تعاني مصر من وجود فجوة بين حجم إنتاج واستهلاك السكر تقدر بحوالي 0.9 مليون طن سنويا ما يتسبب في وجود أزمة متكررة تضطر الدولة معها إلي إنفاق المليارات لسد العجز عبر استيراد كميات كبيرة من خام السكر، وفي هذا الصدد فإن "الاستيفيا" يعد من النباتات التي برز اسمها في السنوات الأخيرة كمنتج عشبي بديل للسكر التقليدي المستخلص من قصب السكر والبنجر، وتعتبر دولة الباراجواي موطنه الأصلي. وفي التسعينيات من القرن الماضي تم جلب "الاستيفيا" لمصر وأجريت أبحاث مكثفة حول مركباته العضوية انتهت إلي إمكانية زراعته في البيئة المصرية، كما ثبت أن إنتاج الفدان الواحد من هذا العشب يعادل 80 فدانا من نبات بنجر السكر.. "آخرساعة" ناقشت الدكتور أحمد مصطفي نصار رئيس معهد بحوث المحاصيل السكرية في هذا الصدد وكان لها معه الحوار التالي: • كم تبلغ نسبة استهلاك الفرد في مصر من السكر سنويا مقارنة بالنسب العالمية؟ استهلاك الفرد الأمريكي من مادة السكر سنويا يعادل حوالي 18 كيلو جراما، بينما استهلاك الفرد في الاتحاد الأوروبي يتراوح بين 18 و24 كيلوجراما سنوياً، وفي مصر ترتفع نسبة استهلاك الفرد إلي 36 كيلو جراما سنويا. ما هو دور المعهد في إنتاج المحاصيل السكرية في مصر؟ معهد بحوث المحاصيل السكرية التابع لمركز البحوث الزراعية يتركز دوره في وضع التوصيات التي تعمل علي رفع إنتاجية الفدان سواء من محصول القصب أو بنجر السكر، وطبقا لهذه التوصيات يتم عمل توسعات أفقية لزراعة محصول البنجر في الأراضي الجديدة، بينما يتم التوسع رأسياً في زراعة محصول قصب السكر نظراً لأنه من المحاصيل المجهدة للتربة وبالتالي لا يتم زراعته إلا في أراضي الوجه القبلي. وما المحاور التي يعمل عليها المعهد لرفع نسبة الاكتفاء الذاتي من المحاصيل السكرية؟ مصر تقوم بزراعة 555 ألف فدان سنوياً لإنتاج 1.3 مليون طن من سكر البنجر بالإضافة إلي زراعة 325 ألف فدان لإنتاج 0.9 مليون طن من سكر القصب أي أن متوسط إنتاج السكر في مصر يصل إلي 2.2 مليون طن سنويا مقابل حجم الاستهلاك الفعلي الذي يصل الي 3.1 مليون طن سنويا، والفرق ما بين حجم الإنتاج والاستهلاك يقدر بحوالي 0.9 مليون طن سنويا، وهي النسبة التي نعمل علي رفعها حتي نصل إلي الاكتفاء الذاتي قدر الإمكان، فمعدلات إنتاج القصب والبنجر متواضعة بعض الشيء وهذا يعود إلي إهمال بعض المزارعين الالتزام بتوصياتنا، لذلك نجد أن بعض الأراضي تقل معدلات إنتاجيتها عن 35 طن للفدان المزروع بقصب السكر وكذلك الأمر لمحصول بنجر السكر حيث تنخفض معدل إنتاجية الفدان الواحد إلي 15 -17 طنا سنويا. إذا كيف يمكن إحداث توازن ما بين التوسع الأفقي والرأسي في زراعة المحاصيل السكرية؟ هذا يرتبط بمدي الالتزام بحزمة التوصيات التي نقدمها للمزارعين من أجل بلوغ إنتاجية مرتفعة تتراوح ما بين 40 إلي 45 طناً للفدان الواحد من محصول بنجر السكر سنويا، و 65 إلي 70 طن للفدان الواحد من محصول قصب السكر سنويا، وحينها سيتم مضاعفة إنتاج السكر من النسبة الحالية المقدرة بحوالي 2.2 مليون طن سنويا إلي 4.4 مليون طن سنويا، وهذا الهدف يمكن أن يتم بالتعاون مع حملات الإرشاد الزراعي التي تعد حلقة الوصل ما بين معاهد البحث العلمي والمزارعين. ما رؤيتك للمطالبات بزيادة الرقعة الزراعية المخصصة لزراعة البنجر علي حساب قصب السكر توفيراً للمياه؟ زراعة قصب السكر بحاجة إلي درجة حرارة مرتفعة لذلك نجدها منتشرة في محافظات الوجه القبلي، ولكن احتياجات بنجر السكر المائية والحرارية تتماشي بصورة أكبر مع محافظات الوجه البحري أي أن لكل محصول نوعاً خاصاً من الأراضي يتم زراعته بها، وفيما يتعلق بالمطالبات باستبدال زراعة محصول قصب السكر بالبنجر توفيراً للمياه، نجد أن قصب السكر الذي يعتبر محصولاً صيفياً يستهلك ما بين 8000 إلي 9000 متر مكعب من المياه سنوياً في حين أن محصول البنجر السكر الشتوي يستهلك 6000 متر مكعب سنويا ولكن في مدة 7 أشهر فقط، وإذا ما قارنا بين الاثنين نجد أن النسبة متقاربة إلي حد ما. هناك من يربط وصول مصر إلي الاكتفاء الذاتي من السكر بالتوسع في زراعة ما يسمي بمحاصيل المستقبل السكرية .. حدثنا عن هذا الأمر. كما قلت سابقاً فإن إنتاجنا من السكروز المستخلص من بنجر السكر وقصب السكر يصل إلي حوالي 2.2 مليون طن سنوياً وهذا بجانب 0.2 مليون طن نضيفها من محاصيل أخري مثل الذرة السكرية التي يتم الاستفادة من منتجاتها في مصانع الحلويات وإذا توسعنا في زراعة هذا المحصول من الممكن أن نستفيد من في زيادة استخدام المحليات الطبيعية ما سيقلص الفجوة الموجودة لدينا ما بين الإنتاج والاستهلاك. ماذا عن زراعة نبات الاستيفيا؟ الاستيفيا يعتبر نبات القرن الواحد والعشرين وهو قادر علي إحداث طفرة كبيرة للغاية في إنتاج السكر والمحليات الطبيعية في مصر، فبجانب كونه آمنا صحياً، نجد أن درجة تحليته تعادل السكر العادي بثلاثمائة مرة، ويكفي أن يتم زراعة 1000 فدان من نبات الاستيفيا وخلط المادة الناتجة منه مع السكروز المستخلص من محصول القصب والبنجر بنسبة 9 جرامات من مادة الاستيفيا لكل كيلوجرام من السكر العادي وبهذه الطريقة يمكن أن نضاعف الإنتاج إلي أن نصل إلي الاكتفاء الذاتي. وما الفارق بين المادة المنتجة من نبات الاستيفيا وبين السكر المستخلص من البنجر والقصب؟ نبات الاستيفيا مكون من مادة الجلوكوز المرتبطة بالجلايكون وعند تناوله يهبط إلي المعدة ولا يتفكك بداخلها بل يتخلص منه الجسم بصورة طبيعية وهناك أبحاث تم أجراؤها في الولاياتالمتحدة أكدت أن استخدام 2.5 جرام من مادة الاستيفيا لكل كيلو جرام من وزن الإنسان بصورة يومية ليس لها أي آثار جانبية علي الإطلاق من الناحية الصحية وذلك عكس طريقة هضم السكروز المستخلص قصب السكر والبنجر فهو مكون الجلوكوز والفركتوز وعند تناوله يتفكك الرابط بينهما داخل المعدة وبالتالي يتحرر الجلوكوز ويسري في الجسم بصورة مباشرة ما يتسبب في رفع نسب السعرات حرارية وكذلك نسبة السكر في الدم. من أين يتم استيراد بذور هذا النبات؟ بذور نبات الاستيفيا تم استيرادها لأول مرة من أسبانيا وقمنا بإجراء تجارب لزراعتها تحت ظروف المناخ والبيئة المصرية منذ التسعينيات. وكيف كانت نتائج هذه التجارب؟ كان هناك نجاح ملحوظ لدرجة أننا وصلنا إلي معدل إنتاجية يفوق معدل الإنتاج لدي البلد الذي تم استيراد البذور منها. ما هو حجم الكمية التي يستهلكها نبات الاستيفيا سنوياً من المياه؟ نبات الاستيفيا يعتبر من النباتات البرية، ومن المعلوم أن هذا النوع من النباتات لا يحتاج كميات كبيرة من المياه اثناء عملية النمو فمقدار ما يستهلكه سنوياً من المياه في حدود 6 آلاف متر مكعب، كما أنه يعد من النباتات المعمرة التي يصل عمرها إلي 7 سنوات. هل يمكن الوصول إلي تكامل عربي في زراعة المحاصيل السكرية خاصة أن الفجوة ما بين حجم الإنتاج والاستهلاك تصل إلي حوالي 60٪ من الاحتياجات السنوية؟ إذا أستطعنا تحقيق حلم التكامل الغذائي بين الدول العربية سيكون لدينا القدرة علي الوصول إلي اكتفاء ذاتي من محصول السكر بل وسيكون هناك فائض للتصدير إلي الخارج، فنحن علي سبيل المثال نستورد بذور بنجر السكر بالكامل من الاتحاد الأوروبي وإذا قمنا بالتعاون مع دول مثل لبنان أو سوريا يمكننا إنتاج البذور محليا وذات الأمر فيما يتعلق بزراعة محصول قصب السكر، فأراضي السودان تتميز بخصوبتها المرتفعة لذا يمكن زراعة محصول قصب السكر بها ليعطينا إنتاجية مرتفعة للفدان الواحد تصل إلي 70 طنا، فيما يمكن زراعة محصول بنجر السكر في دول المغرب العربي للوصول إلي إنتاجية مكثفة من هذا المحصول، ولكن كل دولة تعمل حالياً في اتجاه مختلف ما يعوق الوصول إلي الهدف المنشود وهو الاكتفاء الذاتي.