التلاعب بالأدلة الجنائية يفسد قضية قتل المتظاهرين في جميع قضايا قتل المتظاهرين التي نظرت أمام المحاكم الجنائية لم يتم الحكم بإدانة أي من المتهمين، ففي قضية قتل متظاهري السويس تم الإفراج عن الضباط المتهمين وفي قضية قتل متظاهري السيدة زينب تم الحكم بالبراءة لجميع الضباط، وهذا ما يثير الشكوك حول النطق بالحكم في قضية مبارك وأعوانه. تعد قضية المخلوع الأكثر أهمية علي الإطلاق في الوقت الراهن وتعليقها إلي الآن بدون النطق بالحكم يثير العديد من التخوفات لدي جموع الشعب سواء مؤيدين أو معارضين، فالكل ينتظر قرار المحكمة.. ذلك القرار الذي بإمكانه أن يزيد من اشتعال غضب أهالي الشهداء التي لم تنطفئ بعد أو بإمكانه أن يريح الآلاف من الأبرياء الذين قتلوا غدرًا. تعدد ملابسات هذه القضية يجعل منها قضية غير عادية والشيء الأكثر ملاحظة في تلك القضية هو أن الجناة الحقيقيين لم يتم الإمساك بهم حتي الآن، فالذين زج بهم إلي قفص الاتهام لا تتعدي التهم الموجهة إليهم كونهم شركاء في عمليات القتل بالأمر ولكنهم ليسوا الجناة الحقيقيين - علي حد قول الدفاع. في البداية أكد اللواء محمد نورالدين فرحات مساعد وزير الداخلية الأسبق لوسط وشمال الصعيد أن الأدلة الجنائية في قضية قتل المتظاهرين المتهم فيها مبارك والعادلي و4 من معاونيه ، لم تكن سوي فوارغ طلقات نارية 9 مل 7.6 وتلك الطلقات تم العثور عليها في أماكن الاشتباكات سواء في ميدان التحرير أو أمام أقسام الشرطة، ولم يتم بدء التحقيق في القضية إلا بعد مرور أكثر من 7 أيام علي الثورة بالتالي الوارد أن تكون هذه الأدلة غير صحيحة، نظرا لانهيار أهم أجهزة الدولة وعلي رأسها الداخلية– وقتذاك. وأكد فرحات أن الادلة المقدمة في قضية الشهداء برمتها لا ترقي إلي الثبوت القطعي وبالتالي الوارد هناك إدانة بالشكل الذي ينشده الرأي العام وذلك نظرا لحالة الثورة وعدم الاستقرار آنذاك فلم يتم تكليف أشخاص في ذلك الوقت بجمع الأدلة والإسراع في تقديمها للنيابة، وهذا ما اشتكت منه النيابة العامة من تقاعس الجهات المنوط بها جمع الأدلة عن أداء واجبها والمبرر في هذا هو أن تلك الجهات لم تتكاسل في تأدية واجبها لأنها لم تكن موجودة من الأصل، بالإضافة إلي أن جمع أدلة مسرح الجريمة يتطلب السرعة التامة لعدم تغيير الأدلة وحتي تكون موضع ثقة من جانب النيابة وهذا لم يحدث. وأشار فرحات إلي أن المحكمة تعتمد في قضايا القتل علي الأدلة الواضحة ويتطلب أيضا في ذلك ثبوت نية القتل العمد وتعمد إزهاق الروح والواضح في تلك القضية أن شهادة الشهود معظمها شهادات عمومية. علي صعيد آخر أكد مصطفي البرديسي محامي أحد المدعين بالحق المدني أن الأدلة الجنائية المقدمة أمام المحكمة تكفي لمحاكمة المتهمين وأكبر دليل قاطع علي ثبوت تلك التهم هو الشهداء أنفسهم فعددهم ليس بالقليل، مضيفا أن تقرير المعمل الجنائي ثبت فيه عدد الشهداء بعدد الأعيرة النارية التي أصابت كل واحد منهم وتم تحريز الفوارغ من المقذوفات سواء ناري أو خرطوش أو مطاط وبالتالي جميع الأركان ستكون مكتملة أمام المحكمة . وأضاف البرديسي : دفاع المتهمين يحاول التملص من تهمة القتل العمد مبررًا ذلك بأنه لم يكن هناك أمر بإطلاق النار علي المتظاهرين فضلا عن قطع الاتصالات آنذاك ، ودفاع المدعين بالحق المدني يرفضون تلك التبريرات مبررين ذلك بأن المتهمين شركاء بالأمر و لهم نفس عقوبة الفاعل الأصلي، وقطع الاتصالات لم يكن سببا في تخبط أجهزة الأمن لأن العادلي يحمل معه جهازا لاسلكيا يوصله بجميع أنحاء الجمهورية فلم يكن يحتاج الاتصالات في التنسيق مع أفراد الشرطة. وأشار إلي استخدام دفاع المتهمين أحقية جهاز الشرطة في استخدام السلاح في حالة "الدفاع الشرعي" مع العلم أن من قتل في التحرير من متظاهرين يخرج عن نطاق الدفاع الشرعي، مضيفا أن أوامر قتل المتظاهرين بدأت يوم 23 يناير2010 قبل اقتحام أقسام الشرطة في جمعة الغضب. ومن جانبه أكد نبيه الوحش المحامي أن جميع الأدلة الجنائية المقدمة للمحكمة في تلك القضية هي أدلة واهية، وأن هناك عنصرا مفقودا في تلك القضية و هو الفاعل الأصلي ،فكل المتهمين أمام المحكمة تهمهم لا تتعدي التحريض. وأشار إلي أن شيوع تهمة القتل من أخطر ما يمكن لأن جرائم القتل لابد أن يكون قد قام بها شخص بعينه ولم يتم القبض علي أي منهم حتي الآن ومن قبض عليه فقد تم الإفراج عنهم وفي اعتقاده أن الأحكام ستكون من 10 - 15 سنة علي الأكثر. وأضاف هيثم عمر المنسق العام لائتلاف ثوار محامي مصر أن الأسلحة ذاتها لم يتم العثور عليها ولم يتم التحفظ عليها والأركان التي يجب اتباعها "القاذف والمقذوف " لم يتم التحفظ علي أي منها ، مضيفا أن المحاكمة لابد أن تأخذ مسار المحاكمات السياسية بعيدا عن المسار الجنائي مؤكدا أن في النظام السابق اعتدنا علي دخول المحاكم السياسية في القضايا مثل قضية " أيمن نور ". أكد عمر أن المحاكم الجنائية لا تستند فقط إلي الأوراق والمستندات خاصة إن كانت القضية هامة مثل قضية قتل المتظاهرين فهناك أدلة واضحة غير مرهونة بأعيرة نارية أو ما شابه والدليل الأكبر هم الشهداء أنفسهم والرئيس المخلوع مسئول مسئولية كاملة عما حدث حتي وإن لم يعط أوامر بقتل المتظاهرين، فكان يجب عليه أن يأمر بوقف إطلاق النار علي المتظاهرين السلميين ففي ذلك الوقت كانت له السيطرة الكاملة علي البلاد فهو القائد الأعلي للداخلية وللجيش طبقا للدستور وقتها.