يولد دستور مصر علي صفيح ساخن بعد انسحاب كل القوي السياسية والمجتمعية من الجمعية التأسيسية للدستور التي شكلها البرلمان اعتراضا علي ما وصفوه باحتكار الإخوان والسلفيين لتشكيلها كما انسحب الأزهر والكنيسة لضعف تمثيلهم ضمن الشخصيات التي ستضع الدستور . وعلي غرار ما حدث مع برلمان نظام مبارك الأخير انشأت القوي الوطنية والحزبية غير الممثلة في الجمعية جمعية تأسيسية "موازية "تعتزم وضع دستور "مواز" يوضع في الميدان ويعبر عن كل أطياف الشعب الذين تم استبعادهم من الجمعية التأسيسية. هذه الخطوة التي أشعلت الموقف وزادت من حدة الخلاف بين التيار الإسلامي والعلمانيين ستعطي مصر لأول مرة في تاريخها دستورين الأول يضعه الإسلاميون والآخر يضعه معارضوهم ليتحول الصراع من أرضية التنافس السياسي لينتقل إلي السيطرة القانونية والدستورية الأمر الذي يضع الدستور الجديد أيا ما كان فيه من مواد جيدة أو غير جيدة علي المحك خاصة مع زيادة المخاوف من رغبة التيار الإسلامي في تغيير مسار مصر من دولة مدنية إلي دولة دينية تقترب من النموذج الإيراني. الدعوة لوضع الدستور الموازي تصدي لها مصطفي الجندي عضو مجلس الشعب عن قائمة الثورة مستمرة ونائب الوفد السابق علاء عبدالمنعم وعدد من الشخصيات العامة كما يفكر الكثير من المنسحبين من تأسيسية الدستور في الانضمام إليها. وتتلخص الفكرة في تشكيل لجنة 100 الجمعية التأسيسية لوضع الدستور- موازية تضم كافة الشخصيات العامة وممثلي الأحزاب السياسية والقانونية وفقهاء الدستور والقوي الثورية ممن جري استبعادهم من اللجنة التي انتخبها مجلسا الشعب والشوري ليطرح علي الشعب كبديل للدستور الذي يعده الإخوان والسلفيون حتي يتمكن الشعب من اتخاذ قراره بحرية. وحول مدي قانونية وجود لجنة موازية للدستور يؤكد الفقية القانوني الدولي عبد الله خليل أن هذه الجمعية ستكون إحدي اللجان الشعبية لتلقي الاقتراحات وإدارة حوار مجتمعي حول مواد الدستور الجديد وهذا الجانب هو ما تفتقره اللجنة التأسيسية المشكلة من أعضاء مجلسي الشعب والشوري حيث تفتقر للتنوع والتعبير عن الاختلافات الموجودة في الواقع المصري لافتا إلي أن هذه الجمعية التأسيسية قد ولدت معزولة مجتمعيا من طوائف وفئات كثيرة من المجتمع وعبرت عن هذا الاختلاف بانسحابها من اللجنة وبالتالي سيكون من المفيد دخول هذه الفئات والجماعات داخل تنظيم مواز أو لجنة موازية لتعبر عن آرائها وعن الصياغات التي تتعلق بالدفاع عن حقوقها بعيدا عن تلك اللجنة الحزبية. وعن تنازع الشرعية بين دستورين سيطرحان علي الشارع المصري قال خليل إن الدستور الذي ستصدره اللجنة التي شكلها البرلمان سيطرح للاستفتاء الشعبي العام كما سيطرحان ما ستنتهي منه اللجنة الموازية للناس كشكل من أشكال الضغط علي مشروع الدستور المقدم من البرلمان لينتهي بتعديله أو بتركه كمشروع لرؤية مستقبلية تطرح نفسها كبديل لمشروع الدستور الذي يعدة البرلمان. وأوضح أن بطلان تشكيل اللجنة سيترتب عليه إعادة تشكيلها وفق أسباب المحكمة للبطلان موضحا أن احترام أحكام القضاء واجب علي البرلمان . المواجهة مع الإخوان لم تتوقف عند حد وضع دستور مواز بل امتد الأمر إلي نقطة أكثر سخونة وهي الطعن علي شرعية المجلس نفسه حيث كشف عصام شيحة عضو الهيئة العليا لحزب الوفد والمنضم لجمعية الدستور الموازي "لآخر ساعة " أن هناك 