإنفاق علي أبنائهن أو أزواجهن في أحيان كثيرة ونقوم من خلال البنك بإقراضهن بضعة نقود سواء لفتح مشروعات صغيرة بالمنزل كتربية الماشية والطيور أو الأشغال اليدوية وتتركز تلك الفئة في قري الصعيد والوجه البحري علي السواء كما أنهن الأكثر التزاما بسداد القروض فالمرأة إذا تحسن دخلها بشكل كبير كل هذا يعود نفعه علي الأسرة في حين أن الرجل قد يقبل علي الاستفادة السلبية من ذلك التحسن سواء في الإقبال علي الزواج مرة أخري أو إنفاق القرض علي ملذاته الشخصية. ويستكمل الليثي قائلا: وقد خاطبت عدة جمعيات خيرية للمشاركة معي في هذا المشروع وكانت جمعية رسالة هي التي تحمست لذلك المشروع وأعلنت عن حاجتها لمتطوعين جدد لهذا المشروع كما ستقوم بعمل دورات تدريبية لتعليمهم منح وجمع القروض من العملاء وقد خصصنا حسابا بأحد البنوك لتلقي التبرعات به وقد وضعت ملايين الجنيهات به كنواة لتلك التبرعات إضافة إلي المعلومات التي لديها عن آلاف الفقراء الذين يحتاجون لتلك المساعدة. الدكتور حمدي عبد العظيم العميد السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية يؤكد أن إنشاء بنك للفقراء هو الخطوة التي لابد علي الرئيس الجديد دراستها وتوليه الاهتمام بها لأن هذا البنك سيقرض قروضا متناهية الصغر، ويتعامل مع شرائح لا تستطيع التعامل مع البنوك الكبري إضافة إلي أنه سيصل إلي فئات تعاني من الفقر المدقع ولا تعلم الحكومة عنهم شيئا فالنظام البائد كان له دور كبير في زيادة معدلات الفقر بصورة كبيرة مضللا الناس بفكرة الدعم الواهية والتي لم يكن لها نفع علي الناس وكان يحارب العديد من المستثمرين ورجال الأعمال الذين يحاولون إبراز تلك الفكرة إلي النوركدولة بنجلاديش التي كان لها دور رائد في نشر تلك التجربة في أكثر من أربعين دولة علي مستوي العالم.