رئيس الجزائر يأمر بفتح تحقيق في أحداث مباراة المولودية والمجرة    إيكو: ليفربول مهتم بضم مدافع كريستال بالاس    اتحاد الكرة يخطر كاف بالأندية المشاركة في البطولات الإفريقية الموسم المقبل    السيسي يحذر من تبعات توسع دائرة الصراع في المنطقة    وزير البترول: إنتاج برميل زيت أو متر مكعب غاز يمثل نجاحا مهما    الصين: الهجوم الأمريكي على إيران انتهاك جسيم لميثاق الأمم المتحدة    إبادة غزة.. استشهاد 26 فلسطينيا في هجمات إسرائيلية على القطاع    رفع أعمال الجلسة العامة لمجلس الشيوخ    "الرقابة النووية" في الإمارات: لا تأثيرات على الدولة نتيجة التطورات في إيران    رغم ضربات أمريكا لإيران.. البورصة تغلق على مكاسب ملحوظة اليوم    محافظ الفيوم يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 80.56%    محافظ الجيزة يشارك في إعلان مشروع تمثال يُخلّد مسيرة مجدي يعقوب بالأوبرا    خامنئي يبدأ مسار تسليم الراية.. كيف تختار إيران مرشدها الأعلى؟    جوارديولا لا يستبعد التدريب في أمريكا الجنوبية.. ويعلق على مصير جوندوجان    شوبير يدافع عن لاعبي الأهلي: "كانوا محتاجين يغيروا جو.. ومفيش تجاوزات"    «هل انشغلنا أكثر بتقديم الصفقات؟» عبد الحفيظ يحرج مسؤولي الأهلي بسؤال شائك    محافظ الغربية يشهد تدشين مبادرة سكن كريم من أجل حياة كريمة    السيطرة على حريق بجوار مديرية الصحة ومطاحن الدقيق ببني سويف    السجن المؤبد وغرامة 100 ألف جنيه لعامل بتهمة الاتجار في المخدرات وحيازة سلاح دون ترخيص بالقليوبية    وزير الإسكان: نستهدف زيادة المساحة المعمورة في مصر إلى 18%    زينة تُفاجئ جمهورها بدور مذيعة في فيلم "الشيطان شاطر"    وكيل صحة قنا يعتذر لمريض في منزله ويشدد: لا تهاون مع المقصرين    فيديو استغاثة يكشف احتجاز شابة من ذوي الاحتياجات الخاصة.. وضبط شقيقها في دمياط    "حياة كريمة" تقترب من إنجاز مرحلتها الأولى بتكلفة 350 مليار جنيه.. أكثر من 500 قرية تم تطويرها و18 مليون مستفيد    حالة الطقس اليوم في السعودية.. أمطار رعدية وتقلبات بمكة والمدينة    منها «7 تماثيل لأبو الهول».. «سياحة الإسكندرية» تستعرض اكتشافات أثرية ب6 مواقع (صور)    تأجيل دعوى هيفاء وهبي ضد نقيب الموسيقيين إلى 10 يوليو للاطلاع    تجديد حبس المتهمين باحتجاز أجنبي بسبب خلافات مالية بمدينة نصر    كورتوا: لا نلتفت للانتقادات وعلينا الفوز على باتشوكا لانتزاع الصدارة    ماتيرازي: محمد صلاح أسطورة.. ويستحق الكرة الذهبية    أمان القابضة تغلق الإصدار الثالث من سندات التوريق بقيمة 665.5 مليون جنيه    زلزال بقوة 5.2 درجة قرب جزر توكارا جنوب غربي اليابان    الليلة.. نانسي عجرم تغنى في موازين بعد غياب 7 سنوات    الحرس الثورى الإيرانى: الطائرات المشاركة بالهجوم على إيران تحت المراقبة    في ذكرى ميلاده.. عمرو الليثي يعرض أخر لقاء تلفزيوني أجراه أشرف عبدالغفور    غسلو 90 مليون جنيه.. سقوط شبكة خطيرة حاولت تغطية جرائمها بأنشطة وهمية    وزير التعليم العالي يتفقد مركز أسوان للقلب ويشاهد إجراء عملية جراحية للقلب المفتوح من خارج غرفة العمليات    د.عبدالراضي رضوان يكتب : ل نحيا بالوعي "15" .. التساؤلات العشر حول ناكر الجميل    الحرس الثوري الإيراني: القدرات الأساسية للقوات المسلحة لم يتم تفعيلها بعد    مصدر إيراني: نقلنا معظم اليورانيوم من منشأة «فوردو» إلى موقع آخر    محافظ أسيوط يبحث آليات دعم المنظومة الصحية وتحسين مستوى الخدمات الطبية    تداول حل امتحان اللغة العربية للثانوية العامة 2025 في جروبات الغش.. والتعليم تحقق    «الرعاية الصحية»: إطلاق برنامج «عيشها بصحة» لتعزيز الوقاية ونمط الحياة الصحي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "130"    "الصحفيين" تطالب باجتماع عاجل مع "الأعلى للإعلام"    رئيس حزب المصريين الأحرار ل«روزاليوسف»: عصام خليل: نستعد للانتخابات بكوادر جديدة    هل يجوز إعطاء زكاة المال للأبناء؟.. أمين الفتوى يوضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 22-6-2025 في محافظة قنا    ثانوية عامة 2025.. أولياء الأمور يرافقون الطلاب لدعمهم أمام لجان الدقي    بعد آخر انخفاض.. سعر الذهب اليوم الأحد 22-6-2025 في مصر وعيار 21 الآن    أبرزهم زيزو.. محسن صالح منتقدًا ثلاثي الأهلي: «ليس لهم عنوان في القلعة الحمراء»    ترامب عن مهلة الأسبوعين لإيران: الوقت وحده هو الذي سيخبرنا    إيران: " فوردو" النووية لا تحتوي على مواد مشعة    صديقة طبيبة طنطا الراحلة: خدمت مرضى كورونا وتوفيت أثناء عملها    هل يجوز الوضوء والاغتسال بماء البحر؟    30 يونيو.. تأكيد وحدة مصر    ب 1450 جنيهًا من البيت.. خطوات استخراج جواز سفر مستعجل إلكترونيًا (رابط مباشر)    التعجل في المواجهة يؤدي إلى نتائج عكسية.. حظ برج الدلو اليوم 22 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور محمود جامع يتذكر:السادات في شهر رمضان
