في حدث تاريخي نادر أعلن الحبر الأعظم فرنسيس، بابا الفاتيكان، أمام حشد من كل دول العالم الكاثوليكي، مباركة أيقونة مسار رحلة العائلة المقدسة إلي مصر، لاعتمادها ضمن رحلات الحج المسيحي، ما أعطي دفعة هائلة للسياحة الدينية في مصر، كون الكاثوليك يشكلون نحو ملياري نسمة ينتشرون في معظم دول العالم، وإن تركزوا في دول جنوب أوروبا وأمريكا اللاتينية والقطاع الفرنسي من كندا، والذين دخلت مصر دائرة اهتماماتهم الدينية بعد مباركة البابا، ما قد يشكل فرصة ذهبية لتتحول بلاد النيل إلي قبلة السياحة الدينية في المنطقة بما يضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد المصري. البابا فرنسيس، الرجل الذي يقال عنه إنه جاء ليصنع الفارق في العالم، بدا وكأنه يحيط مصر بعنايته، فقد زار القاهرة في 28 أبريل الماضي، وأصر علي أن يعكس صورة طيبة عن مصر للعالم بأنها بلد الأمن والأمان، ثم عاد وكرر خطوته بإعلان مباركة مسار رحلة الأسرة المقدسة، التي ضمت السيد المسيح والسيدة مريم ومعهما يوسف النجار، في دعوة دينية من أعلي مرجعية دينية في العالم المسيحي لزيارة مصر في موسم أعياد الميلاد شتاء 2017/2018. ويحكي مسار العائلة المقدسة في مصر أحد الفصول المبكرة لميلاد المسيحية، فقد هربت السيدة البتول مريم بنت عمران بوليدها إلي أرض مصر هربا من بطش ملك اليهود هيرودس، الذي أراد قتل أبناء اليهود الذكور خشية من نبوءة تتهدد ملكه، لم تجد السيدة العذراء إلا مصر تحتمي بها من بطش ملك اليهود، فسافرت ليس معها إلا المسيح الرضيع ويوسف النجار ومعهم حمار، ودخلوا مصر من جهة مدينة العريش لتبدأ الرحلة المقدسة، التي شملت عدة محطات في سيناء وصولا إلي الوادي جنوبا حتي أسيوط، إذ مكثت العائلة المقدسة في مصر نحو ثلاثة أعوام وثمانية أشهر. وكان مسار الرحلة قد طمس حتي أعادت اكتشافه القديسة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير في النصف الأول من القرن الرابع الميلادي، بناء علي رؤيا منامية، بعد ذلك اعتمدت الكنائس الأرثوذكسية الشرقية علي ما قدمته القديسة هيلانة من وصف وتحديد لمسار رحلة العائلة المقدسة في مصر، مدعومة بقصص آباء الكنيسة المصرية، وقد ورد ذكر الرحلة في إنجيل متي: »إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا: قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلي مصر، وكُن هناك حتي أقول لك لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلي مصر» متي: 2: 13-14. وبالفعل دخل الركب الصغير الذي يخشي اكتشاف أمره مصر وتوجه من مدينة العريش إلي مدينة الفرما (السويس الآن) ومنها إلي منطقة تل بسطا بالزقازيق، ثم مسطرد فدخلوا بالقرب من حصن بابليون حيث الكنيسة المعلقة الآن ومن المعادي انتقلوا إلي البر الغربي ثم دخلوا الصعيد وصولا إلي منطقة الدير المحرق، حيث أقامت العائلة المقدسة أطول فترة لها في مكان واحد بمصر، إذ أقاموا ستة أشهر و10 أيام، بعدها بدأت العائلة في العودة مجددا إلي فلسطين، لكنهم انحرفوا عن مسارهم عند رأس الدلتا وتوجهوا إلي وادي النطرون ومنه إلي الشرقية ثم سيناءففلسطين. وفي إطار استعدادات وزارة السياحة لاستقبال زوار المسار المقدس، قال يحيي راشد، وزير السياحة، في تصريحات إعلامية، إن اعتماد بابا الفاتيكان مسار العائلة المقدسة »فاتحة خير علي مصر كلها»، مؤكداً أن وزارة السياحة تعمل منذ عام ونصف العام علي تنمية هذا المسار، وتفقد راشد مطلع الأسبوع الجاري عدداً من المواقع الواقعة علي مسار رحلة العائلة المقدسة في وادي النطرون، وأكد خلال الزيارة ضرورة رفع كفاءة الأماكن الخاصة بمسار الرحلة، بينما صرح نادر جرجس، منسق لجنة إحياء رحلة العائلة المقدسة، بأنه تم الانتهاء من تجهيز 8 أماكن تتعلق بمسار الرحلة، أبرزها دير الأنبا بيشوي، ودير