أقام مركز إبداع قصر الأمير طاز حفلاً غنائياً للفنان " أسامه الشريف " الخميس الماضي، وقدم خلاله مجموعة متنوعة من أغانيه التي اشتهر بها بالإضافة إلي أغاني كبار المطربين. شاهدت نجيب الريحاني الأسبوع الماضي من خلال التليفزيون في فيلم »غزل البنات«.. هذا الفيلم الذي له ذكريات في نفسي، رأيت الفيلم لأول مرة.. وكنت لاأزال تلميذة في المدرسة في سينما دوللي بشبرا.. وكان الفيلم هو حديث الصديقات اللاتي انبهرن به مثلي وحفظنا أغانيه من أول مرة سمعناها.. فكنا نجلس في آخر الفصل في (الفسحة) لنغني معا أغاني »غزل البنات« التي اعتبرت تحفة فنية ولاتزال وتنفذ إلي مشاعرنا.. »أبجد هوز حطي كلمن.. شكل الاستاذ بقي منسجم..و الحب جميل«.. والدويتو التي غناها نجيب الريحاني مع ليلي مراد »حاسس بمصيبة جيالي...« كما أذكر أنه في إحدي المناسبات العائلية أن انفردت ببعض البنات.. وأخذت أغني لهم »الحب جميل« ويصغون إليّ باهتمام وكان صوتي جميلا في هذه الفترة وأحسست وكأنني أم كلثوم.. ولم نكن نعرف الحب بعد إلا في خيالنا.. ❊ ❊ ❊ كانت الأفلام في تلك الفترة تذاع في الراديو.. حيث يصف المذيع المكان والموقف.. فكنا نتمتع به حيث يلعب بنا الخيال ويصبح صورا متحركة في أذهاننا. ❊ ❊ ❊ اندمجت في فيلم غزل البنات وأنا أتابعه هذه الأيام.. وهو فيلم »أبيض واسود« قبل أن »تلّون« الأفلام.. لدرجة أنني بعد انتهاء الفيلم أغلقت التليفزيون لكي لاأري شيئا آخر.. لأعيش في الفيلم وذكرياته.. وفي صديقاتي العزيزات اللاتي لا أعرف شيئا عنهن بعد أن تركت المدرسة.. وانتقلت إلي الجامعة ومشت كل واحدة منهن في طريق.. تعاطفنا مع نجيب الريحاني الذي دخل قلوبنا لنعيش وضعه الاجتماعي والطبقي.. وحظه العاثر وحالته النفسية.. وصوته المحشرج الخارج من القلب ونظراته التي تعبر عما بداخله.. وذهوله وارتباكه حين يدخل قصر الباشا ويلتقي بالعاملين الذين يظن في كل واحد منهم أنه الباشا. وينحني لهم.. وردود الفعل عند اتهامه بسرقة أسورة ليلي الألماظ.. هذه الردود التي لم أرها من أي ممثل سواء قبله أو بعده.. ولقاءه مع الباشا الذي تصور أنه أحد العاملين بالقصر والحوار الذي جري بينهما حين يسخر منه الباشا.. وحفظ كرامته حينما يوجه إليه شتائمه.. ومن أشهر جمل الحوار في السينما »مرزوق افندي إديله حاجة.. مرزوق افندي متدلوش حاجة..«. كيف نتصور أن هذا الحشد من النجوم اجتمعوا في فيلم واحد بطولة الريحاني وليلي مراد.. وأيضا أنور وجدي وسليمان نجيب ويوسف وهبي ومحمد عبدالوهاب ومحمود المليجي واستيفان روستي وزينات صدقي.. رغم صغر أدوارهم. فهل يمكن أن يحدث هذا الآن الذي تحول فيه الزمن إلي النجم الأوحد في السينما. وصل إحساس نجيب الريحاني إلي أرقي المستويات وهو يستمع بجانب ليلي إلي عبدالوهاب في أغنية »ليه ليه ياعين ليلي طال«.. والكلمات التي تنطبق عليه مع اللحن الرائع التي تنفذ إلي قلب المدرس العاشق الجريح.. »ضحيت هنايا فداه.. وحعيش علي ذكراه« وهو يحاول أن يمنع نفسه من البكاء لكنه لايقدر.. وتعبيرات وجهه في معظم المشاهد حين يتصور أن الفتاة الرقيقة الجميلة تحبه. ❊ ❊ ❊ في هذا الفيلم قدم يوسف وهبي مشهدا طويلا وهو يستقبل ليلي مراد بنت الباشا الجميلة الرقيقة ونجيب الريحاني الرجل العجوز المبهدل الذي ينتمي لطبقة دونية.. لقد مثل يوسف وهبي شخصيته الحقيقية.. وبالرغم من الدور الصغير جدا الذي أداه لكن يوسف وهبي ظهر عملاقا بهيبته وأرستقراطيته وترك انطباعا جميلا.. خاصة حين تقول له ليلي »قتلنا قتيل.. ودبحناه.. فيرد عليها.. دبحتيه بسحر عنيكي..« وجملته المشهورة في النهاية: ما الدنيا إلا مسرح كبير«. وقيل لي إن نجيب الريحاني توفاه الله قبل أن يشاهد الفيلم.. وحزنت عليه رغم أنني لم أعرفه إلا من خلال الراديو.. ثم التليفزيون حين دخل مصر.. ثم سيرته الذاتية. ❊ ❊ ❊ إن الضحك يخرج من خلال فلسفة نجيب الريحاني وعبقريته.. قدم 9 أفلام أهمها »لعبة الست«.. ومن أهم المشاهد العالقة بالذهن التقاؤه بزوجته تحية كاريوكا التي أصبحت نجمة كبيرة تساومه علي الطلاق.. ورد فعل الرجل الطيب وهو يمزق الشيك الذي كتبته له ويلقي به ثم يلقي عليها يمين الطلاق.. هذا المشهد الذي تحس فيه بنبل الرجل الطيب وحبه لها أكثر من أي مال.. إن أفلام الريحاني رغم قلتها ستظل باقية في وجداننا مهما مر الزمن.. وتغيرت الحياة.. فنحن نبكي من خلال الكوميديا التي قدمها والتي تكمن في تلك العبقرية.