عند نقطة التماس التي كانت تفصل بين متظاهري التحرير وجنود الأمن المركزي عند شارع محمد محمود.. تذكرت افتتاحية فيلم »البرئ« التي قالوا فيها: أن وقائع الفيلم لا تمثل الحاضر.. وكانت الوقائع عن أحمد سبع الليل .. جندي الأمن المركزي الذي أخذوه من قريته ليلقوا به في »أتون« المظاهرات والاحتجاجات بعد عمليات غسيل مخ مستمرة له ولزملائه من الجنود البسطاء.. وقالوا إن كل من يحاربونه ويقاومونه بالعصي والخوذات والواقايات والقنابل المسيلة للدموع وطلقات الخرطوش.. هو عدو للوطن! وأن مهتهم الأساسية هي »حماية البلد ضد أعدائه من المصريين«؟! وعند شارع محمد محمود .. وفي ميادين مصر الأخري.. اكتشفنا جميعا أن الوقائع علي أرض الواقع تمثل الحاضر تماما.. بكل أسلحتها من جندي أمن مركزي غلبان أمي بسيط لايعرف الألف من كوز الذرة.. ومن .. أسلحة ما أنزل الله بها من سلطان وآخرها: الغاز اللي مالوش لون!! وسواء استمرت الأحداث أو تقطعت ثم عادت.. أو ذهبت إلي غير رجعة. فنحن في حاجة لوقفات عديدة.. أولها هيكلة هذا الجهاز الأمني الخطير وأسلحته التي يستخدمها في القمع وعلي رأسها قوات الأمن المركزي .. التي بدأت كقوات شبه عسكرية تتبع وزارة الداخلية لحفظ النظام ومواجهة الاعتصامات والاضطرابات والمظاهرات وكان لها دورها في أحداث الطلبة عام 1968 وفي بدايات التسعينات من القرن الماضي في الجامعات المصرية وفي الحدث الأبرز في أحداث 17، 18 يناير 1977. أما عددها فيبلغ (حسب توصيات صادرة من مؤتمر عن الأمن السياسي عقد في جامعة القاهرة منذ عامين) نحو 300 ألف فرد بينما كان العدد لايتجاوز المائة ألف مع بدايات ثمانينات القرن الماضي.. أما معسكرات التدريب الخاصة بهذه القوات فموزعة في مناطق مركزية بالمحافظات توزع لقطاعات حسب ظبيعة وكثافة كل محافظة.. وداخل المعسكرات تجد الجنود الذين تم تجنيدهم أساسا في الجيش ثم حولوا للأمن المركزي ليقضوا فيه فترة تجنيد تمتد ل 3 سنوات كجنود عادة أي لا يعرفون القراءة والكتابة أو بدون مؤهل. أما التدريب فهو علي فنون القتال ومهارات ألعات مثل الكاراتيه ومكافحة الإرهاب والشغب. وفض المظاهرات وقمع الاعتصامات. وأما التسلح فعبارة عن : العصي بصفة أساسية والبندقية والبندقية الآلية.. ثم الأسلحة التي تستخدم : القنابل المسيلة للدموع والخرطوش بأنواعه.. وبطبيعة الحال الرصاص الحي إذا لزم الأمر والرصاص المطاطي. وفي الفترة الأخيرة كان لقوات الأمن المركز دور هام وحاسم أحيانا.. في التصدي لعدة أحداث كان أبرزها.. أحداث ثورة يناير الأولي والثانية في يناير الماضي ونوفمبر الحالي في ميادين : التحرير بالقاهرة وأمام ماسبيرو وفي المحافظات في ميادين: الساعة والشهداء والتحرير والأربعين ومحرم بك.. في الغربية والإسكندرية والإسماعيليةوالسويس وبعض محافطات الوجه القبلي وحتي أسوان والمواجهة بذلك لم تكن في التحرير وحده.. أو في داخل شارع محمد محمود الذي أصبح نارا علي علم.. بل شملت كل مصر تقريبا. والغريب أنك (ومن تجربة شخصية) .. تجد جندي الأمن المركزي في لحظات هدوءه كحمل وديع في مواجهة المتظاهرين أمام الخط الفاصل بينه وبينهم.. وفجأة يتحول كوحش كاسر عند سماع كلمة واحدة »أضرب« .. وعلي الفور يكون