نشر في آخر ساعة يوم 24 - 07 - 2012

الرئيس الراحل وبجواره أحمد سلطان وزير الكهرباء الأسبق والدكتور جامع
كان الدكتور محمود جامع إحدي الشخصيات المقربة من الرئيس الراحل أنور السادات، وبالتالي شهد الكثير من الأحداث طوال فترة حكمه رغم أنه ظل »متفرجا« أكثر منه »لاعبا« ومع ذلك رصد الكثير من الأسرار لما كان يحدث خلف الستار!ومع حلول شهر رمضان المبارك يحكي الدكتور محمود جامع حياة السادات في الصيام، خاصة في بلدته »ميت أبوالكوم« وحكي عن خمسة »عمائم« حوله ارتبط بها وجدانيا ولعبت أدوارا مهمة في مسار هذه الأحداث وهم: الدكتور عبدالحليم محمود، والشعراوي، والنقشبندي، وعيسي، والخطيب!
كيف تعرفت علي السادات؟
تعود بي الذاكرة بعيدا في الأربعينيات حيث كان السادات شابا صغيرا يانعا يحضر إلي بلدتي وبلدته الأصلية كفر السادات مركز تلا منوفية وبصحبة والده الرجل الفاضل الطيب محمد أفندي السادات الموظف بالخدمات الطبية للقوات المسلحة بالجيش المصري أيام السردار (الإنجليزي).
وكان محمد أفندي السادات يحضر إلينا وإلي جدي عمدة البلد الشيخ أحمد جامع حيث إن محمد أفندي السادات الناصع البياض يحن إلي كفر السادات بلد آبائه وأجداده.. فهو مسمي في شهادة ميلاده محمد الساداتي نسبة إلي كفر السادات.. وكذلك محمد أنور السادات وجميع إخوته كانوا يسمون الساداتي نسبة إلي كفر السادات أصل أجدادهم..
التراويح بمسجد القرية
وكان والد السادات يتناول معنا طعام الإفطار مع جميع أفراد العائلة في جو عائلي كريم وجميل.. ثم نصلي جميعا العشاء والتراويح في مسجد القرية مع الأهل والأقرباء.. وكان رحمه الله حريصا دائما وبكل شدة علي صلة الأرحام.. والتواد والتواصل الدائم.. حتي آخر لحظة في حياته.. حتي أن المرحوم خالي عبدالعزيز جامع عندما أنهي مرحلة الدراسة الابتدائية بتلا منوفية.. أخذه محمد السادات إلي القاهرة واستضافه في منزله بحدائق القبة وألحقه بمدرسة الخديوية الثانوية.. تواصلا مع الأهل وصلة للأرحام..
وكيف انضم الرئيس الراحل إلي الحركة الوطنية في مصر لمقاومة الاحتلال؟
بمرور الأيام.. انضم أنور السادات إلي الحركات الوطنية السرية في مصر التي كانت تقاوم الاحتلال الانجليزي.. وكان كثيرا مايجد الملاذ والأمان في هروبه عندنا بالبلدة خاصة بعد اغتيال أمين عثمان حتي قبض عليه ودخل السجن!
الصلة بعائلة جامع
وبعد الإفراج عنه لم تنقطع صلته بعائلة جامع بكفر السادات مع المرحوم والده.. خاصة أن المرحومة والدته كانت حريصة كل الحرص علي صلة الأرحام والتواصل والتزاور في رمضان خاصة في جميع أيام السنة عادة.
وهل تغيرت علاقته بالقرية بعد قيام ثورة 32 يوليو؟
قامت ثورة 32 يوليو.. وأذكر تماما أن أول بلدة زارها بعد نجاح الثورة هي كفر السادات وأتذكر عندما رأيته بين أهله في البلدة مدي مقدار سعادته وحنوه وحنانه مع جميع الأهل والأحباب رجالا وسيدات وأطفالا. ثم قرر زيارة كفر السادات في رمضان وتناول طعام الإفطار مع أهلها وصلي العشاء والتراويح بمسجد القرية..
ولم تنقطع صلته بالقرية وأهلها والعائلة حتي آخر لحظة في حياته.. وكان يقول لي هذه وصية الحاجة والدتي يامحمود لي علي الدوام مشددا..
السادات في رمضان
وكان في رمضان يتردد بين القاهرة وميت أبوالكوم حتي عندما كان رئيسا.
ولم يكن السادات أكولا.. وكان يعتمد علي الطعام المسلوق المبسط مع قليل من الأصناف.
كان يقضي معظم نهاره وليله في رمضان في تلاوة القرآن من مصحفه المفضل وبصوت رخيم جميل رصين، وأتذكر أنه كان يطلب مني أن أحضر له الشيخ سيد النقشبندي المنشد الديني المعروف.. لينشد له في ميت أبوالكوم مساء في ليال قمرية.. أناشيده الدينية وتواشيحه الرخيمة بصوته الجميل الملائكي النفاذ الأخاذ.. وكان السادات يهتز بكل قوة إيمانا وطربا وينفعل معه بكل تقوي وتعبد ..
