بإرسال كل من روسياوالولاياتالمتحدة لأساطيلهما البحرية أمام السواحل السورية المطلة علي البحر الأبيض، وإعلان تركيا أن الخيار العسكري ضد دمشق غير مستبعد، في حال استمرار نظام بشار الأسد في قمع المتظاهرين الساعين لإسقاط نظام حكمه، تبدو الأزمة السورية بالفعل مشروع زلزال عنيف قد تتطور أبعاده الإقليمية لتأخد بعدا دوليا شديد التعقيد يرشحه بعض المتشائمين لسيناريو صدام عسكري مرعب بين موسكو وواشنطن. المجتمع الدولي منقسم بشكل حاد علي نفسه في طريقة معالجة الأزمة السورية ففي الوقت الذي أعلن فيه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن نظام دمشق ارتكب بحق شعبه جرائم ضد الإنسانية (قتل، تعذيب واغتصاب)، أعلنت روسيا وبشدة فرض أي حظر علي تصدير السلاح لسوريا كما شددت علي ضرورة التوقف عن توجيه رسائل دبلوماسية حادة النبرة لبشار الأسد، الذي مازال مصرا علي التمسك بالسلطة بالرغم من كل ما فرض ضده من عقوبات اقتصادية والكم الهائل من الشجب والإدانة لما يقوم به من قتل يلقي بمسئوليته علي ما يسميه جماعات جهادية إرهابية تتعاون مع جهات خارجية!! الغرب ما زال حتي الآن يستبعد تدخلا عسكريا علي غرار السيناريو الليبي الذي أفضي في النهاية للإطاحة بنظام العقيد القذافي، وإذا كان التدخل الدولي جوا في ليبيا مع فرض حظر تصدير السلاح لنظام القذافي قد حسم الأمر في النهاية لصالح ثوار ليبيا، فإن الوضع يبدو أكثر تعقيدا بخصوص سوريا نظرا لموقعها الجغرافي المعقد حيث لها حدود ملاصقة لكل من لبنان وتركيا والعراق وإسرائيل والأردن ومع تحذيرات الأممالمتحدة من أن الوضع في سوريا يسير نحو حرب أهلية فإن هناك مخاوف دولية من أن تمتد نيران هذه الحرب لكل دول الجوار بما يضر بمصالح قوي إقليمية ودولية كبري علي رأسها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الغربيون والسعودية وإيران التي تدعم الأسد علي كافة الأصعدة. غير أن أحمد داود أوغلو وزير خارجية تركيا أكد أن اللجوء للقوة العسكرية أمر مطروح علي الطاولة، وإن كان أوغلو شدد أيضا علي أمله في ألا يكون ذلك ضروريا وفي أن يجد النظام السوري وسيلة يرسي بها السلام مع شعبه، واختتم أوغلو حديثه لقناة "كانال42" التركية بالقول إن"النظام الذي يعذب شعبه ليس لديه الفرصة للبقاء في السلطة"، كما أعلنت أنقرة علي لسان وزير المواصلات"بينالي يلدريم" أنها بصدد اتخاذ إجراءات عقابية اقتصادية ضد دمشق، حيث ستلجأ أنقرة للعراق عوضا عن سوريا، كممر تجاري وسيط مع دول الشرق الأوسط وذلك في حال استمرار القتل بحق الشعب السوري. تصريحات أوغلو تزامنت مع تسريبات لصحيفة "لوكانار إنشينية" الفرنسية الأسبوعية عن نية تركيا إنشاء منطقة حظر طيران جوي No fly zone إضافة لمنطقة عازلة علي حدودها المتاخمة لسوريا، وذلك لتسهيل نزوح مئات الآلاف من السوريين المتلهفين للهروب من جحيم الأسد، وتقديم الدعم اللوجيستي للجيش السوري الحر، بقيادة العقيد رياض الأسعد، في قتاله ضد جيش الأسد، وأكدت الصحيفة الفرنسية أن ذلك يأتي كمقدمة لعمل عسكري مشترك بين تركيا وإنجلترا وفرنسا في إطار عملية محدودة تحت مظلة حلف شمال الأطلنطي لتفادي الذهاب لمجلس الأمن، وتؤكد الصحيفة نقلا عن مصادر لم تسمها أن باريس متحمسة جدا للعملية والتعجيل بسقوط الأسد وهو ما تجسد في مواقفها السياسية حيث كانت فرنسا أول من اعترف بالمجلس الانتقالي السوري، برئاسة برهان غليون، كمحاور شرعي عن الشعب السوري. الصحيفة الفرنسية ذهبت لما هو أبعد من ذلك حيث أكدت أن فرنسا وتركيا تسربان السلاح لمقاتلي الجيش السوري الحر، وأن عناصر من المخابرات الأمريكية والفرنسية والألمانية منتشرون الآن في الأردن وتركيا في مهمة تهدف لتدريب عناصر الجيش السوري الحر علي أساليب قتالية أكثر تطورا، وهو نفس السيناريو الليبي حيث كانت تدريبات المخابرات الغربية لثوار مصراتة وجبل نفوسة تحديدا، عاملا حاسما في حسم معركة طرابلس والإطاحة بالقذافي. أما روسيا والصين الداعمتان لنظام بشار الأسد فقد لجئتا في أكتوبر الماضي لاستخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن للحيلولة دون صدور قرار إدانة ضد ممارسات دمشق، خوفا من أن يكون ذلك مقدمة لعمل عسكري ضد الأسد، المرتبط بعقود عسكرية مع موسكو تساوي 7٪ من إجمالي مبيعات السلاح الروسي، وبالرغم من أن موسكو حثت الأسد علي مزيد من الإصلاحات السياسية إلا أنها استبعدت تماما فكرة مغادرته السلطة واتهم الروس القوي الغربية بالسعي لإيجاد أي ذريعة تمكن لهم التدخل العسكري في سوريا، ويتوقع المراقبون أن روسيا لن تقف هذه المرة مكتوفة الأيدي كما فعلت مع نظامي صدام حسين والقذافي، حتي لو كان الثمن صداما عسكري مباشر مع القوي الغربية.