تضع الدولة استراتيجية وطنية للتعامل مع تحديات الأمن المائي في ظل ثبات الكميات الواردة من نهر النيل في الوقت الذي يتعاظم فيه الطلب المحلي علي المياه، وتتمثل هذه الاستراتيجية في كيفية تعظيم الاستفادة القصوي من الموارد المائية عبر اللجوء لوسائل الترشيد، مع وضع خطة لمد شبكات خطوط المياه تصل لكافة المجتمعات العمرانية. »آخرساعة» حاورت الدكتور خالد عبدالحي رئيس المركز القومي لبحوث المياه لاستكشاف الخطط المستقبلية لإدارة الموارد المائية في مصر. حجم إمدادات المياه سنويا لمصر من المياه هو 55.5 مليار متر مكعب، فما هو حجم استهلاكنا الفعلي؟ - حجم استهلاك مصر الفعلي من المياه يقترب من 80 مليار متر مكعب سنوياً، لذلك نحاول قدر الإمكان تعويض الفجوة ما بين احتياجاتنا المائية والموارد المتاحة عن طريق ترشيد الاستخدام الذي يعد أحد محاور استراتيجية وزارة الري والموارد المائية، وهذا يتم من خلال رفع درجة الوعي لدي المواطنين، وتشترك في هذا الأمر أيضاً (روابط مستخدمي المياه) التابعة لقطاع تطوير الري، ومهمتها ليس فقط رفع درجة الوعي بأهمية الحفاظ علي كل قطرة مياه بل والحفاظ علي نوعيتها أيضاً، وأحد الأساليب الأخري التي نعتمد عليها لسد النقص في كميات المياه هي إعادة الاستخدام وذلك وفق ضوابط محددة. وما هي الضوابط التي تحكم عملية إعادة الاستخدام؟ - الضوابط التي تحكم عملية إعادة الاستخدام هي جودة ونوعية المياه التي لابد أن تتوافق مع الاشتراطات الصحية والبيئية وهو ما يتم تحديده عن طريق إجراء التحاليل اللازمة التي تتم عبر 435 محطة رصد تغطي كافة أنحاء الجمهورية وتقوم بمتابعة نوعية مياه نهر النيل والترع والمصارف والمياه الجوفية أيضاً، ونحن من جانبنا نعمل داخل المركز علي تطوير تكنولوجيات تدوير مياه الصرف الزراعي، بالإضافة إلي وجود تجارب لإعادة استخدام مياه الصرف الصحي وتنقيتها وبعد ذلك يمكن استخدامها في عمليات الاستزراع السمكي، وحتي المياه الناتجة عن عملية الاستزراع يتم الاستفادة منها في الزراعة التقليدية نظراً لاحتوائها علي مواد نيتروجينية، أي أنها تصلح كسماد طبيعي للأرض، وهذا إلي جانب تطوير تكنولوجيا تحلية مياه البحر. ما دور البحوث التطبيقية داخل المعهد في التغلب علي مشكلات إدارة المياه؟ - ما يميزنا كمركز بحوث في هذا الأمر هو الشق التطبيقي، فكل باحث داخل المركز لديه علم تام بشبكة الترع والمصارف التي تعد الأكبر من نوعها علي مستوي العالم ومن ثم يتم العمل بقوة علي تقنيات الصرف الزراعي للتغلب علي مشكلات إدارة المياه، ومن بينها مشكلة انتشار نبات ورد النيل، فمن المعلوم أن نبات ورد النيل يستهلك كميات كبيرة من المياه، وهناك تقنية تم استحداثها في معهد بحوث صيانة القنوات المائية التابع للمركز يتم من خلالها جمع ورد النيل وتحويله بعد ذلك إلي »بيوجاز» واستخدامه كبديل للوقود التقليدي، والناتج المتبقي عن هذه العملية يتم تحويله إلي سماد، وهذه التجربة تم تطبيقها في محافظة البحيرة، وعندما نجحت فكرنا في مشاركتها مع دول حوض النيل، فقمنا بعمل مشروع تموله الحكومة المصرية مع دولة أوغندا في بحيرتي »كايوجا» و»ألبرت» اللتين ينتشر بهما ورد النيل بصورة قوية، لننجح في توليد البيوجاز وربطه بكافة المنازل الموجودة في محيط منطقة المشروع كبديل عن مصادر الطاقة الأخري البدائية. ما الذي تعنيه تبعية المعامل الخاصة بالمركز القومي لبحوث المياه لليونسكو؟ - المعامل المركزية تعد من أحدث المعامل علي مستوي الشرق الأوسط وإفريقيا، وهي حاصلة علي شهادة الأيزو، لذلك تم اتخاذ إجراءات محددة حتي تحصل علي ترقيم في منظمة اليونسكو لتخرج من النطاق المحلي إلي إطار إقليمي أوسع وهو ما سوف يساعدنا في إقامة الدورات التدريبية. مصر تنخرط في العديد من المشروعات المائية في إفريقيا، أين دوركم في هذه المشروعات؟ - مصر كان لها دور رئيسي في تنفيذ أعمال سد ستيجلر جورج في تنزانيا، كما أن المركز قام بوضع دراسات الجدوي الخاصة بسد »واو» في دولة جنوب السودان والتي تشمل الدراسات الهيدرولوجية والهيدروليكية، وبالإضافة إلي كل ما سبق لدينا رؤية قائمة علي بناء العنصر البشري وذلك عن طريق الدورات التدريبية المستمرة منذ عام 1995 في المركز القومي لبحوث المياه، من ضمنها دورة تدريبية سنوية تهدف إلي رفع كفاءة المهندسين في دول حوض النيل وهي تستغرق ثلاثة أشهر يتم بعدها منح المتخرجين دبلومة في هيدروليكا الأنهار، ومن الجدير بالذكر أن هذه الدورات التدريبية تتم بدعم كبير من وزارة الخارجية المصرية عبر تعاون وثيق بينها وبين وزارة الموارد المائية والري. المياه الجوفية يعتمد عليها أكثر من 60 مليون شخص في الوطن العربي ولكنها تعاني من النضوب السريع لمواردها، كيف يمكن مواجهة هذه المشكلة؟ لابد من منع الاستخدام الجائر للمياه الجوفية وترشيد استخدامها كما هو الحال في استخدام المياه السطحية، فمصر تشترك مع ثلاث دول أخري هي ليبيا والسودان وتشاد في إمدادات الخزان الجوفي النوبي وهو خزان مياه غير متجدد ومن ثم يجب أن يتم تقنين عمليات حفر الآبار واستخراج التصاريح الخاصة بها لتكون تحت رقابة وزارة الموارد المائية والري، علي أن تكون المحاصل الزراعية ملائمة لنوعية المياه المستخرجة من تلك المناطق. هل يمكن الاستفادة من المياه الجوفية شديدة الملوحة؟ - نحن مازلنا في مرحلة التجارب التي تهدف إلي استخدام المياه المالحة في عمليات زراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح وذلك من خلال قياس درجات ملوحة الماء والتربة وحجم الإنتاجية المتوقعة في المناطق المستهدفة بالزراعة. كان للمركز تجربة مبتكرة في إنشاء الحواجز المائية الشاطئية، حدثنا عنها؟ - مع تأثير التغيرات المناخية نجد أن منطقة الدلتا تعد إحدي المناطق علي مستوي العالم المعرضة لارتفاع منسوب مياه البحر، وعند محاولاتنا إيجاد حل لهذه المشكلة برزت فكرة بسيطة تم تجربتها منذ ثلاث سنوات في منطقة البرلس وهي معالجة المناطق التي يتوقع أن تعاني من تغول المياه بطريقة بديلة عن وضع الحواجز الصخرية العادية التي تعرف بhard structure، وذلك من خلال استخدام نبات الغاب »البوص» كحاجز واقٍ، فعندما تهب الرياح محملة بالرمال تترسب عند هذا المصد وتقوم بتكوين حاجز رملي ثم يحدث له عملية دمج طبيعي، وهذه التجربة أثبتت كفاءتها في مواجهة عملية ارتفاع منسوب مياه البحر في منطقة الدلتا، وتكلفتها لا تقارن بالنسبة لتكلفة حواجز الأمواج الصخرية العادية.