تكفل بجنازة النقشبندي
حتي أن السادات عندما أخبرته بوفاة النقشبندي فجأة عندي بمستشفي المبرة بطنطا حين كنت مديرا لها.. أرسل اللواء عبده الدمرداش أحد سكرتيريه إليَّ بطنطا بالمستشفي متكفلا بكل مصاريف الجنازة وتوابعها ومتطلبات أسرته.
وعلاقته بشيخه عبدالحميد عيسي الذي علمه القرآن في صغره؟
كان جليسه علي الدوام شيخه عبدالحميد عيسي الذي كان يعلمه القرآن ويحفظه له في صغره ويضربه علي يديه وقدميه عند تقصيره.. ويجلس معه ويتناول طعام الإفطار.. وكان يؤدي صلاة الجمعة بمسجد القرية الوحيد وكذلك صلاة العشاء والتراويح.. وبعد الصلاة يقف علي باب المسجد ليصافح أهل القرية من المصلين فردا فردا.. ويلبي كل طلباتهم بكل حب وحنان ودون ضجر.. لابسا جلبابه الفضفاض وعباءته وممسكا بعصاه. .وعندما توفي الشيخ عبدالحميد عيسي.. اتصلت بالسادات وكان في عابدين مجتمعا بالرئيس جيسكار ديستان رئيس فرنسا في مباحثات سياسية فاعتذر له وحضر إلي ميت أبوالكوم في طائرة هليكوبتر وبصحبته رئيس الوزراء والوزراء وصلي علي شيخه واشترك في الجنازة التي تكفل بكل مصاريفها وتوابعها.
علي مائدة الافطار
وكان في كل عام في رمضان يقيم مأدبة إفطار كبري في استراحته بالمعمورة لجميع القيادات السياسية وبعد الإفطار يتنقل بين موائدهم ويجلس ويتسامر معهم بكل بساطة ومحبة ويتبادل معهم حل مشاكل البلد..
وفي ليلة القدر كل عام كان يقيم مأدبة إفطار شاملة لإخوته وأخواته وأبنائهم وكنت أحضر معهم.. وكان يستمع إلي مشاكلهم وطلباتهم ويتسامر معهم ويحنو عليهم وتمتد الجلسة حتي الفجر.. وكان يبدو في قمة سعادته وانشراحه بأهله..
وكان يتمشي في بلدته ميت أبوالكوم في أمسيات رمضان وغير رمضان علي قدميه.. وقد تسوقه قدماه إلي أحد منازل أحد الفلاحين في القرية فيطرق بابه ويجلس عنده لتناول الشاي ويسعد أهله بكل بساطة ومحبة وتراحم.. وأذكر أنه في إحدي المرات تدخل للصلح بين امرأة وحماتها لاختلافهما علي 2/1 جاموسة شركة بينهما ولما إعترضت علي تدخله في مثل هذه المسائل وأنه يشغل وقته بها.. قال لي يامحمود دعني أسعد أسرة!!
هذا هو السادات الإنسان البسيط والفلاح الأصيل والوطني الصميم والبطل المغوار وواصل الأرحام.. بكل بساطة دون زور أو بهتان!
حرب العاشر من رمضان
أما عن إعداده لحرب رمضان المجيدة.. وانتصاره التاريخي وما قبلها ومابعدها من جهد جهيد وكفاح مرير فالحديث يطول والقصص تتزايد والعبر لاتنتهي .. وهو صائم متبتل.. مؤمن واثق من نصر الله.. وليس مغرورا بقوته أو جيشه ولكنه مؤمن كل الإيمان بنصر الله تعالي..
وكان حقا علينا جميعا أن نطلق عليه الرئيس المؤمن عن إيمان ويقين.. وحقه علينا في أعماله التي صدقت أقواله.. وصدق الله تعالي حين قال: »وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين«.
ولاننسي أنه كان يقضي الأسبوع الأخير من رمضان في »وادي الراحة« في سيناء معتكفا متعبدا قارئا للقرآن ومصليا ومتهجدا ومتعبدا بكل شفافية وإيمان.
ترشيح الشعراوي للأزهر
هل تذكرت كيف تعرف الرئيس الراحل السادات علي الشيخ الشعراوي؟
تعرف الشعراوي علي السادات، في بيتي بطنطا، وكان السادات وقتها نائبا لرئيس الجمهورية، وعندما أصبح رئيسا، اختار الشعراوي وزيرا للأوقاف، وكان وقتها أستاذا بجامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية، فتردد في قبول المنصب، لولا أن ممدوح سالم قد ألح عليه، وألححنا عليه نحن أيضا، حتي تولي الوزارة وقد كان نعم الناصح الأمين، للسادات، دائما، وبغير مجاملة، أو نفاق.
