أثار مايحدث في منجم السكري ولايزال الكثير من اللغط والجدل وعدد من علامات الاستفهام حول حقيقة المخالفات والسرقات به. وكما يقول السياسيون إنه من أجل إنهاء قضية ما، فيجب إشعالها من أجل تسويتها بالشكل المطلوب. لكن صوت العقل الذي دائما ما يأتي من بعيد يري ضرورة وقف نزيف إهدار المال العام مع الحفاظ علي هذا المنجم واستمرار العمل به وليس غلقه وعلي القضاء المصري أن يكشف الحقيقة ويحكم بالعدل علي المجرمين في حق هذا الشعب. هذا ما أكدته عالمة الجيولوجيا والتنقيب عن المعادن المشعة بكلية علوم أسيوط الدكتورة نادية شرارة في حوارها مع آخر ساعة حيث تقول بضرورة تحكيم العقل في الموضوع لأن هذا المستثمر له دور رائد في صناعة استخراج الذهب في مصر، كما يمكن أن نبني صناعة متقدمة علي ماقام به في هذا المنجم من خلال إرسال بعثات من الجيولوجيين ليتدربوا ويتعلموا علي أرض بلدهم بدلا من الخارج وبذلك يلتقطون سر الصنعة ومن خلالهم يمكن أن نشيد منجما ثانيا وثالثا ورابعا إلي آخره. في الوقت الذي يجب أن تفرض الحكومة علي هذا المستثمر شروطها، فإذا كان هو في حاجة إليها فهي أيضا محتاجة إليه.. فالمصلحة متبادلة، ففي منجم السكري استطاعوا أن يستخرجوا مابين 8 إلي 20 جرام في الطن الواحد من الصخور الحاملة لحبيبات الذهب، أي أن متوسط الإنتاج هو 14 جراما في الطن وهذا يشجع فعلا علي الاستغلال الاقتصادي. كما استطاعوا الحفر علي عمق 1300 متر في باطن الجبل ويتم ذلك علي أسسس جيولوجية لاقتفاء أثر الذهب المدفون في الصخور. وتشدد الدكتورة نادية علي أن إحياء هذا المشروع نمي المنطقة المحيطة بجبل السكري جيولوجيا، كما اكتسبت خبرات منه، ففي هذا المنجم استخرج الجيولوجيون 250 جراما في الطن من حزام الخط الحسن أو the happy zone وهذه كمية كبيرة جدا لامثيل لها في مناجم أمريكا. وهذه الهابي وزن بالتأكيد متكررة في مناطق أخري مابين 12 و13 في البرانية لها نفس ظروف التكوين الجيولوجي لمنجم السكري وبالتالي لا نستبعد وجود مثل هذه الثروة فيها ولكن قد توجد علي أعماق مختلفة بها. ولذلك تري الدكتورة نادية أن المستثمر هو الأهم.. وفي ثورتنا الحقيقية وثورتنا علي السكري لايجب أن نغفل أننا في أشد الحاجة إلي المستثمر في هذه الصناعة لكن يجب أن تكون أعيننا عليه.. وبعد استقرار البلاد يمكن أن يدخل لمصر مابين مليار و2 مليار جنيه من المنجم الواحد. وفي نفس الوقت بعد عمل الإنشاءات في كل منجم سنحصل علي اليورانيوم لأن كل من يبحث عن الذهب لابد أن يعثر علي اليورانيوم لأن الاثنين متصلان ببعضهما البعض.. فاليورانيوم لدينا واعد ولكنه يحتاج إلي دراسات مكثفة وحفر علي أعماق بسبب توغله في باطن الأرض. فنحن لدينا حزام كامل ومعروف يتركز الذهب في الصحراء الشرقية في الجنوب عند مرسي علم وشلاتين وفي أماكن متفرقة موازية للبحر الأحمر وكذلك متوقع وجوده في الصحراء الغربية وسيناء. وتؤكد الدكتورة نادية أننا نحتاج إلي استثمارات هائلة لفتح مناجم الذهب في هذا الحزام.. كما أن المستثمرين لابد أن تتوافر لديهم خبرات كبيرة في عملية التنقيب لاستخراج الصخر الحاوي علي حبيبات الذهب ثم القيام بعمليات تكسير وطحن المعادن للحصول علي الحبيبات الدقيقة جدا وصهرها فلم يكن لدينا هذه التكنولوجيا الحديثة الموجودة في مناجم العالم. في منجم السكري.. قام المستثمر بتركيب معدات مصنع اشتراه من جنوب أفريقيا كان ينتج وبعد ماخلص الذهب في المنجم هناك تم بيعه.. وهو منقول بالكامل حتي