يعاني المرضي والباحثون من التجارب السريرية لعدم وجود قانون ينظم هذه المسألة، فأصبح المرضي فئران تجارب لتجريب أي دواء جديد عليهم قبل إقراره، وأصبح الباحث أو الطبيب متخوفاً مما قد يحدث عند تجربة دواء جديد علي مرضي لم يجدوا سوي الخضوع لهذه التجربة أملا في أن يكون هذا الدواء فيما بعد المنقذ لحياتهم، وفي خطوة لتنظيم التجارب السريرية من المنتظر أن يناقش البرلمان مشروع قانون في هذا الشأن بهدف تعديل الممارسات الخاطئة التي تتبعها شركات الأدوية سواء المحلية أو الأجنبية والتي تعرض حياة المرضي للخطر. التجارب السريرية أو "الإكلينيكية" هي تجارب تقيم مدي فاعلية وصلاحية الأدوية، بعد أن يتم تقسيم المرضي الذين سيخضعون للتجربة إلي مجموعتين، الأولي هي مجموعة التجربة والثانية مجموعة المراقبة بحيث يتم إعطاء الدواء المراد تجربته للمجموعة الأولي، ويعطي لمجموعة المراقبة دواء بلا فاعلية ثم تقارن النتائج بين المجموعتين بعد ذلك، ولعدم التحيز لا يعلم المشاركون في التجربة أيهم في مجموعة التجربة وأيهم في مجموعة المراقبة. ومفهوم التجربة السريرية ليس جديداً فهو معروف منذ القرون الوسطي، حيث تم تطبيقه علي يد الطبيب والعالم العربي ابن سينا، وللقيام بالتجارب السريرية لابد من اتباع عدة نظم وقواعد كقيامه علي المرضي أو المتطوعين الذين يوافقون علي إجراء التجربة الدوائية وإعطائهم التأمينات الطبية والصحية لهم. لا أحد يتوقع عدد المراحل التي يمر بها الدواء حتي يخرج لهم في صورته الأخيرة، والتي يجب أن يحكمها شروط وتحديات أهمها مراعاة المرضي والمتطوعين وعدم وقوع أي ضرر يعرض حياتهم للخطر، كما لابد أن تقع تلك التجارب علي فئات محددة لابد من استبعادها كأطفال الشوارع أو المعاقين. وعن المعني العلمي للتجارب السريرية وكيفية إجرائها يوضح محمد عز العرب مؤسس وحدة الأهرام بالمعهد القومي للكبد أن أي دواء جديد لابد من تجربته علي مرضي متطوعين في حالات مرضية لمعرفة مدي فاعلية الدواء والجرعات التي يتم تناولها دون زيادة أو نقصان ومدي تقبل جسم المريض له، ويمر اختبار الدواء بعدة مراحل، الأولي يتم فيها اختبار الدواء علي مجموعة من المتطوعين من المرضي من 20 إلي 100 شخص، والمرحلة الثانية يتم فيها إجراء الاختبار علي 20 إلي 300 متطوع، أما المرحلة الثالثة والأخيرة فيتم فيها اختبار الدواء علي مجموعة كبيرة من المتطوعين من 300 إلي 3000 شخص ولابد أن تكون هذه التجارب بمراكز متخصصة حتي لا تتضارب النتائج. يضيف: لكي تتم عملية التجارب السريرية بشكل لا يضار به أحد يحتاج إلي التقنين والمتابعة، لافتاً إلي أهمية تقنين التجارب السريرية لأن ذلك سيقفز بمصر إلي المستوي الدولي والعالمي في البحث العلمي، وسيعمل علي زيادة الاستثمار، مشدداً علي أهمية عدم استغلال المرضي أو المتطوعين للتجارب السريرية بطريقة غير لائقة نتيجة لحاجاتهم المادية حيث إن هناك ضوابط تنظم هذه المسألة ويمنع منعاً باتاً استغلال الأطفال أو المعاقين. في سياق موازٍ، هناك مطالبات المجتمع المدني والمركز المصري للحق في الدواء بتقنين التجارب السريرية في مصر، حيث تم وضع قانون التجارب السريرية عام 2006، ثم تم طرحه للحوار عام 2009، إلا أنه تأجل مرة أخري حتي ظهر عام 2014 دون أي تعديلات تذكر، لذلك أعلن مؤخرا وزير الصحة أحمد عماد الدين أنه تم الانتهاء من التعديلات الواردة علي قانون التجارب السريرية تمهيداً لمناقسته في البرلمان، ومن المقرر أن يراعي القانون الحالي تحسين مستوي التجارب الدوائية والبحث العلمي في مصر للنهوض بالرعاية الصحية في مصر. عن القانون ومدي أهميته وانعكاسه علي صناعة الدواء يقول محمود فؤاد المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء