بين الفرنسي جيروم فالك الأمين العام السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والقطري ناصر الخليفي رئيس مجموعة قنوات "بي إن" الرياضية ونادي باريس سان جيرمان الفرنسي، الملاحقين بتحقيق سويسري حول شبهات فساد، علاقة قديمة تعود إلي مطلع الألفية الثالثة. علاقة الرجلين عادت للظهور علي سطح الأحداث مرة أخري مع إعلان القضاء السويسري فتح تحقيق يطال الخليفي وفالك، الموقوف 10 سنوات عن ممارسة أي نشاط رياضي، وقال مكتب المدعي العام السويسري أن فتح التحقيق يأتي علي خلفية »الاشتباه في أن جيروم فالك قبِل امتيازات لم يكن يستحقها من رجل أعمال في قطاع حقوق البث الرياضي فيما له صلة بمنح الحقوق الإعلامية لبطولة كأس العالم أعوام 2018 و2022 و2026 و2030 لدول بعينها ومن ناصر الخليفي فيما يتصل بمنح الحقوق الإعلامية لدول بعينها فيما يخص كأس العالم عامي 2026 و2030».تفي أحدث تصعيد لوتيرة التحقيقات التي تجريها السلطات السويسرية عن فساد كرة القدم. وبالتزامن مع إعلان مكتب المدعي العام السويسري، أعلنت السلطات الفرنسية أن مكاتب شبكة بي إن سبورتس في باريس جري تفتيشها كجزء من تحقيق جنائي مع جيروم فالك والقطري ناصر الخليفي الرئيس التنفيذي لمجموعة بي إن الإعلامية. وأصدر مكتب المدعي العام المالي في فرنسا بيانا قال فيه إن اثنين من ممثليه إلي جانب مسؤولين فرنسيين آخرين يختصون بشؤون مكافحة الفساد والتهرب الضريبي قاموا بعملية التفتيش. وأضاف البيان أن التفتيش تم بالمشاركة مع السلطات السويسرية ومسؤولين قضائيين أوروبيين. فالك الصحفي السابق في شبكة »كانال بلوس» الفرنسية وكان أيضاً مديرا لقناتها الرياضية »سبورت بلوس»، أصبح أحد رواد اكتساب الحقوق الرياضية وانضم بعدها الي »سبورت فايف»، الشركة المختصة في إدارة حقوق التسويق الرياضي. وفي عام 2003، وبفعل علاقته القوية بالفرنسي ميشيل بلاتيني الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي لكرة القدم، انضم إلي الفيفا كمدير للتسويق بعدما أوصي بلاتيني السويسري جوزيف بلاتر الرئيس السابق للفيفا بذلك، ومن هنا أدار فالك ملف الحقوق التليفزيونية. في الوقت نفسه، كان الخليفي مسؤولا في قناة الجزيرة الرياضية، التي سُمِّيت في يناير 2014 »بي إن سبورتس»، وكان المسؤول عن استراتيجية شراء الحقوق الرياضية والبحث عن محتويات لقنواته، وكلّف شركات لنيل هذه الحقوق. وفي 2003، وبينما كان يعمل في فيفا، تابع فالك عمله في »سبورت يونايتد»، وهي شركة مقرها باريس، تفاوض علي الحقوق الرياضية ويملك أسهما فيها، بحسب اختصاصي في التسويق الرياضي. وسيلة فساد علي هذا النحو، وبحسب وثيقة نشرتها وكالة الصحافة الفرنسية، لعب فالك دور الوسيط لحصول الجزيرة علي حقوق الليجا الإسبانية لمنطقة الشرق الأوسط لموسمي 2004 و2005 مقابل 6.9 مليون دولار أمريكي.. ويشرح مصدر آخر مطلع علي هذه القضية: »علاقة جيروم فالك وناصر الخليفي قديمة جدا وتبادلا الكثير من الخدمات». لكن فالك قال لصحيفة »ليكيب» الفرنسية إنه لم يتلق »شيئا من ناصر.. لم يكن هناك أي تبادل فيما بيننا». غير أن الشرطة الإيطالية أعلنت أن الخليفي، وضع فيلا في سردينيا تحت تصرف فالك، وأوضحت الشرطة أن الفيلا الواقعة بمنطقة بورتو تشيرفو في مدينة سردينيا، التي تقدر قيمتها بنحو سبعة ملايين يورو، شكّلت »وسيلة فساد» استخدمها ناصر الخليفي لصالح فالك »من أجل الحصول علي حقوق النقل التليفزيوني العائد إلي كأس العالم لكرة القدم بين 2018 و2030». في عام 2010، قام فالك بتعيين الخليفي في لجنة تنظيم كأس العالم للأندية في فيفا.. لجنة رأسها آنذاك الأمريكي الراحل تشاك بلايزر، الذي اعترف لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) بضلوعه مع آخرين بقضايا فساد كبري أدت عام 2015 إلي إطلاق عملية واسعة لإيقاف المسؤولين الفاسدين في الفيفا. وفي تلك اللجنة، تواجد أيضا الإسباني ساندرو روسيل، الرئيس السابق لنادي برشلونة والقريب من فالك. وأوقفت الشرطة الإسبانية روسيل في