وجاء وقت علي السادات، رشح فيه الشعراوي شيخا للأزهر، وكلف فؤاد محيي الدين، بإبلاغه لكن فؤاد محيي الدين، لشيء في نفسه لم يبلغ الشعراوي، وأخبر السادات بأنه فاتحه في الموضوع ورفض.. ولم يكن ذلك صحيحا علي الإطلاق.. ولانعرف إلي اليوم لماذا لم يخبر فؤاد محيي الدين الشيخ الشعراوي، بطلب السادات؟
ولم تكن جيهان السادات، تستريح إلي الشعراوي كثيرا، خاصة بعد الموقف الشهير، الذي دعته فيه إلي إلقاء محاضرة لسيدات مصر الجديدة، ولما دخل وجدهن جميعا سافرات بغير حجاب، فغادر القاعة فورا، وأحرج جيهان السادات، وظلت غاضبة منه، وقالت لي بالحرف الواحد: أنا حاشيله من الوزارة وأبلغه ذلك علي لساني: ولما أبلغته قال: ومن قال إنني حريص علي الوزارة، أو حتي أريدها؟.. إنني طلبت تركها أكثر من مرة ولكنهم رفضوا.
الود المفقود مع جيهان
ولم يكن هناك ود بين جيهان السادات، وبين الشعراوي بوجه عام، ثم جاءت إطاحة الشعراوي بتوفيق عويضة من المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، لتضيف سببا آخر، إلي أسباب عدم الارتياح، بين جيهان والشعراوي، الذي عينه السادات عضوا بمجلس الشوري، في أول تشكيل له، إلا أن الشعراوي ظل رافضا لحلف اليمين وللمنصب نفسه، إلي إنتهاء الدورة.
كانت جيهان السادات، تؤيد محمد توفيق عويضة، لأنه كان ضد الإخوان والجماعات علي طول الخط، فلما أطاحه الشعراوي، وأخرجه من وظيفته، بقرار من المحكمة التأديبية العليا، ظلت جيهان حانقة، وغاضبة، علي الشعراوي، أو لنقل أن حنقها قد زاد ولم تكن تخفي سخطها عليه في كثير من المواقف.
وقد كان الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله، خفيف الدم، لطيفا، ابن نكتة، لا يحب التجهم ولا العبوس في وجوه الآخرين.
إن ماعندي عن فضيلة الإمام الراحل، كثير.. كثير، وفي إيجاز أقول إنه كان شديد الاعتزاز بدينه، وقيمه، وكرامته، ولايقبل التفريط في شيء منها، وفي الوقت نفسه، كان يحب أن يكون لينا، بشوشا مقبلا علي الناس.
لكن.. لماذا اختلف شيخ الأزهر الراحل عبدالحليم محمود مع السادات؟
العالم الجليل د.عبدالحليم محمود، كان شخصية قوية، عاش من أجل دعوة الإسلام، ومن أجل تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، وجاهد في سبيل ذلك طويلا، بمقالاته، وخطبه واتصالاته، ولم يكن يهدأ أو يستريح وهو يعمل من أجل تطبيق الشريعة، في كل منحي من مناحي العمل في مصر، ولم يكن يعبأ أبدا، بما لقيه، أو يمكن أن يلقاه، فيما بعد، من مشاكل، بسبب دعوته وإصراره عليها.
عبدالحليم محمود غاضبا
وقد غضب ذات يوم، واعتكف في بيته شهرا كاملا، وقدم استقالته، ورفض تقاضي راتبه، وصرف سائقه وسيارته، مما سبب حرجا شديدا للسادات، الذي أصدر قرارا بأن يكون منصب شيخ الأزهر، بدرجة رئيس وزراء وكلف الدكتور صوفي أبوطالب ببحث مايدعو إليه الشيخ عبدالحليم محمود، بالنسبة لمسائل الشريعة، وأصدر تعليماته إلي مجلس الشعب بدراسة مايراه الشيخ، ثم دعاه إلي الغداء في ميت أبوالكوم، وكنت حاضرا، وحاول استرضاءه بأي شكل، ووعده بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع قوانين الدولة.
والطريف أني بعد عودتي من غداء السادات والشيخ عبدالحليم محمود، تلقيت اتصالا تليفونيا من الشيخ محمد خليل الخطيب، وكان في منزله بطنطا، وأخبرني أن الشيخ عبدالرحمن بيصار، وكيل الأزهر وقتها. عنده في البيت وأنه يريد أن يلقاني.
ذهبت إلي بيت الشيخ الخطيب، وفوجئت بأن الشيخ بيصار يعدد لي أنشطته وخدماته للدولة من الاتحاد الاشتراكي إلي حزب مصر وغيرهما، وطلب مني في نهاية الكلام، أن أتوسط لتعيينه شيخا للأزهر، خلفا للشيخ عبدالحليم محمود الذي استقال.
سألته عن أسباب استقالة الشيخ عبدالحليم.. فقال إنها مسائل شخصية، وأنه لا يحب الخوض فيها، فشرحت له أن الشيخ عبدالحليم، استقال دفاعا عن كرامة الأزهر، وعن رسالته، ومكانته، ورجاله، وأنه يجب أن يقف بجوار الشيخ، قبل أن يطمع في أن يخلفه.
وأخبرته في النهاية، بأن السادات قد استدعي الشيخ عبدالحليم، وأنه قد استرضاه، وجعل موقعه في درجة رئيس وزراء، وأن الشيخ عبدالحليم، سوف يكون في مكتبه صباح غد، بعد أن وعده السادات بدراسة كل مطالبه بجدية وعزم. وأسقط في يد الشيخ بيصار.
ويوم زار الرئيس الأمريكي كارتر مصر، دعي الشيخ عبدالحليم محمود، ليكون ضمن مستقبلي كارتر، فرفض رفضا قاطعا.
بيصار شيخا للأزهر
وبعد أن توفي الشيخ عبدالحليم تولي الشيخ بيصار مشيخة الأزهر.. بعد أن عرضها السادات علي الشعراوي، من خلال فؤاد محيي الدين، الذي لم يبلغ الشعراوي، كما قلت من قبل، لأسباب لا نعرفها إلي اليوم.
