تمخض الجبل فولد فأرًا.. فبعد أيام من ترقب العالم كله لخطاب الرئيس الأمريكي دونالدو ترامب حول إيران، والتهديدات الرسمية وغير الرسمية عن قرارات غير مسبوقة في مواجهة إيران، وأنباء عن إلغاء الاتفاق النووي معها، أو علي حد قول ترامب خلال حملته الانتخابية بأن الاتفاق مجرد ورقة سيقوم يوما ما بعد انتخابه بتمزيقها، فوجئ العالم كله بأن استراتيجية ترامب التي أعلنها في خطابه المطول، ماهي إلا كلمات مرسلة عن الإرهاب الإيراني والتدخل في شئون الآخرين، وجدوي العقوبات الاقتصادية ضد إيران، وحقوق الإنسان المهدرة داخل دولة المرشد الديكتاتورية، أما القرار الذي خرج به ترامب للعالم في خطابه، فكان تجميد تمديد الاتفاق النووي الذي مدده قبل ذلك مرتين، ليترك الكرة في ملعب الكونجرس ووزارة الخزانة الأمريكية للتصرف. وكلمات ترامب في خطابه الأخير لم تكن مفاجئة لأحد في العالم.. فالرجل أعرب عن خيبة أمله في الاتفاق النووي الإيراني الذي تفاوض عليه باراك أوباما، ووصفه بأنه كارثي ومروع ومن جانب واحد! ومنذ بدايات حملته الانتخابية كان يردد في كل خطاب دعائي له: أن الاتفاق مجرد ورقة سيقوم بتمزيقها بمجرد وصوله لكرسي رئاسة البيت الأبيض ورغم ذلك منح ترامب موافقته علي الاحتفاظ بالاتفاق مرتين.. وحسب شبكة يورونيوز الإخبارية فإن ترامب لا يطيق الحديث أبدا عن ذلك الاتفاق ل 5 أسباب رئيسية: أولها: أن إيران حصلت علي 150 مليار دولار، وهو تصريح مغالط فهذه الأموال هي بعض الأموال الإيرانية التي جمدتها أمريكا داخل أراضيها، بعد العقوبات الاقتصادية عليها في عقود سابقة، وهي أموال خاصة بمبيعات البترول وبأرصدة بنكية، وثانيها: أن الاتفاق النووي لم يمنع إيران من تنفيذ عدة تجارب صاروخية باليستية، وحسب ترامب فإن تلك الصواريخ تهدد إسرائيل، إضافة لتعاون إيراني كوري شمالي في هذا المجال، وثالثها: أن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية حسب ترامب لديهم سلطات محدودة في التفتيش علي المواقع النووية الإيرانية ورابعها: أن بنود الاتفاق النووي غير دائمة وملزمة لإيران.. وآخرها: أن إيران حسب ترامب لم تلتزم أبدا بروح الاتفاق مع القوي الست العالمية التي تفاوضت معها. ومن هنا.. فإن ترامب كان يلقي خطابه وفي ذهنه شعوره الشخصي بأن الاتفاق غير مرضٍ، وأنه لابد أن يفي بوعده أمام ناخبيه بإلغائه أو بالأقل تجميد مده وحتي يترك الكرة في ملعب الكونجرس، ليتصرف في ذلك إما بالتمديد أو الإلغاء خلال 60 يوما بعد قرار ترامب بالتجميد.. ولذا حرص ترامب في خطابه علي التركيز علي عدة نقاط هامة أبرزها: أن استراتيجية أمريكا تهدف لمنع إيران من الحصول علي سلاح نووي، وأن إيران لن تحصل علي سلاح نووي أبدا وتعهد بذلك وأشار إلي أن إيران خاضعة لسيطرة نظام ديكتاتوري متشدد فرض علي شعبه الاستسلام للحكم، وأن هذا النظام ينشر الفوضي في العالم، كما أنه حمي إرهابيين بعد هجمات سبتمبر الشهيرة في نيويورك عام 2001 كما قدم الدعم للقاعدة وتنظيم الدولة وعدة مجموعات إرهابية ولفت النظر إلي أن صواريخ إيرانية وبرنامجها الطموح للصواريخ الباليستية تهدد حلفاء أمريكا بالشرق الأوسط، كما أن إيران دعمت نظام الأسد بالسلاح الكيماوي ضد الأطفال والأبرياء.. واتهم ترامب في خطابه الحماسي إيران بارتكاب انتهاكات للاتفاق النووي وإخافة المفتشين الدوليين ومنعهم من تفتيش منشآت نووية.. وسمح ترامب لوزارة الخزانة الأمريكية بوضع عقوبات إضافية علي الحرس الثوري الإيراني وهي عقوبات تم فرضها من سنوات.. وحث حلفاء أمريكا علي المساعدة في فرض عقوبات علي إيران.. كما حث الكونجرس علي معالجة الأخطاء في الاتفاق النووي الإيراني، لأنه يمكنه إلغاءه في حال عدم قدرة أمريكا علي تعديله. وترامب لم يكتف بذلك.. في خطابه فقد لوح كما تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية لإجراءات لم يعلنها صراحة وكلها خاصة بملفات جديدة حول إيران، التي اكتفي الرؤساء السابقون لأمريكا بفرض عقوبات اقتصادية أو السعي لمفاوضات معها تكون مكملة للاتفاق النووي، وهو ما يحاول ترامب هذه المرة مخالفته، بربط سياسة أمريكا تجاه إيران وملفها النووي والصاروخي، بملفات جديدة مثل: حقوق الإنسان المهدرة داخل إيران، وفرص تغيير الحكم فيها من الداخل، إضافة لحقوق المرأة الإيرانية المهدرة وكل ذلك بالطبع مع إجراءات إضافية اقتصادية ستطال، وبموافقة الكونجرس الأمريكي، مؤسسات حكومية وخاصة إيرانية إضافة للحرس الثوري الإيراني والأرصدة الإيرانية في البنوك الأمريكية والتي كان قد أفرج عن مبالغ كبيرة منها السنتين الماضيتين فقط. وخطاب ترامب أو استراتيجيته الأخيرة ضد إيران نال استحسان عدد من الدول علي رأسها إسرائيل التي رأت فيه وقفة جادة تجاه توسعات وطموحات إيران بالمنطقة، ولكن تلك الاستراتيجية، كما تقول شبكة »NN الإخبارية الأمريكية، ستصطدم بعدة عراقيل وانتقادات حادة أبرزها: داخل أمريكا ذاتها حيث يتوقع الكثيرون ألا يوافق الكونجرس الأمريكي والمؤسسات الأمريكية الفاعلة، علي إلغاء الاتفاق النووي الإيراني دفعة واحدة لأنه وببساطة سيثير الانتقادات حول خسارة أمريكا المتوقعة منه اقتصاديا وسياسيا، إضافة إلي أن أمريكا تري ومن خلال مراكزها البحثية والسياسية، أنه يمكن تطوير ذلك الاتفاق إما بتعديله أو جعله ملائما للعلاقات الإيرانيةالأمريكية في المستقبل، والتي يأملون في تحسنها، كما أنه في حال نجاح أمريكا في ذلك، سيكون دفعة قوية لملف مماثل وهو ملف كوريا الشمالية وترسانتها النووية والصاروخية، كما أن إلغاء أمريكا الاتفاق سيعني بالضرورة انسحاب إيران منه وهو ما صرح به الرئيس الإيراني روحاني بالفعل، وهو ما يعني مكسبا سياسيا واقتصاديا لإيران في مواجهة أمريكا، ومكسبا أكثر لحلفاء إيران المحتملين وهم: روسيا والصين والاتحاد الأوروبي. انتقادات أخري، تواجهها استراتيجية ترامب تجاه إيران، وهذه المرة، من الحليف الأوروبي الذي أعلن عن طريق الاتحاد الأوروبي تمسكه بالاتفاق النووي الإيراني، ومن خلال بيان ثلاثي مشترك ل3 دول فاعلة أوروبيا وعالميا وهي: ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، والتي أعلنت أن الاتفاق النووي الإيراني يخدم مصالحها القومية، أضف إليهم بالطبع روسيا التي حذرت من نتائج اللعب بنصوص الاتفاق الذي استغرق إعداده نحو 13عاما، ورعته الست دول العالمية بما فيها أمريكا، ودعم ذلك تأكيد الوكالة الدولية للثقافة الذرية في مقرها بالعاصمة النمساوية فيينا، علي أن إيران فقدت التزاماتها المتعلقة بالبرنامج النووي، وأن هذا البرنامج يخضع لأشد أنواع المراقبة، أما الخصم المباشر لأمريكا وهو إيران فقد اعتبر، في خطاب للرئيس الإيراني حسن روحاني، أن خطاب ترامب إهانة وأنه ضد الشعب الإيراني أكثر من أي وقت مضي، وهو مجموعة من الإهانات والاتهامات التي لا أساس لها من الصحة، أو أن علي ترامب تعلم الأدب، وإذا قررت أمريكا الانسحاب من الاتفاق النووي، سننسحب. يبقي الأمر علي ما هو عليه إذن،ولكن يطرأ متغير جديد علي الصراع الأمريكي، الإيراني، فقد اختارت أمريكا أن تواجه إيران في عدة جبهات من بينها الملف النووي والبرنامج الصاروخي، وأضافت وربما لأول مرة علنا، ملفات مثل حقوق الإنسان والمرأة والحرس الثوري بصورة أشد، وذلك ما وضح من تصريحات لوزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، عن مراجعة ملفات التعاون الأمني بالمنطقة بعد خطاب ترامب وبأنها تحذر إيران من أي تحرك خاطئ أو استفزازي تجاهها، في إشارة لتدخلها المباشر في الشرق الأوسط وفي عدة نقاط ساخنة أبرزها: سوريا والعراق ومساندتها لحزب الله في لبنان، إضافة بالطبع لمنطقة الخليج العربي.