مايو الماضي في قضايا غسييل أموال بعد اتهامه بالحصول بطريقة غير شرعية علي حقوق نشر صور المنتخب البرازيلي. الماء العكر سويسرا ليست فقط تلك الجنة التي يهفو إليها رجال الأعمال والمشاهير والأغنياء من أوروبا وكل أنحاء العالم نظراً لأنها أقل دول العالم تحصيلا للضرائب، ولكنها أيضا ذلك البلد الذي يتواجد به ما يزيد عن 40 اتحاداً رياضيا دوليا لألعاب جماعية وفردية، أبرزها اتحاد كرة القدم، الذي نُقل إليها من باريس عام 1932، واتحاد كرة اليد والجولف والتزلج علي الجليد، فضلا عن اللجنة الأوليمبية الدولية التي تأسست بها 1915، ولا يرجع ذلك لما عُرف عن حياد سويسرا في الأزمات الدولية فقط علي غرار الحربين العالميتين الأولي والثانية، ولكن لأنها بلد ذات نزاهة وشفافية لا يضاهيها فيهما أحد طبقا لكل التقارير الصادرة عن الأممالمتحدة، غير أن رولاند بوشيل، الذي عمل بإدارة التسويق بالفيفا في الفترة من 1999 وحتي 2002، والنائب حاليا في البرلمان السويسري يقول لصحيفة لوموند الفرنسية بسخرية شديدة:» سويسرا هي البلد الأقل فسادا في العالم ولكن بفعل حكايات الفيفا أصبحنا أكثر فسادا من بوركينافاسو نفسها».. مع تزايد فضائح الفيفا قام البرلمان السويسري في ديسمبر من 2014 بالتصويت علي تشريع قانون جديد يحظر غسيل الأموال ويشدِّد الرقابة علي الأموال التي تربحها الشركات الاستثمارية في سويسرا عموما والاتحادات الرياضية والفيفا علي وجه الخصوص، علماً بأن مبلغ مليار يورو هو أقل ربح سنوي للاتحادات التي تتخذ من سويسرا مقرا لها، وفي إشارة ذات مغزي سُمِّي القانون بLE( FiFA ومرة أخري يوضح النائب السويسري رولاند بوشيل: » مالم يفهمه مسؤولو الفيفا هو أن الشعب السويسري ضاق ذرعا من فسادهم». القانون الذي تم تبنيه بواقع 128 صوتا موافقا و62 معارضا في مجلس الولايات السويسرية (تتألف سويسرا من 4 ولايات أو مقاطعات تشكل فيما بينها اتحادا فيدراليا)، منح جوزيف بلاتر ومسؤولي الاتحادات الرياضية المتواجدة بسويسرا صفة »رجال السياسة»، وهو ما يعني أنهم معرّضون أكثر من غيرهم للتورط في قضايا فساد، وأن حساباتهم البنكية مراقبة ومن حق البنك إغلاقها فور ملاحظة أي شيء غير طبيعي يطرأ علي تلك الحسابات. القانون أيضاً يهدف إلي وضع الفيفا، في خلال عام ونصف من الآن، تحت رقابة مؤسسة GAFI المعنية بمراقبة الأنشطة المالية لكل المؤسسات غير الحكومية في سويسرا، باعتبار أن الفيفا كان في الأساس مؤسسة غير ربحية قبل أن يتحول لكيان يجني مئات الملايين من الدولارات سنويا، ويحتفظ في بنوك سويسرا بمليار و432 مليون دولار، وما إن يحدث ذلك ستكون كل فعاليات الفيفا خاضعة لقوانين رقابية أخري، ويؤكد رولاند بوشيل :» الفساد في الرياضة أصبح جنائيا.. وبمجرد أن يتم إخضاع الفيفا للرقابة الكاملة سنحقق في الكثير من الأشياء، منها علي سبيل المثال منح قطر حق تنظيم مونديال 2022.. سنفعل ذلك حتي إن لم يتقدم أحد بشكوي جديدة».. تعليقا علي القانون الجديد، قال المتحدث باسم الفيفا :» بحكم أننا مؤسسة رياضية مستقرة بسويسرا، فإننا نتابع باهتمام النقاشات التشريعية الجارية ومستعدون للإجابة علي أي سؤال يوجهه المشرِّع». ولكن ذلك النقاش القائم الآن في سويسرا بخصوص فساد الفيفا قد يكون له جانب آخر، فإذا ما تم تعميم القانون بالفعل علي باقي الاتحادات الرياضية، فإن دولا أخري قد تستغل الفرصة لتقديم عروض مغرية بمقرات جديدة، وذلك علي غرار اتحاد كرة الريشة الذي تلقي بالفعل عرضا من ماليزيا بالانتقال إلي عاصمتها كوالامبور، وكذلك اتحاد ألعاب القوي المقيم بسويسرا منذ 1993 والذي يمكنه، إن أراد، الانتقال إلي إمارة موناكو الفرنسية في مبني أنيق بقيمة إيجارية يورو واحد سنويا، أي ما يعادل 20 جنيها سنويا بالعملة المصرية، ولمدة 30 عاما، وعن تعليقات بعض خبراء الاقتصاد بأن سويسرا لن تتحمل »سفر الخروج اقتصاديا في حال الرحيل الجماعي للاتحادات الرياضية»، يقول النائب رولاند بوشيل :» من أراد الخروج فليخرج.. نتمني لهم رحلة سعيدة».