نجلاء بدير رجال أمن منعوا تصوير الأمهات في حفل وزارة التضامن الاجتماعي وحده القصاص من قتلة الثوار هو ما سيلطف من حرقة أكباد أمهات الشهداء، فبعد قيام ثورة مصرية أعادت الكرامة المفقودة للوطن، يفقد الشهيد حقه في عدالة تعيد إلي أمه إحساسا بالطمأنينة ويمنحها قدرا من الصبر لتجفف دموعها التي لا تتوقف. ومع توالي صدور أحكام البراءة في قضايا قتل المتظاهرين، واختفاء الأدلة الجنائية التي تدين القتلة تعيش أمهات الشهداء إحساسا بالوجع وجرحا ينزف الفجيعة بينما لا نجد في يوم عيدهن سوي حزن تتضاعف مرارته يملأ قلوبهن المثقلة بالألم. وزارة التضامن الاجتماعي التي نظمت احتفالية من المفترض أن يتم فيها الإشارة إلي أم الشهيد تضع اسم حسن شحاته المدير الفني في قائمة المكرمين!.. أما الفوضي وسوء التنظيم وشطب أسماء معينة مثل الدكتور محد غنيم ( المنتمي للبرادعي) أمور تثير الغثيان في ظل نجاح القائمين علي الأمور في البلاد في التقليل من دور الثوار الحقيقيين وملاحقة النشطاء. الناشطة السياسية والكاتبة نجلاء بدير تحكي شهادتها عن الاحتفالية فتقول: في هذا الحفل البسيط الذي الذي أقامته الشئون الاجتماعية في الأوبرا كان العديد من الأمهات المكرمات موجودات وكان بينهن أمهات شهداء قادمات من محافظات مختلفة، وكانت توجد أيضا كاميرات الفضائيات وميكرفونات الإذاعة. وتضيف: كانت الكاميرا تنتقل من أم لأخري بترتيب الجلوس، بحيث إن صديقتي ( رئيسة جمعية المعاقين) قامت بالتسجيل لأربع فضائيات وإذاعتين، الواحدة بعد الأخري، وكذلك باقي صف المكرمات الجالسات بجوارها، كان كل شيء يجري بهدوء وتلقائية، دون ترتيب، حتي اقتربت إحدي الكاميرات من إحدي أمهات الشهداء، فانشقت الأرض عن رجال يرتدون زيا مدنيا، يبدو أنهم من أمن جهة ما، منعوا الكاميرات من التسجيل، حتي أن أحدهم وقف أمام الكاميرا، ولما سألهم المصور قالوا: خلاص الوزيرة وصلت، ولم تكن الوزيرة قد وصلت بعد.. تدخلت صديقتي التي صدمها المشهد وأشارت للرجال إلي الكاميرا تقوم بالتسجيل مع مندوب شيخ الأزهر، وقالت لهم اشمعني ده بيصور؟! .. فلم يجبها أحد وأصروا علي منع التصوير مع أمهات الشهداء، وهو ما حدث مع مذيعة تم منعها من التسجيل الإذاعي مع أم شهيد بنفس الحجة (خلاص كفاية كده.. الوزيرة وصلت).. كل هذا رغم أن الدكتورة نجوي خليل الوزيرة هي التي اقترحت تكريم أمهات الشهداء، وبكت معهن، وقالت في كلمتها إن مكتبها مفتوح لأي أم شهيد. وتتساءل نجلاء: إذن من هؤلاء الرجال الذين أصروا علي منع الكاميرات من تصوير أمهات الشهداء. تحدثني نجلاء عن قلقها من ضياع حق الشهداء وخاصة الذين قتلوا بعد تولي المجلس العسكري للسلطة وهو الأمر الذي جعل من الخصم حكما. بكاء أمهات الشهداء يعصف بقلوبهن المكلومة وصفاء محمد ما زالت تبحث عن حق ابنها "كمال سيد" 42 عاما. استشهد كمال