إن التجارب السريرية تتم في حالة اكتشاف أو إنتاج دواء جديد، حيث يجب تجربة الدواء قبل تسويقه، وتتم تجربة الدواء علي 5 مراحل من ضمنها مرحلة لابد فيها من تجربته علي البشر وذلك بعد تجربته علي الحيوان والنبات، لذلك من المفترض أن يكون بكل دولة قانون لتنظيم التجارب السريرية ووضع قواعد محددة لأنها تقام حتي الآن بشكل عشوائي حيث تقوم الشركات بتأجير باحثين، ويقوم الباحثون بتأجير أفراد لتجربة الأدوية عليهم كما يحدث بدول شرق آسيا وغيرها من الدول وذلك يعرض حياة الكثيرين للضرر. يتابع: وجود قانون ينظم مسألة التجارب السريرية سيحدث ثورة في عالم الطب لأن الطبيب عندما يقوم بتجربة الدواء بنفسه سيكون هناك محاكاة حقيقية يعيشها الطبيب مع اكتشافه والمريض، وسنتجنب خطر استيراد الأدوية وأخذها كما هي من بلاد مختلفة، بدون مراعاة أن تجربة الدواء ومدي فعاليته علي أفراد في بلد ما قد تختلف فعاليته علي أشخاص آخرين في بلاد أخري، لأن تأثير الدواء يختلف من جنس لآخر، ومن لون البشرة لأن كل ذلك يحكمه جينات وعوامل وراثية. وأكد أن تنظيم التجارب السريرية والاهتمام بالقانون الخاص بها له فوائد هائلة علي صناعة الدواء، لأننا وقتها سنشهد استثمارات كثيرة في مجال الأدوية، وفي الأبحاث الدوائية دون القلق من تطبيق غرامات أو تعويضات أو أن يعرض حياة البشر للخطر، وسيهتم الأطباء والباحثون باكتشاف أدوية لعلاج أمراض المصريين، بالإضافة إلي أننا سيكون لدينا منظومة بحث علمي بها باحثون ومكتشفون ونستثمر الدواء بالمليارات فعلي سبيل المثال العالم والدكتور "اشكنازي"، الذي قام باكتشاف دواء للكبد قام باستثماره وبيعه بعد ذلك ب 11 مليار دولار. يتابع: مصر تأخرت كثيراً فيما يتعلق بوجود قانون التجارب السريرية، ونحن في حاجة إلي إصدار القانون، لجذب استثمارات الشركات العالمية للدواء التي وصلت إلي 360 مليار دولار، كما أنفقت ما يقرب من 68 مليار دولار علي الأبحاث في مجال التجارب السريرية ، كما يبلغ استثمار أي دواء جديد إلي 3 مليارات دولار أشار فؤاد إلي أن هناك عدة بنود لابد من مراعاتها بالقانون الجديد باتفاق المجتمع المدني أن تتم التجربة الأولي والثانية للدواء في بلد المنشأ حتي لا يتم اختبارها علي المصريين، ثانياً مراجعة الفئات التي يجري عليها التجارب السريرية وتتضمنها القانون أي ألا تتم تجربة الدواء علي الأطفال سواء كانوا أطفال شوارع أو أطفال مرضي أو بلا مأوي أو المرضي النفسيين ، ثالثاً والأهم ألا تتم التجارب إلا بمعاهد ومراكز مخصصة لذلك أو جامعية فقط . يوضح عبدالرحمن كمال أخصائي القلب والقسطرة والأوعية الدموية أن التجارب السريرية والإكلينكية لها أهمية كبيرة في علاج الأمراض ومنها أمراض القلب للوصول إلي العلاج المناسب، لذلك فالاهتمام بالتجارب السريرية سيمنح المرضي فرصة كبيرة لتحسين الصحة، وسيفتح آفاقا جديدة للأطباء في مجال البحث العلمي ، لأن ذلك سيعطي فرصة لمناقشة الأبحاث المصرية مقارنة بأبحاث الدول الأخري، بالإضافة إلي خروج العديد من الأبحاث حبيسة الأدراج. يتابع أن التجارب السريرية إذا وجد قانون ينظم طريقة العمل بها سيمنع ممارسات كثيرة خاطئة تحدث من قبل شركات الأدوية، وفي نفس الوقت سيساعد علي زيادة العمل والنشاط لهذه الشركات، لافتا إلي أهمية الإقتداء بتجارب الدول الأخري كتقديم ضمانات كافية للمتطوعين، وعلاجهم من أي آثار سلبية قد تنتج عن التجربة، كما يجب تجريم إجراء التجارب السريرية دون موافقتهم، ونشر ثقافة أن من حق أي شخص يتعرض لذلك أن يطالب بالتعويض عن أي آثار نفسية أو عضوية أصابته، مع التشديد علي ضرورة الاشراف والرقابة علي التجارب السريرية من قبل الجهات الإدارية والصحية المنوط بها الإشراف عليها.