المسجد النبوى بالمدينةالمنورة قال تعالي: »وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ « »التوبة 100« بإسلام أبوبكر الصديق ] علم أن الإسلام أمانة عظيمة فخرج من عند رسول الله(صلي الله عليه وسلم) يدعو إلي دين الله يخبر الناس عن جنة الرحمن التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر وممن أسلموا علي يديه جعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بنت عميس التي أعلنت إسلامها سريعا ومبكرا وقبل أن يدخل الرسول (صلي الله عليه وسلم) دار الأرقم وهي صحابية ناصعة السيرة وتمتلئ مسيرتها بنور إيماني علي الدرب لكل مسلمة تريد أن تتعلم كيف تثبت علي دينها وعقيدتها هي الصحابية التي تزوجت ثلاثة من أهل الجنة وكانت مثالا عاليا للزوجة الوفية البارة والمؤمنة النقية التقية »أسماء بنت عميس بن معد الخشعمية« التي عاشت مع زوجها جعفر في رحاب الإيمان مع الرسول (صلي الله عليه وسلم) يتعلم منه ثم يعود ليعلمها فتحفظ مايقول عن ظهر قلب وكانت حياتهما مليئة بالسعادة والرضا لإسلامهما حتي بدأ جعفر وزوجته يتعرضان لأنواع وصنوف من أذي قريش والتنكيل بهما بما لايعلمه إلا الله.. صبرا علي الأذي وتحملاه لعلمهما أن البلاء سُنة ثابتة لا تتبدل ولا تتغير وأن طريق الجنة محفوف بالمكاره وماهي إلا ساعات معدودة حتي يتلطف بهما الله سبحانه وتعالي في كل ماعانياه بوعدهما بالجنة كمستقر ورحمة. هجرة للحبشة أخذت الرسول (صلي الله عليه وسلم) الشفقة والرحمة بأصحابه وما تعرضوا له من بلاء علي يد أهل مكة وكان غير قادر عن منع هذا البلاء عنهم جمعهم وقال لهم: لو خرجتم إلي أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتي يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه« استجاب أصحاب الرسول (صلي الله عليه وسلم) من المسلمين خوفا علي دينهم من الفتنة وفرارا به إلي الله فكانت الهجرة الأولي في الإسلام.. خرجت أسماء مع زوجها جعفر في هذه الهجرة وعاش المهاجرون في رحاب النجاشي الملك العادل وولدت أسماء هناك عبدالله ومحمد وعونا وبعد مرور عشر سنوات علي إقامتهم بالحبشة آمنين مطمئنين عاد جعفر إلي المدينة وقدماه تسابقان الريح من أجل رؤية الحبيب (صلي الله عليه وسلم) وقد كان طال شوقه إليه وما أن وصل حتي وجد النبي (صلي الله عليه وسلم) عائدا من فتح خيبر عن أبي موسي (رضي الله عنه) قال: كان أناس من الناس يقولون لنا يعني لأهل السفينة سبقناكم بالهجرة وكانت زائرة لحفصة فدخل عمر علي حفصة وقال عمر حين رأي أسماء: من هذه قالت: أسماء بنت عميس قال عمر الحبشية هذه البحرية هذه؟ قالت: أسماء نعم فقال سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم فغضب وقالت: كذا والله كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار البعداء البغضاء بالحبشة لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتي أذكر لرسول الله (صلي الله عليه وسلم) ماقلت وكنا نؤذي ونخاف وسأذكر ذلك للنبي وأسأله والله لاأكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه.. فلما جاء الرسول صلوات الله عليه قالت: يانبي الله إن عمر قال كذا وكذا وقلت له كذا وكذا قال: ليس بأحق بي منكم ولا لأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان وفرح بهذا أصحاب السفينة وكان كلام رسول الله أعظم في نفوسهم من أي شيء عداه.. ثم خرج جعفر إلي سرية مؤتة وقتل شهيدا قال إبن هشام: وحدثني من أثق به من أهل