الرد : حاضر يا فندم. كان أبرزها في فبراير عام 1986 عندما اشاع الضباط بين الجنود أن هناك نية لمد خدمة المجندين لتكون 5 سنوات بدلا من ثلاث. فتمردت عدة فرق وانتشرت في كل جوانب القاهرة وفي الجيزة وبعض المحافطات قبل أن تتمكن قوات الجيش من سحق تمردهم بعد أسبوع كامل .. وتم اعتقال العديد منهم وتم ضرب معسكراتهم في الجيزة.. كحل فوري ورادع بعد أن اقتحموا المنشآت العامة خاصة: الفنادق والمحلات التجارية والملاهي الليلية في شارع الهرم الشهير. ورغم أن الحادث.. خلف وراءه ووفقا للبيانات الرسمية وقتها نحو 60 قتيلا وإحالة 1236 جنديا منهم لمحاكم أمن الدولة وفقا لقانون الطوارئ.. إلا أن أحداثا أخري شهدتها قوات الأمن المركزي.. في العام 2009.. بعد أن رفض بعض الضباط ومعهم الجنود الذهاب للحدود الشرقية المصرية. وفي نفس العام تم احتواء تمرد لقوات أمن القاهرة التابع للأمن المركزي.. لقسوة الضباط معهم وتأجيل حصولهم علي إجازتهم المقررة.. وإرهاقهم في العمل ولساعات طويلة دون صرف وجبات إضافية ومناسبة للجهد الذي يقومون به، وفي كل هذه الأحداث كان الرد بالقمع أولا.. وأحيانا بالتفاوض والوعود التي لا تنفد في الغالب ومنها: تحسين المعاملة من الضباط للجنود والبحث في مد فترة الإجازات وتحسين الوجبات ونقل معسكرات التدريب الخاصة بهم خارج الكتل السكانية وهو ما حدث بالفعل بعد أحداث التمرد الشهير عام 1986، ثم تحسين نوعية الجنود الذين يتم تجنيدهم بالأمن المركزي.. وهو الشيء الذي لم يتم حتي الآن.. فنظرة بسيطة لجندي الأمن المركزي ستجد أنه: أمي في الغالب.. ومن يعرف القراءة والكتابة قليل جدا منهم.. وسطحي وقروي جاء من أقاصي الصعيد أو الريف المصري الكادح.. وممتثل للأوامر بصورة يحسد عليها وعنده ولاء تام ونادر لقائده حتي ولو كان مجرد شاب في مقتبل العمر لا يتجاوز ال22عاما.. وفي كل لغة التخاطب لا يخلو أسلوبه من كلمات مثل: أوامرك ياباشا.. أأمر يابيه!! وفي الداخلية يصفونهم بأنهم وقود السلطة التي تبطش بها في مواجهة الشعب.. غير عابئين بترك مثل هذا الجندي في الشارع بدون طعام أو شراب أو نوم لفترات وصلت خلال الأحداث الأخيرة كما قال لي جندي منهم قرب ميدان التحرير إلي 20ساعة كاملة قبل أن تصل التعزيزات لهم من معسكر الدراسة أو من أول طريق مصر الإسماعيلية الصحراوي.. أو منطقة الهايكستب القريبة من مطار القاهرة أو جسر السويس أو الجيزة وغيرها. أما عقيدة هذه القوات فبحسب جندي آخر فهي أن: الجندي ما هو إلا آلة في يد رؤسائه التي يبطشون بها.. وعندما تحاول أن تستدرج جندي أمن مركزي عند نقاط التماس بينه وبين المتظاهرين لسؤال من نوعية: لماذا تفعل ذلك؟ انت عارف دول مين؟ أنت عارف هما بيعملوا كده ليه؟ ما رأيك؟ ستفاجأ بإجابة بسيطة جدا: بأنه جاء من المعسكر ليقوم بعمله هنا والذي لا يجيد غيره.. فبداخل المعسكر لا توجد دروس لمحو الأمية أو لتعليم حرفة ما أو حتي.. لفن معاملة المتظاهرين وفض الاعتصامات والمظاهرات.. أو قمعها دون حالات قتل؟ ويحدث ذلك كله في ظروف قاسية جدا.. قد تحول هؤلاء مع مرور الزمن من كلمة حاضر يافندم.. أوامرك يابيه.. إلي ثورة حقيقية.. يثور فيها الجندي الغلبان الذي لا حول ولا قوة.. ضد .. صانعه؟!