رحم الله الإمام الراحل عبدالحليم محمود، الذي كان مجاهدا في سبيل دينه، وأعطي، ولا ننسي أنه بشرنا بالنصر في أكتوبر 37، عندما رأي حبيبه رسول الله [ في المنام وهو يرفع راية الله أكبر للجنود، ولقوات أكتوبر.
كان صاحب مبدأ، لايحيد عنه، وصاحب رؤية، وصاحب فكر، ولم يكن يقبل أن يلين أبدا أمام كلمة حق يجب أن تقال.. إنه من القلائل الكبار، الذين تبوأوا مشيخة الأزهر الشريف.. وعندما أخبروا السادات بوفاته وكان يرأس جلسة مجلس الوزراء.. قال الحمدلله ربنا ريحنا منه ومن طلباته في تعديل القوانين..
هل كانت هناك شخصيات دينية أخري مقربة من السادات؟
كان السادات يتفاءل كثيرا، برؤية الشيخ محمد خليل الخطيب، في مسجد السيد البدوي، وكان كلما زار طنطا، أصر علي أن يزوره وأن يطلب منه الدعاء والبركة.. تعرف عليه في منزلي، وهو نائب للرئيس، وبعد أن أصبح السادات رئيسا للجمهورية حضر إلي طنطا في زيارة للمدينة، وزار السيد البدوي ، وطلب من الشيخ الخطيب أن يدعو له، فأخبره الشيخ أن الله سينصره علي المتآمرين عليه، ممن حوله، وسينصره أيضا علي أعدائه من الصهاينة، وسيعينه الله علي استرداد الأرض المحتلة.. وقام السادات، وطبع قبلة علي جبين الشيخ الخطيب.
وتحققت نبوءة الشيخ، عندما تخلص السادات من شرور مراكز القوي، ثم نصره الله علي الصهاينة في 37.
التبرك بالشيخ الخطيب
وكان الشيخ الخطيب، يري أشياء في منامه، ويبلغني بأن أوصلها للسادات وكنت أفعل، وكانت رؤياه تصدق دائما، لأنه من رجال الله المخصلين، وكان السادات يعلق صورة الشيخ محمد الخطيب وهو بصحبته في منزله تبركا وحبا واحتراما.
وكان قبل إقدامه علي أي قرار مصيري خطير، يزور سيدي السيد البدوي تبركا.. وقد فعل ذلك قبل ثورة التصحيح، وقبل العبور، وقبل زيارة القدس، وقبل مباحثات كامب ديفيد.
ولا أنسي يوم أن ذهب السادات يصلي في مسجد السيد البدوي، وقد كان يحب دائما أن يجلس عند الصف الأخير، من المصلين وأن يستند بظهره إلي الحائط وبينما خطيب الجمعة يستعد لإلقاء خطبته، لاحظ الشيخ الخطيب أن رجالا من الحرس يعطون ظهورهم للقبلة، بينما عيونهم علي الرئيس فاستشاط الشيخ غضبا، وطلب إخراجهم من المسجد وكاد يضربهم بعصاه وطلب إليهم الجلوس للصلاة، وكادت تحدث مشكلة كبري، وكانت الصلاة مذاعة علي ا لهواء مباشرة، لولا أن تدخل السادات وأشار إلي الحرس أن يطيعوا الشيخ وألا يستفزوه، وأن يجلسوا، وبالفعل ذهب بعضهم وتوضأ، وصلي مع الرئيس وسائر المصلين.
كان رحمه الله، لايخشي في الله لومة لائم، وكان يري الرسول كثيرا، رؤيا يقظة ويخبرنا بما رآه، وكنا نصدقه، لأنه من أولياء الله الصالحين، فعلا وقولا..
كيف تعرفت علي السادات؟
تعود بي الذاكرة بعيدا في الأربعينيات حيث كان السادات شابا صغيرا يانعا يحضر إلي بلدتي وبلدته الأصلية كفر السادات مركز تلا منوفية وبصحبة والده الرجل الفاضل الطيب محمد أفندي السادات الموظف بالخدمات الطبية للقوات المسلحة بالجيش المصري أيام السردار (الإنجليزي).
وكان محمد أفندي السادات يحضر إلينا وإلي جدي عمدة البلد الشيخ أحمد جامع حيث إن محمد أفندي السادات الناصع البياض يحن إلي كفر السادات بلد آبائه وأجداده.. فهو مسمي في شهادة ميلاده محمد الساداتي نسبة إلي كفر السادات.. وكذلك محمد أنور السادات وجميع إخوته كانوا يسمون الساداتي نسبة إلي كفر السادات أصل أجدادهم..
التراويح بمسجد القرية
وكان والد السادات يتناول معنا طعام الإفطار مع جميع أفراد العائلة في جو عائلي كريم وجميل.. ثم نصلي جميعا العشاء والتراويح في مسجد القرية مع الأهل والأقرباء.. وكان رحمه الله حريصا دائما وبكل شدة علي صلة الأرحام.. والتواد والتواصل الدائم.. حتي آخر لحظة في حياته.. حتي أن المرحوم خالي عبدالعزيز جامع عندما أنهي مرحلة الدراسة الابتدائية بتلا منوفية.. أخذه محمد السادات إلي القاهرة واستضافه في منزله بحدائق القبة وألحقه بمدرسة الخديوية الثانوية.. تواصلا مع الأهل وصلة للأرحام..