428 طعنا تفحصها الآن محكمة النقض في شرعية البرلمان الحالي بالإضافة إلي عدد من القضايا المرفوعة في القضاء الإداري ببطلان الجمعية التأسيسية التي شكلها البرلمان وتم حجزها للحكم يوم 11 أبريل القادم كما سينتظر الجميع حكم المحكمة الدستورية العليا في شرعية البرلمان يوم 17 أبريل القادم وهو ما يعني أن الدستور الحالي يضعه نواب مطعون في شرعيتهم وهو ما يهدد أعمال اللجنة وما سيصدر عنها من مشروعات المواد الدستورية بالبطلان . ويتفق معه في الرأي الفقيه الدستوري الدكتور نور فرحات الذي أكد خلال كلمته أمام مؤتمر المجموعة المتحدة " نحو توافق وطني علي الدستور الجديد ويشير إلي وجود عدة أسباب تحول بين تشكيل البرلمان لجمعية الدستور منها أن المجلس الحالي مطعون في شرعيته وهناك دعاوي ببطلان الانتخابات فكيف نثق في أعضائه ونعطيهم حق وضع دستور وطني جديد كذلك مجلس الشوري الذي نطالب بالغائه وإلغاء نسبة ال50 ٪ عمال وفلاحين فيما اقترح الناشط الحقوقي نجاد البرعي إصدار قانون يحدد من له حق الترشح لعضوية الجمعية التأسيسية المنوط بها تشكيل الدستور، لافتاً إلي أن من حق أعضاء مجلسي الشعب والشوري أن يرشحوا أنفسهم لعضوية تلك الجمعية التأسيسية ولكن ليس من حقهم أن يحجزا حصة أياً كانت فيها مطالبا بأن تكون الجمعية التأسيسية معبرة عن المصريين جميعا وليس عن فصيل سياسي واحد منهم. وعلي إثر الانسحابات المتوالية من تأسيسية الدستور قرر عدد من الأحزاب الانسحاب من الجمعية التأسيسية للدستور والانضمام إلي الجمعية الموازية وهو ما أعطي زخما وشرعية سياسية لعمل هذه اللجنة ومن بينها أحزاب الكرامة والتحالف الاشتراكي اللذان انسحبا للطريقة التي تعبر عن استئثار الحرية والعدالة والنور بقرار الدستور فضلا عن التعمد في إقصاء باقي القوي الوطنية. ويؤكد النائب السابق علاء عبد المنعم أن إصرار حزب "الحرية والعدالة"، علي التمسك بنتائج انتخابات اللجنة التأسيسية للدستور، لهدفين أولهما هو تغيير هوية الدولة المصرية إلي دولة دينية، والهدف الثاني هو تحجيم صلاحيات رئيس الجمهورية القادم. وتابع عبد المنعم قائلا: " زي ماعملنا قبل كده برلمان مواز هنعمل لجنة تأسيسية شعبية موازية، والغرض منها هو وضع الخيارات لدي الشعب في اختيار الدستور الذي يفضله"، مشيرا إلي أن من ضمن المشاركين في هذه اللجنة من الفقهاء الدستوريين أحمد كمال أبو المجد، والدكتور نور فرحات، والدكتور إبراهيم درويش والدكتور ثروت بدوي. وأوضح أن الشخصيات العامة التي تضمها هذه اللجنة ستتنوع لتشمل كافة القوي السياسية، ومنهم الإخوان المسلمون والسلفيون، ووزراء في الحكومة الحالية، لافتا إلي أن الأشخاص الذين انسحبوا من " اللجنة التأسيسية" سيشاركون في اللجنة الشعبية. في الوقت نفسه اجتمع اكثر من 50 حركة بالإضافة إلي حركة 6أبريل و عدد كبير من منظمات المجتمع المدني الحقوقية والنسوية والشخصيات العامة والحركات الثورية وبعض القيادات الحزبية للنظر في أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية والذي جاء علي نحو مخالف للقواعد والأعراف الدستورية ولعدالة التمثيل، وانتهي الاجتماع بمطالبة المجلس العسكري بإجراء تعديل دستوري مكمل للمادة 60 من الإعلان الدستوري لإدراج معايير الكفاءة والحيدة والخبرة وعدالة التمثيل وغير ذلك من المعايير الإجرائية والموضوعية. كما