إذا كانت ثورة 52 يناير قد نجحت في إقصاء مبارك عن الحكم، وحل مجلسي الشعب والشوري، وتشكيل لجنة لصياغة الدستور، فقد فشلت فشلا ذريعا عندما ولت الدكتور عصام شرف رئاسة مجلس الوزراء، وإذا كانت سمعة الرجل الطيبة ونظافة يده تسبقه، إلا أن أداء حكومته الاقتصادي كان ضعيفا للغاية، ولم تحقق أحلام الشعب في تقريب الفجوة بين الأثرياء والفقراء، ولم تقدم لرجل الشارع "البسيط" بارقة أمل واحدة لتحسين مستوي معيشته، وزادت حدة البطالة، ونقصت السيولة والركود في الأسواق، وانخفضت احتياطيات النقد الأجنبي، وارتفعت أسعار صرف العملات الأجنبية علي حسات الجنيه المصري، وهربت أعداد كبيرة من الاستثمارات من مصر. وانهارت الموازنة العامة للدولة، وزادت الديون المحلية لتمويل العجز فاضطروا لرفع سعر الفائدة علي المدخرات.. وكان واجبا علي هذه الحكومة أن ترحل غير مأسوف عليها! لم تحقق حكومة الدكتور عصام شرف أي مطلب من مطالب الشعب، خاصة طبقاته الفقيرة التي مازالت تعمل للربع جنيه والخمسين قرشا ألف حساب، ولا تدخل اللحوم بيوتها إلا في المواسم والأعياد، بعد أن زاد الغلاء بصورة غير مسبوقة، من يصدق أن أسعار السلع والاحتياجات الضرورية في مصر أعلي من دول منطقة الخليج، رغم الأجور المرتفعة هناك والمتدنية هنا، وأكتب هذا الكلام من واقع سفرياتي المتعددة، ولا يمكن أن ينكر أحد أن السلع التي ترتفع أسعارها لا تنخفض أبدا، وإذا كنا نستورد 06٪ من احتياجاتنا الغذائية، وتجد نفس السلع عندنا تباع بأعلي من مثيلاتها خارج مصر، فإن أي مهتم بالاقتصاد يكتشف أن عندنا خللا »ما« في السياسة الاقتصادية لمصر.. هل نشط المحتكرون أكثر في حكومة شرف عن غيرها في حكومات حسني مبارك.. أم أن الفساد مازال موجودا والمستوردون يتحكمون في الأسواق لأن سياسة "العمولات" والوسطاء كما هي لتسديد الأفواه وإضعاف الرقابة، أم أن حكومة شرف فشلت في تحفيز المزارعين علي زراعة المحاصيل الزراعية التي نحتاجها.. هل يعقل أحد أن مصر مازالت تستورد الفول والعدس والأرز والقمح، وأن حكومة شرف لم تصلح السياسات الزراعية الخاطئة طوال السنوات السابقة ؟! وإذا كان الجنيه المصري في انخفاض مستمر طوال شهور حكومة د. عصام شرف، حتي تعدي الستة جنيهات أمام الدولار، فلا تتوقع أن يحدث انخفاض في أسعار السلع الغذائية المستوردة مثلما يحدث في الأسواق الخارجية بسبب ارتفاع العملة الأجنبية في بلدك! وفي بداية عهد حكومة شرف المباركة وعدونا بالحد الأدني للأجور، والذي لم يتحقق (للأسف الشديد) مع وجود الدكتور يحيي الجمل الذي خرج ولن يعود إن شاء الله، ولا مع قدوم الدكتور علي السلمي، حتي إن الفقير في ذلك العهد الميمون يزداد فقرا، هل نصدق الواقع المخجل أن عندنا مرتبات في حدود ال 003 جنيه يتقاضاها شباب في عمر الزهور، بينما يتقاضي »مستشارون« في أجهزة الدولة أكل الدهر عليهم وشرب، وتجاوزوا السبعين عاما، ويحصل الواحد منهم علي 002 و 003 ألف جنيه شهريا، حتي إن المثير في الأمر أن رئيس الإذاعة الحالي السيد إسماعيل الششتاوي كان يؤدي الحج معنا هذا العام كضيوف علي وزارة الإعلام السعودية، وعند اجتذابنا أطراف الحديث عن الأجور في مصر، علمت أن راتبه (قبل ثورة 52يناير) كان يصل إلي 004 ألف جنيه، في حين راتبه الحالي (بعد الثورة) لا يتجاوز 52 ألف جنيه قبل الضرائب! فهل عزل الدكتور عصام شرف ومعاونوه أنفسهم عن إصلاح أي فساد اقتصادي، ووقفوا مكتوفي الأيدي بحجة أن المجلس العسكري هو الذي يحكم البلاد، إذا كان الأمر كذلك فما جدوي وجودهم أصلا؟!! أنا شخصيا أعتقد أننا بعد ثورة 52 يناير نجحنا في تغيير شخصيات ومسئولين ووزراء كوجوه فقط، ولكننا لم نغير العقول، الدكتور عصام شرف كان وزيرا في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وتمت إقالته لتقصيره في حادث القطار الشهير؟ وهل ينكر أحد التدهور الأمني والأخلاقي والسياسي والعلمي والاقتصادي في عصر حكومة عصام شرف، ما الذي منعه أن يصلح ما أفسده النظام الديكتاتوري، إننا لم نلمس التغيير مطلقا، ولم يحس به المواطن "الغلبان" ، سوي أننا نعيش علي "بقايا" عقول تربت علي حاضر.. ونعم.. وسيادتك.. نفس نمط التفكير الذي ساد طوال ثلاثة عقود كاملة !!! وفي أواخر أيام حكومة الدكتور عصام شرف تم التمديد لمحافظ البنك المركزي الدكتور فاروق العقدة لمدة أربع سنوات قادمة، وهو الذي انخفض احتياطي النقد الأجنبي في عهده، وخلال عشرة شهور فقط من 63 مليار دولار إلي 22 مليار دولار، وتم في عهده أيضا رفع أسعار الفائدة علي المدخرات لتصل إلي 21٪ علي الودائع، بينما ترتفع لأسعار الإقراض إلي 41٪، بينما الحد الأقصي للإقراض في العالم 5٪، وهذه السياسة تؤدي إلي مزيد من انكماش السوق وسحب السيولة منه، بجانب تحميل المشروعات الإنتاجية أعباء مالية تحد من قدرة منتجاتها التنافسية، وتخلق مناخا طاردا للاستثمار.. فلماذا يتجه البعض لمشروعات صغيرة أو متوسطة بعد ذلك أصلا ؟ كل ما فعلته حكومة شرف هي "المسكنات" الاقتصادية، ولم تعالج الأزمة والمشكلة في الأساس !!!