لم يبق للمسرح التجاري سوي مسرحية ترالم لم التي يقوم ببطولتها سمير غانم ، كانت المسرحية عرضت قبل أربع سنوات، لم تتواصل ليالي عرضها يوميا كما كان يحدث للعروض التجارية في الماضي القريب، ليالي العرض غالبا ثلاثة أيام فقط في الأسبوع،أو خلال المناسبات كما حدث خلال ليالي عيد الأضحي المبارك، كان المسرح التجاري أحد المظاهر المهمة في الحياة الفنية المصرية منذ بدء ازدهاره بعد الحرب العالمية الأولي، ثم ظهور الريحاني وعلي الكسار، وجاءت موجة الستينيات من القرن الماضي وما أسفرت عنه من ازدهار فنون المسرح بشكل عام، وكوميديا المسرح التجاري بشكل خاص، ظهرت عشرات الفرق، التي كانت تتنافس علي إعداد موسمين،أحدهما للشتاء في القاهرة، والآخر خلال شهور الصيف في الإسكندرية وبقية المدن الساحلية، خلال سنوات ازدهار كوميديا كانت مسارح القاهرة تشهد كل ليلة عروضا يتنافس علي بطولتها فؤاد المهندس ومحمد عوض وأمين الهنيدي وأبو بكر عزت، ثم جاءت الموجة التالية التي ضمت عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي وسهير البابلي وإسعاد يونس وأحمد بدير وسيد زيان ومحمد نجم ... كانت فرقة الثلاثي قبل وفاة الضيف أحمد أحد الأعمدة المهمة لكوميديا المسرح التجاري خلال السبعينيات والثمانينيات، ثم استمر سمير وجورج معا، قبل انفصالهما فنيا، بعد تقديم مسرحية أهلا يادكتور عام 1981 ولم يبق بعد هذا التاريخ الطويل للمسرح التجاري سوي سمير غانم، الذي قدم نحو 12 مسرحية كوميدية، آخرها ترالم لم، التي يحاول من خلالها السباحة عكس التيار، ودفع بعض الدماء لظاهرة فنية ، عوامل غيابها أكبر بكثير من محاولات استمرارها، مسرحية ترالم لم مثل معظم المسرحيات ذات الطابع التجاري يرفضها الذوق الفني للنقاد، وربما ايضا مساحات ليست قليلة من المشاهدين، تدور أحداثها حول رجل بسيط ينجح مع بناته في إنشاء فضائية ينصب من خلالها علي رجال الأعمال، ومثل هذا النوع من المسرح يعتمد علي إضحاك المشاهدين من خلال القفشات والخروج علي النص، ورغم ذلك، يعتبر الغياب التدريجي لهذا الشكل الفني خسارة كبيرة للظاهرة المسرحية المصرية، وجودها وحضورها صنع رصيدا جماهيرا كبيرا لفن المسرح، وكان يجب العمل علي تصحيحها وتطويرها، وليس انتظار رصاصة الرحمة الأخيرة، كان المسرح التجاري أحد المراكز التي تعتمد عليها السياحة العربية للقاهرة وبالذات خلال شهور الشتاء، كما لعبت معظم المسارح دورا مهما في النقد والتحريض ضد الفساد، والهروب من الرقابة من خلال الرمز، بعض مسرحيات سعيد صالح، وأعمال فرقة الفن لجلال الشرقاوي، الذي ما يزال يسبح عكس التيار من خلال فرقة الشباب التي كونها وتقدم دنيا أراجوزات، حتي أعمال محمد نجم وسيد زيان، كانت لاتخلو في الغالب من نقد حاد وجريء لفساد الواقع السياسي، وسلبية مجلس الشعب، اسباب عديدة وراء الانهيار التدريجي للمسرح التجاري المصري، المبالغة في أجور الفنانين وأسعار التذاكر وارتفاع الضرائب ومصاريف المياه والكهرباء وتكلفة الإنتاج، وتراجع الأفكار ومستوي كتابة النصوص، لكن ربما ساهم آخرون خارج الحدود ربما بسوء أو حسن نية، في انكماش المسرح التجاري، ففي أواخر السبعينيات من القرن الماضي انتشر في كواليس المسارح عشرات المنتجين، يحملون حقائب الدولارات والجنيهات، ويعرضون علي كل من يعمل بالمسرح إنتاج أعمال كوميدية بحجة تسويقها تليفزيونيا، خلال هذه الفترة وحتي منتصف الثمانينات تم إنتاج مئات المسرحيات الكوميدية الهزيلة، كل أسبوع تقريبا كان يتم تعليب مسرحية وإرسالها للمحطات العربية، وكانت هذه بداية ونهاية مسرحيات المقاولات، التي مهدت لإفساد ظاهرة المسرح التجاري في مصر.