وكيف انضم الرئيس الراحل إلي الحركة الوطنية في مصر لمقاومة الاحتلال؟
بمرور الأيام.. انضم أنور السادات إلي الحركات الوطنية السرية في مصر التي كانت تقاوم الاحتلال الانجليزي.. وكان كثيرا مايجد الملاذ والأمان في هروبه عندنا بالبلدة خاصة بعد اغتيال أمين عثمان حتي قبض عليه ودخل السجن!
الصلة بعائلة جامع
وبعد الإفراج عنه لم تنقطع صلته بعائلة جامع بكفر السادات مع المرحوم والده.. خاصة أن المرحومة والدته كانت حريصة كل الحرص علي صلة الأرحام والتواصل والتزاور في رمضان خاصة في جميع أيام السنة عادة.
وهل تغيرت علاقته بالقرية بعد قيام ثورة 32 يوليو؟
قامت ثورة 32 يوليو.. وأذكر تماما أن أول بلدة زارها بعد نجاح الثورة هي كفر السادات وأتذكر عندما رأيته بين أهله في البلدة مدي مقدار سعادته وحنوه وحنانه مع جميع الأهل والأحباب رجالا وسيدات وأطفالا. ثم قرر زيارة كفر السادات في رمضان وتناول طعام الإفطار مع أهلها وصلي العشاء والتراويح بمسجد القرية..
ولم تنقطع صلته بالقرية وأهلها والعائلة حتي آخر لحظة في حياته.. وكان يقول لي هذه وصية الحاجة والدتي يامحمود لي علي الدوام مشددا..
السادات في رمضان
وكان في رمضان يتردد بين القاهرة وميت أبوالكوم حتي عندما كان رئيسا.
ولم يكن السادات أكولا.. وكان يعتمد علي الطعام المسلوق المبسط مع قليل من الأصناف.
كان يقضي معظم نهاره وليله في رمضان في تلاوة القرآن من مصحفه المفضل وبصوت رخيم جميل رصين، وأتذكر أنه كان يطلب مني أن أحضر له الشيخ سيد النقشبندي المنشد الديني المعروف.. لينشد له في ميت أبوالكوم مساء في ليال قمرية.. أناشيده الدينية وتواشيحه الرخيمة بصوته الجميل الملائكي النفاذ الأخاذ.. وكان السادات يهتز بكل قوة إيمانا وطربا وينفعل معه بكل تقوي وتعبد ..
تكفل بجنازة النقشبندي
حتي أن السادات عندما أخبرته بوفاة النقشبندي فجأة عندي بمستشفي المبرة بطنطا حين كنت مديرا لها.. أرسل اللواء عبده الدمرداش أحد سكرتيريه إليَّ بطنطا بالمستشفي متكفلا بكل مصاريف الجنازة وتوابعها ومتطلبات أسرته.
وعلاقته بشيخه عبدالحميد عيسي الذي علمه القرآن في صغره؟
كان جليسه علي الدوام شيخه عبدالحميد عيسي الذي كان يعلمه القرآن ويحفظه له في صغره ويضربه علي يديه وقدميه عند تقصيره.. ويجلس معه ويتناول طعام الإفطار.. وكان يؤدي صلاة الجمعة بمسجد القرية الوحيد وكذلك صلاة العشاء والتراويح.. وبعد الصلاة يقف علي باب المسجد ليصافح أهل القرية من المصلين فردا فردا.. ويلبي كل طلباتهم بكل حب وحنان ودون ضجر.. لابسا جلبابه الفضفاض وعباءته وممسكا بعصاه. .وعندما توفي الشيخ عبدالحميد عيسي.. اتصلت بالسادات وكان في عابدين مجتمعا بالرئيس جيسكار ديستان رئيس فرنسا في مباحثات سياسية فاعتذر له وحضر إلي ميت أبوالكوم في طائرة هليكوبتر وبصحبته رئيس الوزراء والوزراء وصلي علي شيخه واشترك في الجنازة التي تكفل بكل مصاريفها وتوابعها.
علي مائدة الافطار
وكان في كل عام في رمضان يقيم مأدبة إفطار كبري في استراحته بالمعمورة لجميع القيادات السياسية وبعد الإفطار يتنقل بين موائدهم ويجلس ويتسامر معهم بكل بساطة ومحبة ويتبادل معهم حل مشاكل البلد..
وفي ليلة القدر كل عام كان يقيم مأدبة إفطار شاملة لإخوته وأخواته وأبنائهم وكنت أحضر معهم.. وكان يستمع إلي مشاكلهم وطلباتهم ويتسامر معهم ويحنو عليهم وتمتد الجلسة حتي الفجر.. وكان يبدو في قمة سعادته وانشراحه بأهله..
وكان يتمشي في بلدته ميت أبوالكوم في أمسيات رمضان وغير رمضان علي قدميه.. وقد تسوقه قدماه إلي أحد منازل أحد الفلاحين في القرية فيطرق بابه ويجلس عنده لتناول الشاي ويسعد أهله بكل بساطة ومحبة وتراحم.. وأذكر أنه في إحدي المرات تدخل للصلح بين امرأة وحماتها لاختلافهما علي 2/1 جاموسة شركة بينهما ولما إعترضت علي تدخله في مثل هذه المسائل وأنه يشغل وقته بها.. قال لي يامحمود دعني أسعد أسرة!!
هذا هو السادات الإنسان البسيط والفلاح الأصيل والوطني الصميم والبطل المغوار وواصل الأرحام.. بكل بساطة دون زور أو بهتان!
حرب العاشر من رمضان
أما عن إعداده لحرب رمضان المجيدة.. وانتصاره التاريخي وما قبلها ومابعدها من جهد جهيد وكفاح مرير فالحديث يطول والقصص تتزايد والعبر لاتنتهي .. وهو صائم متبتل.. مؤمن واثق من نصر الله.. وليس مغرورا بقوته أو جيشه ولكنه مؤمن كل الإيمان بنصر الله تعالي..