طاقم المهندسين والجيولوجيين الذين كانوا يعملون فيه جاءوا معه. ولا ننكر أنه لم يعط مصر حقها كما تقول الدكتورة نادية ولكننا نعرف كيف نأخذ حقنا منه.. ولكن لأول مرة يكون لدينا تكنولوجيا لاستخراج الذهب، وهذا المنجم عمل لنا قفزة كبيرة ونهضة في هذا المجال.. أما كونه لم يكن عليه رقابة في العهد البائد فالقضاء يحكم ولابد أن نحافظ علي هذا المصنع لأننا يمكن أن نكرر ما عمله في منجم ثان وثالث ورابع لأن ذهب السكري أصبح معروفا في البورصات والأسواق العالمية وله اقتصاد ضخم. وتذكر الدكتورة نادية أن كلا من الذهب واليورانيوم يمكن أن يعوضا مصر عن دخل قناة السويس وإيرادنا من البترول وعليهما يمكن أن يعيش المصريون أكثر من قرن فأمريكا عاشت قرنا علي مبيعات الذهب. عملت أبحاثا علي منجم السكري قبل إقامة المصنع به في عام 1995 كما تقول الدكتورة نادية عندما حصل المستثمر علي حق التنقيب، فقد أخذت عينات وأجريت عليها أبحاثا في كندا ولما حصلت علي نتائجها أرسلتها للراجحي الذي زارني في عام 1998 وأطلعني علي بعض دراساته لعلمه باهتمامي بالموضوع وقد وجدت أنه بإمكانياته عمل مساحة جيولوجية مضبوطة وبرنامج عمل دقيق ووضع الحفارات علي بعد 15 مترا لعمل آبار تكلفة الواحد منها أكثر من مليون دولار.. حقيقي عمل حاجات لاتتصور وتكلف الكثير وأخذ قروضا من البنوك الأسترالية بناء علي الضمانات التي أعطاها لهم، فهو كان يسير بخطوات علمية وبالكود الأسترالي وكلما كان يتقدم في العمل تطلب منه هذه البنوك عمل دراسات أصعب حتي يطمئنوا علي إمكانية استرداد أموالهم. وفي عام 2000 أعطته مصر حق استغلال المنجم وفي 2003 بدأ في إنشاء المصنع والأنفاق تحت الأرض واستمر لمدة 7 سنوات في عمل نصف صناعة حتي تمكن عام 2010 من إنتاج أول سبيكة ذهب. ولذلك لاننكر عليه ماقام به من جهد وعلم ومعرفة وبالتالي لايجب أن تموت هذه الصناعة.. فالعمال المصريون لايستطيعون تشغيل المصنع لوحدهم وبذلك لايمكن أن يؤتي المنجم ثماره، فلم نكون جيلا من الجيولوجيين يمكنهم استخراج وإنتاج سبائك الذهب.. وترجع ذلك الدكتورة نادية إلي أن شروط الاتفاق مع هذا المستثمر كان يجب أن يكون من ضمنها تشغيل المصريين.. لكن كل ذلك يمكن أن يتغير ويتبدل في الاتفاق ونضم لهذا المصنع جيلا من الجيولوجيين يكتشفون أسرار هذه الصناعة. كما أن هذا المستثمر كان ينوي إقامة مصنع لتنقية الذهب بنسبة 100٪ في مصر حتي يصدر للأسواق العالمية من هنا بدلا من إرسال الكميات إلي كندا ليضمن استخراج سبائك نقية مائة بالمائة. خسارتنا ليست في هشام الراجحي أو سامي الألفي أو غيرهما من المستثمرين.. كما تعتقد الدكتورة نادية ولكن الأهم ضياع تدريب عملي واقعي لجيل من المصريين كان المفروض استبدال الطاقم الأجنبي بهم.. كما حدث في قناة السويس التي كان يعمل بها المصري بجانب الأجنبي لأخذ فرصته في التعلم واكتساب الخبرات وهذا أفادنا كثيرا عند تأميم القناة. فحرام جدا أن تأتي لي فرصة وأضيعها وأنا يمكن أن أفرض رقابة علي كل جرام يستخرج من هذا المنجم، وقصة السكري لها أبعاد كثيرة والدفاع عنه ليس محاباة له ولكن كلمة حق! أما حقوقنا فنحن نعرف كيف نأخذها من هذا المستثمر. والدكتورة نادية ليست مع من يطالب بطرده لأن ذلك سيرجعنا للوراء قرنا من الزمان فهو بالفعل رائد بحق وحقيقي في صناعة استخراج الذهب في مصر لأول مرة.. فهو قد أشعل شمعة في منطقة مظلمة، فلا يجب أن نطفئها ولكن نأخذ منها لإشعال شموع أخري في مناطق أكثر إظلاما!