السيجارة في فمه، وقلمه الرصاص علي أذنه، وبيده يمسك المنشار يقطع ألواح الخشب، تلك هي الصورة النمطية التي اعتدنا رؤيتها للنجار، هذه المهنة التي ظلت عقودًا حكرًا علي الرجال، حتي قررت الأسطي أسماء اقتحامها. صورة مُغايرة تمامًا، لفتاة في بداية الثلاثين من عمرها، زوجة وأم، وفي نفس الوقت أُسطي صنايعي، يُشار إليها بالبنان، ويثق في مهارتها الرجال قبل النساء، امرأة قوية، تحمّلت هموم الدنيا قبل أن تتحمّل مشقة الضرب بالشاكوش لدق المسامير أو مسك المنشار لتقطيع الأخشاب. أسماء مجاهد، الحاصلة علي دبلوم الصنايع قسم ملابس، قررت سلك الطريق مع زوجها، وأعلنت أنها لن تفارقه لا في المنزل، ولا في ورشته محل عمله، وجدت نفسها مع الوقت تراقب زوجها وهو يعمل في مهنة النجارة وتنجيد المفروشات، وتلاحظ كيف يُعيد ترميم الموبيليات القديمة من أعمال نجارة ودهان وتنجيد، حتي شربت المهنة. عن أول مرة تعمل فيها بالنجارة، تتذكر أسماء قائلة: "كان زوجي في يده شغل لكنه كان مرهقًا فدخل إلي المنزل لينام، وحينما استيقظ وجدني أنهيت المطلوب منه كله، وبالطبع لم يكن مُصدقًا للأمر لكنه كان فرحًا جدًا بما أنجزته". وتقول أسماء: "أعجبتني الحرفة واستمررت في مساعدة زوجي، الذي أعطاني كل الدعم وشجعني وأثني علي مهاراتي، وبعد ذلك بدأنا في تطوير الورشة، وقمنا بإحضار المعدات الحديثة لتصنيع الأثاث من جديد بكافة أنواعه من غرف نوم إلي أنتريهات وغيرها". ورغم مشقة تلك المهنة، إلا أن أسماء تجد في عملها متعة خاصة، خصوصًا أن ممارستها لرياضة الكاراتيه في الصغر جعلتها لا تشعر بأنها تقوم بمجهود كبير في عملها الجديد، فهي اعتادت علي حمل الأخشاب الثقيلة والتعامل مع الآلات الحادة ولا تعبأ بشكل يديها اللتين تتلونان بلون دهان الأخشاب. فاطمة ابنة أسماء، تهوي هي الأخري أعمال النجارة، وتنوي أمها تعليمها أعمال النحت علي الخشب، لأنها تعشق الرسم، وتوجه فاطمة رسالة إلي الفتيات قائلة: "عليكن عدم الانتباه لمن يعلق سلباً علي اقتحامكن أعمال الرجال، فالأنثي تستطيع أن تمارس أي عمل مهما كانت صعوبته، خصوصًا أن التكنولوجيا سهلت الكثير من الأعمال الشاقة بدنيًا بالماكينات الحديثة". كما وجهت رسالة إلي الأمهات بضرورة تعليم أبنائهن حرفًا مفيدة، مشيرة إلي أن الأمهات ترفض تعليم أولادها مثل هذه الحرف علي اعتبار أنها مرهقة وغير مجزية ماديًا ويفضلن العمل علي"توك توك" أو يشترين "فاترينة" سجائر بدل تعلم حرفة، لذا نجد حرفًا ومهنا كثيرة تشهد عجزًا في العمال المهرة كالتنجيد، والأوستر، وغيرها من الحرف التي لها علاقة بالنجارة، مطالبة الشباب الحاصلين علي مؤهلات بعدم انتظار الوظيفة علي المقاهي والاتجاه للعمل الحرفي، فالبلد بها فرص عمل كبيرة وتحتاج لسواعد أبنائها". واختتمت حديثها بأنها تأمل أن تجد جهة تتبني المواهب ويكون هناك معرض لعرض المنتجات فأحيانًا تقوم بتصنيع بعض التحف الفنية كما حدث أن قامت بتصنيع بعض التحف الفنية وصوانٍ خشبية وأعجب بها أحد السياح وطلب تصديرها إلي روسيا، لكنها لا تجد أي جهة أو دعم من أي مكان لتطوير موهبتها وإمكانيتها.