وكان حقا علينا جميعا أن نطلق عليه الرئيس المؤمن عن إيمان ويقين.. وحقه علينا في أعماله التي صدقت أقواله.. وصدق الله تعالي حين قال: »وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين«.
ولاننسي أنه كان يقضي الأسبوع الأخير من رمضان في »وادي الراحة« في سيناء معتكفا متعبدا قارئا للقرآن ومصليا ومتهجدا ومتعبدا بكل شفافية وإيمان.
ترشيح الشعراوي للأزهر
هل تذكرت كيف تعرف الرئيس الراحل السادات علي الشيخ الشعراوي؟
تعرف الشعراوي علي السادات، في بيتي بطنطا، وكان السادات وقتها نائبا لرئيس الجمهورية، وعندما أصبح رئيسا، اختار الشعراوي وزيرا للأوقاف، وكان وقتها أستاذا بجامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية، فتردد في قبول المنصب، لولا أن ممدوح سالم قد ألح عليه، وألححنا عليه نحن أيضا، حتي تولي الوزارة وقد كان نعم الناصح الأمين، للسادات، دائما، وبغير مجاملة، أو نفاق.
وجاء وقت علي السادات، رشح فيه الشعراوي شيخا للأزهر، وكلف فؤاد محيي الدين، بإبلاغه لكن فؤاد محيي الدين، لشيء في نفسه لم يبلغ الشعراوي، وأخبر السادات بأنه فاتحه في الموضوع ورفض.. ولم يكن ذلك صحيحا علي الإطلاق.. ولانعرف إلي اليوم لماذا لم يخبر فؤاد محيي الدين الشيخ الشعراوي، بطلب السادات؟
ولم تكن جيهان السادات، تستريح إلي الشعراوي كثيرا، خاصة بعد الموقف الشهير، الذي دعته فيه إلي إلقاء محاضرة لسيدات مصر الجديدة، ولما دخل وجدهن جميعا سافرات بغير حجاب، فغادر القاعة فورا، وأحرج جيهان السادات، وظلت غاضبة منه، وقالت لي بالحرف الواحد: أنا حاشيله من الوزارة وأبلغه ذلك علي لساني: ولما أبلغته قال: ومن قال إنني حريص علي الوزارة، أو حتي أريدها؟.. إنني طلبت تركها أكثر من مرة ولكنهم رفضوا.
الود المفقود مع جيهان
ولم يكن هناك ود بين جيهان السادات، وبين الشعراوي بوجه عام، ثم جاءت إطاحة الشعراوي بتوفيق عويضة من المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، لتضيف سببا آخر، إلي أسباب عدم الارتياح، بين جيهان والشعراوي، الذي عينه السادات عضوا بمجلس الشوري، في أول تشكيل له، إلا أن الشعراوي ظل رافضا لحلف اليمين وللمنصب نفسه، إلي إنتهاء الدورة.
كانت جيهان السادات، تؤيد محمد توفيق عويضة، لأنه كان ضد الإخوان والجماعات علي طول الخط، فلما أطاحه الشعراوي، وأخرجه من وظيفته، بقرار من المحكمة التأديبية العليا، ظلت جيهان حانقة، وغاضبة، علي الشعراوي، أو لنقل أن حنقها قد زاد ولم تكن تخفي سخطها عليه في كثير من المواقف.
وقد كان الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله، خفيف الدم، لطيفا، ابن نكتة، لا يحب التجهم ولا العبوس في وجوه الآخرين.
إن ماعندي عن فضيلة الإمام الراحل، كثير.. كثير، وفي إيجاز أقول إنه كان شديد الاعتزاز بدينه، وقيمه، وكرامته، ولايقبل التفريط في شيء منها، وفي الوقت نفسه، كان يحب أن يكون لينا، بشوشا مقبلا علي الناس.
لكن.. لماذا اختلف شيخ الأزهر الراحل عبدالحليم محمود مع السادات؟
العالم الجليل د.عبدالحليم محمود، كان شخصية قوية، عاش من أجل دعوة الإسلام، ومن أجل تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، وجاهد في سبيل ذلك طويلا، بمقالاته، وخطبه واتصالاته، ولم يكن يهدأ أو يستريح وهو يعمل من أجل تطبيق الشريعة، في كل منحي من مناحي العمل في مصر، ولم يكن يعبأ أبدا، بما لقيه، أو يمكن أن يلقاه، فيما بعد، من مشاكل، بسبب دعوته وإصراره عليها.
عبدالحليم محمود غاضبا
وقد غضب ذات يوم، واعتكف في بيته شهرا كاملا، وقدم استقالته، ورفض تقاضي راتبه، وصرف سائقه وسيارته، مما سبب حرجا شديدا للسادات، الذي أصدر قرارا بأن يكون منصب شيخ الأزهر، بدرجة رئيس وزراء وكلف الدكتور صوفي أبوطالب ببحث مايدعو إليه الشيخ عبدالحليم محمود، بالنسبة لمسائل الشريعة، وأصدر تعليماته إلي مجلس الشعب بدراسة مايراه الشيخ، ثم دعاه إلي الغداء في ميت أبوالكوم، وكنت حاضرا، وحاول استرضاءه بأي شكل، ووعده بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع قوانين الدولة.
والطريف أني بعد عودتي من غداء السادات والشيخ عبدالحليم محمود، تلقيت اتصالا تليفونيا من الشيخ محمد خليل الخطيب، وكان في منزله بطنطا، وأخبرني أن الشيخ عبدالرحمن بيصار، وكيل الأزهر وقتها. عنده في البيت وأنه يريد أن يلقاني.