أعلنوا في نهاية الاجتماع انضمام كافة المنظمات والحركات الثورية والشخصيات العامة الحاضرة إلي جبهة دستور لكل المصريين لتوحيد الجهود والمشاركة في إعداد دستور شعبي يعبر عن كل المصريين ويحقق أهداف الثورة المصرية. وتقدم حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان بدعوي ضد رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة ورئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الشوري ببطلان انعقاد الجمعية التأسيسية والتي تتولي بدورها وضع دستور مصر الجديد موضحا أن القرار الصادر من مجلسي الشعب والشوري هو قرار خارج عن الاختصاصات الدستورية للبرلمان كما أنه بالنظر إلي طبيعة القرار ومضمونه فهو بطبيعته قرار إداري قد صدر من إحدي السلطات في البلاد لكنه ليس عملاً تشريعياً ولا يعد عملا رقابيا ولا يتصل بالسياسة العامة للدولة أو إقرار الموازنة وهي الأعمال التي نص عليها الإعلان الدستوري وحصر فيها أعمال البرلمان وبذلك يصبح ضمن القرارات الإدارية التي يمكن الطعن عليها. وكشف أبو سعدة عن مخالفة قرار التشكيل لنصوص الإعلان الدستوري حيث إن المادة رقم 60 من الإعلان الدستوري لم تحدد المعايير والاشتراطات الخاصة بتشكيل أعضاء هذه الجمعية، فعلي أي أساس أو سند قانوني الذي قام بمقتضاه البرلمان بتحديد هذه النسبة في تشكيل الجمعية والمعايير التي يتم اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية بناء عليها وأسس هذا الانتخاب، كما أن القرار خالف نص المادة السابعة من الإعلان الدستوري والتي تؤكد علي أن المواطنين لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات ولا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة وهو ما افتقده القرار بتمييز أعضاء البرلمان واستئثاره بنصف مقاعد الجمعية دون باقي المصريين، كما أن ذلك القرار حرم العديد من الشخصيات القانونية والدستورية وذوي الخبرات الاقتصادية والاجتماعية والعملية المتخصصة والمشهود لهم بالكفاءة والعمل وسط جموع المصريين والمجتمع الدولي أيضا ممن لا ينعمون بعضوية البرلمان وانحصرت منافستهم علي نصف المقاعد الجمعية التأسيسية دون سند من الدستور أو القانون. وبالتالي فإن مثل هذا الانفراد يتسبب في عدد من المخاطر تهدد الجمعية التأسيسية وذلك في عدد من النقاط وهي أن اختيار مجلس الشعب لأعضاء الجمعية التأسيسية من بين أعضائه قد أحدث نوعا من انفراد سلطة واحدة من السلطات الثلاثة التي تقوم عليها الدولة بعضوية هذه الجمعية التأسيسية دون غيرها من باقي السلطات . ويري مجدي عبد الحميد رئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية أن هناك أهمية متزايدة لوجود لجنه لوضع دستور مواز مؤكدا أن الدستور الذي سيصدر عن تأسيسية الإخوان والسلفيين سيكون فاقدا للشرعية مؤكدا مشاركته في الجمعية الموازية التي ستضع معايير للعضوية يكون فيها حصص مناسبة للمجتمع المدني والنقابات والعمال والقوي الدينية والمرأة والنوبيين والسيناويين والمعاقين موضحا أن تحركات الإخوان الاخيرة تفتح الباب لكل الاحتمالات في مستقبل مصر بداية من سقوط الدستور نهاية بالانقلاب العسكري لافتا إلي أن خطوة ترشيح خيرت الشاطر للرئاسة زادت من حدة الصراع السياسي بين الإخوان والمجلس العسكري ويزيد من الاضطرابات الداخلية ويدخل البلاد إلي مرحلة الخطر .