يسجدون لله علي عتبته.. يضعون باقة من القبلات علي بابه.. يتحسسون مقامه مثل عميان يشقون طريقهم إلي النور.. يعيدون أياديهم وهم يمسحون بها علي وجوههم.. يستنشقون عطر المحبة.. ويحصلون علي بركة حفيد النبي صلي الله عليه وسلم.. البعض يدخلون للمقام زاحفين وكأن أرجلهم تعطلت عن العمل، بينما قلوبهم تولت مهمة حملهم إليه. هنا مسجد زين العابدين الذي يمتلئ بالمريدين والمحتاجين الذين يأتون لزيارته، من كل بلاد العالم، يصلون في المسجد، يدعون الله أن يشفيهم ويفك كروبهم، بينما دموعهم تجري علي وجوههم الخاشعة، يستأذنون من صاحب المقام أن يكون شفيعا لهم عند ربه، وعندما يعودون إلي بيوتهم يقضي الله حوائجهم. »يزداد عددهم أثناء الاحتفال بمولده» يقول محمد حسن - أحد الموظفين الذي مضي علي وجوده في المسجد ثلاث سنوات، ويضيف: عشاقه يتوافدون إليه من كل مكان، أغلبهم من الأقاليم، ربما تنخفض أعدادهم في شهر رمضان نظرا لمشقة السفر أثناء الصيام، ولكن المقام لا يخلو منهم. يواصل: لُقِّب سيدي علي بطبيب المبالي، ويشرح: كل من ابتُلي بأمراض مستعصية يأتي إلي هنا يلجأ لله سبحانه وتعالي لكي يشفيه، ويطلب من علي أن يساعده، أما الفتيات اللاتي تأخرن في الزواج، فإنهن يأتين ليعجل الله بسترهن في بيوت الأزواج، بينما من تعاندهم الدنيا وتقسو عليهم يدعون الله بالتيسير والفرج. العديد من الحالات - رأيتها بعيني - يشكر أصحابها.. شاهدت الكثير من الفنانين وكبار المسؤولين يأتون لزيارة المقام، أبرز الوجوه حنان شوقي التي تتواجد هنا باستمرار وغيرها ممن يطلبون البركة من صاحب المقام، وتحلو لهم الصلاة في مسجده. يتابع: »باب السر» كان يسمي الباب الأخضر وضع سيدي علي كراماته كلها فيه وهو شاهد عليه، والفتحات المتواجدة عليه يقال إنها مكان يديه الشريفتين، ما يجعل المريدين يتبركون بها. لا يقتصر المريدون علي مصر فقط، بل هناك العديد من الجنسيات العربية والأوروبية مثل العراقيين والسعوديين والكويتيين والفرنسيين والإندونيسيين والإيطاليين والبريطانيين. يقول حسن: سيدي علي هو أبو المساكين وكل الناس تتنفح بمقامه، أطلق عليه اللقب لأنه لم يكن يرد أي سائل، وكان يقوم بإطعام 80 عائلة في الليل أثناء نوم الجميع حتي لا يراه أحد قائلا صدقة السر تطفئ غضب الرب، وعندما توفي وتم تغسيله وجدوا علي ظهره علامات آثار حمل جراب الدقيق التي كان يوصلها للفقراء.. لُقِّب أيضا بالسجّاد لكثرة سجوده والتقي والراعي وله الكثير من الألقاب، وآل البيت بشكل عام إذا حاولنا عد صفاتهم لن نحصيها، ونتمني رضاهم ونفحة صغيرة من نفحاتهم. وعن سبب وجود قبتين في المقصورة قال: الإمام زيد بن الإمام زين العابدين الذي استُشهد علي يد هشام بن عبد الملك، حُملت رأسه إلي مصر لتوضع في المقر الحالي، ومن الكرامات التي تُحكي عنه أنه بعد أن صلبه ابن عبد الملك عاريا في العراق لم يتحلل جسده ونسج العنكبوت علي عورته حتي لا تنكشف، وكلما وجهوا خشبة الصلب استدارت باتجاه القبلة، فاغتاظ هشام وأمر بإنزاله وإحراق الجسد وإلقاء رماده في مياه النهر. التجار المصريون خبّأوا الرأس ونقلوها سرا إلي مصر، وذلك هو السبب في وجود القبتين واحدة خاصة بسيدنا علي زين العابدين والثانية لابنه الإمام زيد، وهذا مكتوب علي لوح معدني من نفس معدن المقصورة المطلي بالذهب »هذان المقامان لسيدنا زين العابدين والإمام زيد». د. محمد عبد اللطيف أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة المنصورة ومساعد وزير الآثار السابق قال إن مسجد سيدي علي زين العابدين أحد مساجد آل البيت، ومصر سنية المذهب تحب آل البيت، وهي البلد الوحيد الذي احتضنهم في أوقات الأزمات والفتن. ضريح زين العابدين أحد الأماكن التي تعبِّر عن مدي احترام وتقدير أهل مصر لآل البيت ونسل الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. يشرح: المسجد تم ترميمه وتجديده منذ فترة عن طريق وزارة الأوقاف لأنه كان في حالة سيئة للغاية فيما عدا منطقة الضريح التي لاتزال أثرية، وبالتالي فإن المسجد لا يخضع لوزارة الآثار وإنما للأوقاف، وقيمته تكمن في كونه رمزا، فقد تم بناؤه علي نفس مكان المسجد القديم، الذي لم يتبق منه سوي الضريح فقط الذي أقيم منذ عصر الفاطميين وأضيف عليه تعديلات بسيطة في فترات متفاوتة. يقول د. مختار الكسباني أستاذ العمارة والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة إن أضرحة آل البيت كثيرة في مصر نظرا لحب المصريين لهم. أضاف: من لم يأتِ بجسده اخترعوا له مشهد رؤية في مكان رآه فيه أحد الصالحين فيتم بناء الضريح في نفس المكان، ما حدث مع السيدة أم كلثوم والإمام الشافعي، والسيدة عاتكة والجعفري والسيدة رقية، بالضبط ما حدث مع ضريح زين العابدين الذي قيل إن ضريحه يعد مشهد رؤية ولا يضم رفاتا حقيقية. سُمِّي بحي زينهم، وهو تحريف واختصار من البسطاء للقب الإمام علي بن الحسين زين العابدين، أي زينة الرجال وزين العبّاد، لأنه أفضل أهل زمانه علما وزهدا وتواضعا، ويعد من الأضرحة التي يذهب اليها المصريون للاستشفاء وفك كروبهم. تم اختيار أحد تلال جبل ليقام عليها ضريح، التي كانت تقع خارج مدينة القاهرة الفاطمية، وبالقرب من مدينة الفسطاط (مصر القديمة حاليا)، لكن في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أطلق اسم الضريح علي المنطقة كلها.