في جمعة الغضب يوم 82 يناير من العام الماضي، وكان يعمل موظفا بهيئة النقل العام، ويعول أسرتهم التي تتكون من أخ معاق يبلغ من العمر 51 عاما. ولا تشعر صفاء بأي أمل يلوح في الأفق بعد تخلي مبارك عن السلطة وتقول: أحس بالأسي الشديد علي فراق ولدي وأفضل هدية تقدم إليّ في هذا اليوم أن تتم إعادة حقه ممن تسبب في قتله بدم بارد علي أرض الميدان فأين القصاص؟. وتضيف: لم تصدر أحكام ضد قتلة أولادنا، ومما زاد الأمر تعقيدا هو مقتل العديد من الشباب بعد سقوط مبارك، أمام مبني ماسبيرو وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها. ترفض صفاء الحديث عن الدية ولا تقبل أموالا لن تعوضها مهما بلغت عن فقد ضناها. أما إيمان محمد - موظفة في مدرسة إعدادية- والدة الشهيد أحمد عبد الرحيم فتقول: أنا أرملة منذ 41 سنة وقريبة جدا من أبنائي (بنتان وولدان) وأحمد كان ترتيبه الثالث، ورغم إني أحتسبه عند الله شهيدا، إلا أن المرارة لا تفارق صدري كلما مر ببالي ذكريات أو جاءت أعياد أتذكر فيها ابني وهو وسطنا، وفي عيد الأم كان أول من يتذكرني في ذلك اليوم، وتضيف: كان ولدي طالبا متفوقا بالصف الخامس بالمدرسة الصناعية، ويتمني استكمال دراسته بهذا التفوق حتي يلتحق بكلية الهندسة، نزل يوم جمعة الغضب لصلاة الجمعة، ورجع بعد الصلاة وعيناه حمراوان، تم علاجه بالماء والخل من جراء القنابل المسيلة للدموع، ولكن رصاص القناصة أصاب صدر أحمد فاستشهد علي الفور. بينما لا تنسي أم الشهيد حاتم حسين محمد (23سنة) لحظات خطبة ابنها من ابنة الجيران التي أحبها وحلم باليوم الذي يجمعهما منزل واحد، واستشهد قبل يوم واحد من تنجيد مفروشاته، وكان زفافه بعد 9 أيام من وفاته.. تتذكر أنه صلي المغرب وخرج من المسجد في طريقه لعمله يوم استشهاده، وسلم علي كل من قابلوه وكأنه يودعهم، وتضيف: نحن الآن في انتظار القصاص الذي يعد أفضل لنا. وتروي أم الشهيد مصطفي العقاد قصته قائلة: كان طالبا في كلية التعليم الصناعي عمره 81 سنة، توفي يوم جمعة الغضب عندما توجه مع صديقه إلي ميدان المطرية للمشاركة في المظاهرات ظنا أنها مظاهرة سلمية، كان اتجاهما لميدان التحرير لكن للأسف لم يصلا إلي غايتهما حيث توفي في الميدان، وكل ما نأمله هو المحاكمة العادلة. وتبكي والدة الشهيد أحمد صابر ابنها الشهيد الذي كان طالبا في الصف الأول الثانوي لا تتعدي أعوامه الخمسة عشر، أصيب بطلق ناري أثناء مظاهرة سلمية، كان ذلك أمام قسم حدائق القبة عندما سارت المسيرة من الوايلي, وحينما اقتربت من القسم أطلقت القناصة الرصاص ليستشهد أحمد برصاصتين أسفل المعدة، وعلي الرغم ممن صرفن المعاش الخاص لأسر الشهداء والتعويض إلا أنها تقول: لن يشفي غليلي سوي القصاص لابني وتطالب بمحاكمة المسئولين عن قتل الأطفال بالرصاص الحي، فهي لا تعلم ثأرها لدي من تحديدا علي حد قولها.