ذهبت إلي بيت الشيخ الخطيب، وفوجئت بأن الشيخ بيصار يعدد لي أنشطته وخدماته للدولة من الاتحاد الاشتراكي إلي حزب مصر وغيرهما، وطلب مني في نهاية الكلام، أن أتوسط لتعيينه شيخا للأزهر، خلفا للشيخ عبدالحليم محمود الذي استقال.
سألته عن أسباب استقالة الشيخ عبدالحليم.. فقال إنها مسائل شخصية، وأنه لا يحب الخوض فيها، فشرحت له أن الشيخ عبدالحليم، استقال دفاعا عن كرامة الأزهر، وعن رسالته، ومكانته، ورجاله، وأنه يجب أن يقف بجوار الشيخ، قبل أن يطمع في أن يخلفه.
وأخبرته في النهاية، بأن السادات قد استدعي الشيخ عبدالحليم، وأنه قد استرضاه، وجعل موقعه في درجة رئيس وزراء، وأن الشيخ عبدالحليم، سوف يكون في مكتبه صباح غد، بعد أن وعده السادات بدراسة كل مطالبه بجدية وعزم. وأسقط في يد الشيخ بيصار.
ويوم زار الرئيس الأمريكي كارتر مصر، دعي الشيخ عبدالحليم محمود، ليكون ضمن مستقبلي كارتر، فرفض رفضا قاطعا.
بيصار شيخا للأزهر
وبعد أن توفي الشيخ عبدالحليم تولي الشيخ بيصار مشيخة الأزهر.. بعد أن عرضها السادات علي الشعراوي، من خلال فؤاد محيي الدين، الذي لم يبلغ الشعراوي، كما قلت من قبل، لأسباب لا نعرفها إلي اليوم.
رحم الله الإمام الراحل عبدالحليم محمود، الذي كان مجاهدا في سبيل دينه، وأعطي، ولا ننسي أنه بشرنا بالنصر في أكتوبر 37، عندما رأي حبيبه رسول الله [ في المنام وهو يرفع راية الله أكبر للجنود، ولقوات أكتوبر.
كان صاحب مبدأ، لايحيد عنه، وصاحب رؤية، وصاحب فكر، ولم يكن يقبل أن يلين أبدا أمام كلمة حق يجب أن تقال.. إنه من القلائل الكبار، الذين تبوأوا مشيخة الأزهر الشريف.. وعندما أخبروا السادات بوفاته وكان يرأس جلسة مجلس الوزراء.. قال الحمدلله ربنا ريحنا منه ومن طلباته في تعديل القوانين..
هل كانت هناك شخصيات دينية أخري مقربة من السادات؟
كان السادات يتفاءل كثيرا، برؤية الشيخ محمد خليل الخطيب، في مسجد السيد البدوي، وكان كلما زار طنطا، أصر علي أن يزوره وأن يطلب منه الدعاء والبركة.. تعرف عليه في منزلي، وهو نائب للرئيس، وبعد أن أصبح السادات رئيسا للجمهورية حضر إلي طنطا في زيارة للمدينة، وزار السيد البدوي ، وطلب من الشيخ الخطيب أن يدعو له، فأخبره الشيخ أن الله سينصره علي المتآمرين عليه، ممن حوله، وسينصره أيضا علي أعدائه من الصهاينة، وسيعينه الله علي استرداد الأرض المحتلة.. وقام السادات، وطبع قبلة علي جبين الشيخ الخطيب.
وتحققت نبوءة الشيخ، عندما تخلص السادات من شرور مراكز القوي، ثم نصره الله علي الصهاينة في 37.
التبرك بالشيخ الخطيب
وكان الشيخ الخطيب، يري أشياء في منامه، ويبلغني بأن أوصلها للسادات وكنت أفعل، وكانت رؤياه تصدق دائما، لأنه من رجال الله المخصلين، وكان السادات يعلق صورة الشيخ محمد الخطيب وهو بصحبته في منزله تبركا وحبا واحتراما.
وكان قبل إقدامه علي أي قرار مصيري خطير، يزور سيدي السيد البدوي تبركا.. وقد فعل ذلك قبل ثورة التصحيح، وقبل العبور، وقبل زيارة القدس، وقبل مباحثات كامب ديفيد.
ولا أنسي يوم أن ذهب السادات يصلي في مسجد السيد البدوي، وقد كان يحب دائما أن يجلس عند الصف الأخير، من المصلين وأن يستند بظهره إلي الحائط وبينما خطيب الجمعة يستعد لإلقاء خطبته، لاحظ الشيخ الخطيب أن رجالا من الحرس يعطون ظهورهم للقبلة، بينما عيونهم علي الرئيس فاستشاط الشيخ غضبا، وطلب إخراجهم من المسجد وكاد يضربهم بعصاه وطلب إليهم الجلوس للصلاة، وكادت تحدث مشكلة كبري، وكانت الصلاة مذاعة علي ا لهواء مباشرة، لولا أن تدخل السادات وأشار إلي الحرس أن يطيعوا الشيخ وألا يستفزوه، وأن يجلسوا، وبالفعل ذهب بعضهم وتوضأ، وصلي مع الرئيس وسائر المصلين.
كان رحمه الله، لايخشي في الله لومة لائم، وكان يري الرسول كثيرا، رؤيا يقظة ويخبرنا بما رآه، وكنا نصدقه، لأنه من أولياء الله الصالحين، فعلا وقولا..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.