العلم أن جعفرا أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه بعضديه حتي قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث يشاء ولقد قال أبو هريرة قال: رسول الله (صلي الله عليه وسلم) مر بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم أبيض الفؤاد.. وبعد أن استشهد جعفر (رضي اله عنه) قال: »لاتغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم«. تكريم لها أراد الله تعالي أن يكرم اسماء بنت عميس فتزوجها الصديق أبو بكر وعاشت معه حياة مباركة كلها طاعة لله وقد برأها الله من فوق سبع سماوات حين قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم) علي المنبر كما ذكر محمود المصري في كتابه »صحابيات حول الرسول« لا يدخلن رجل بعد يومي هذا علي مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان ولما خرجت أسماء مع زوجها أبي بكر (رضي الله عنه) إلي حجة الوداع مع الحبيب وكانت حاملا وولدت له محمد وقت الإحرام ومرت الأيام مسرعة وأظلمت الدنيا بموت الحبيب (صلي الله عليه وسلم) وحزنت أسماء عليه حزنا شديدا وتولي زوجها أبوبكر الخلافة وعندما أحس بقرب الأجل أوصاها بأن تغسله وكانت صائمة يوم مات وقالت: من حضر من المهاجرين إني صائمة وهذا يوم شديد البرد فهل عليّ من غسل! فقالوا لا وبعد أن أفطرت فذكرت يمينه في آخر النهار فدعت بماء فشربت وقالت »الله لاأتبعه اليوم حنثا« وهكذا أطاعت زوجها بعد موته كما كانت تطيعه بحياته وهذا من الوفاء العظيم الذي تتمتع به وحزنت علي موته حزنا شديدا وأراد الله لها تكريما آخر بالزواج من علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لتكون الصحابية التي تزوجت ثلاثة من أهل الجنة وعاشت معه أياما ملأتها بالطاعة ولأن أفضل ما تتحلي به النساء هو الصدق درجت المرأة المسلمة علي مواساة زوجها في كل أحواله ولقد كان وفاء له بعد عفاء أثره وإمحاء خبره عديل وفائها له وهي بين أوفياء نعمته وأكناف داره وكان إيثار الإسلام له بمد حدادها عليه أربعة أشهر وعشرة أيام لا تتجمل في أثنائها ولاتزدان ولا تفارق داره إلي دار أبيها سُنة عن سُنن الوفاء وآية من آياته.. وكانت المرأة المسلمة تري الوفاء لزوجها بعد الموت آثر مما تراه لأبيها وأمها وذوي قرابتها فكانت تؤثر فضائله وتذكر شمائله في كل موطن ومقام بل ربما عرض ذكره وهي بين خليفته من بعده فلا تتحرج من ذكر فضائله إن كانت تري الفضل له ومن حديث ذلك أن أسماء بنت عميس كانت لجعفر بن أبي طالب ثم لأبي بكر من بعده ثم خلفهما علي فتفاخر مرة ولداها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر كل يقول: أنا أكرم منك وأبي خير من أبيك فقال لها علي (رضي الله عنه) »أقضي بينهما ياأسماء« قالت: مارأيت شابا من العرب خيرا من جعفر ولا رأيت كهلا خيرا من أبي بكر فقال علي (رضي الله عنه)»ما تركت لنا شيئا ولو قلت غير الذي قلت لمقتك« فقالت أسماء »إن ثلاثا أنت أقلهم لخيار« بعد حياة طويلة عاشتها أسماء في الطاعات بذلت كل مايمكنها من أجل نصرة الدين حانت ساعتها بعد وفاة زوجها علي بوقت قصير وهي التي مات رسول الله (صلي الله عليه وسلم) وهو راض عنها ومات أزواجها وهم راضون عنها وصدق فيها قول الرسول (صلي الله عليه وسلم) »الأخوات المؤمنات: ميمونة زوج النبي وأم الفضل امرأة العباس وأسماء بنت عميس امرأة جعفر وامرأة حمزة وهي أختهن لأمهن ورضي الله عنها فازت أسماء بنت عميس بأغلي المناقب وبلغت الدرجات العلا.