السريان ودير الباراموس بوادي النطرون، ومغارة أبي سرجة والكنيسة المعلقة بمصر القديمة، ودير العذراء بالمعادي، وأنه جارٍ استكمال تجهيز بقية المواقع. من جهته، رأي باسم حلقة، نقيب السياحيين، أن مباركة بابا الفاتيكان لمسار رحلة العائلة المقدسة، حدث تاريخي، ونقلة لقطاع السياحة، وأضاف ل»آخر ساعة»: »البابا قدم دعوة مجانية لنحو ملياري كاثوليكي لكي يزوروا مصر، وهو ما يجعلنا في قلب خريطة السياحة الدينية العالمية، لأن قرار البابا يعني أنه اعترف بمسار رحلة العائلة المقدسة كطقس حج، وبذلك رفع من قيمة هذه الرحلة، ومن الممكن أن نري البعض يفضل القيام بزيارة هذا المسار خصوصا أن هناك صعوبات أمنية في الحج إلي القدس، وهي فرصة علينا أن نستغلها من أجل اقتناص الجزء الأكبر من السياحة الدينية لدي المسيحيين الكاثوليك في العالم». وتابع حلقة: »السياحة الدينية مهمة جدا كأحد مصادر الدخل لقطاع السياحة في العديد من الدول، فمثلا الحج والعمرة إلي مكة والمدينة تعتبر من السياحة الدينية وهي الدخل الأساسي لقطاع السياحة في المملكة العربية السعودية، ويمكن لمصر أن تستغل مباركة بابا الفاتيكان لمسار العائلة المقدسة لبدء حملة دعائية ضخمة في البلدان الكاثوليكية وهي في معظمها دول أوروبية أو تنتمي إلي أمريكا اللاتينية، وندعوهم لزيارة مصر ونضمن في برنامج الزيارة مسار العائلة المقدسة». وشدد نقيب السياحيين علي ضرورة أن نستعد بشكل جيد جدا لكي نستفيد من هدية بابا الفاتيكان لقطاع السياحة في وقت تقترب الأخيرة من استعادة بعض زخمها، وتابع: »مصر تستطيع أن تتحول لمركز السياحة الدينية في المنطقة، لكن ذلك يحتاج إلي الإجابة علي أسئلة حيوية حول البنية التحتية ومدي جاهزية مواقع مسار العائلة المقدسة لاستقبال الأعداد الضخمة المفترض استقبالها سنويا، خصوصا في فترة الأعياد المسيحية مع قرب احتفالات ميلاد المسيح نهاية العام، أي بعد شهرين من الآن، أي أننا يجب أن نعلن الاستنفار من الآن لننتهي من تجهيز هذه الأماكن لاستقبال السياح». بدوره، ذهب معتز السيد، نقيب المرشدين السياحيين الأسبق، إلي أن ما حدث من بابا الفاتيكان خطوة مميزة وفريدة ومهمة جدا للسياحة المصرية، وأضاف ل»آخر ساعة»: »خطاب بابا الفاتيكان موجّه إلي نحو ملياري كاثوليكي في العالم، الكثير منهم يهتم بفكرة السياحة الدينية، وهو مكسب مضمون لمصر، لكن لكي نحقق الاستفادة المثلي من هذه الهبة البابوية يجب علينا أن نستعد جيدا من خلال تجهيز نقاط مسار الرحلة المقدسة لوجيستيا لتكون قادرة علي استيعاب الأعداد الضخمة التي يتوقع أن تزور مصر في وقت زمني قصير». وأضاف السيد: »هناك أكثر من 20 موقعا لمسار العائلة المقدسة المعد منها لاستقبال السياح بشكل لائق أربعة أو خمسة مواقع فقط، لذا علي وزارة السياحة أن تبدأ فورا في تجهيز هذه الأماكن ليس فقط تجهيزها سياحيا، بل يجب أن تساعدها مختلف الوزارات المعنية في توفير بنية فندقية وأماكن للإقامة والاستراحة والاستجمام، وبناء مطاعم علي أعلي مستوي، فضلا عن تأمين مسار العائلة المقدسة من قبل قوات الأمن، أي أننا في حاجة لمنظومة متكاملة ومفعلة علي الأرض لكي نستفيد بالشكل الأمثل من سياح المسار المقدس، ووضع الأخير علي خريطة السياحة الدينية العالمية بشكل يليق باسم مصر وسمعتها كواحد من أكبر البلدان السياحية في العالم».. من جانبه، طالب أحمد محروس، عضو نقابة المرشدين السياحيين، بضرورة تدريب المرشدين وتجهيزهم علي برنامج زيارة الأماكن الأثرية في مسار العائلة المقدسة، لكي يكونوا بقدر المسؤولية في استقبال السائحين من جميع بلدان العالم، لافتا إلي أن السائح الديني يختلف عن السائح القادم من أجل السياحة الترفيهية أو التثقيفية، لأنه يأتي إلي أماكن الزيارة كطقس تعبدي، لذا يحتاج إلي معاملة خاصة تناسب احتياجاته الدينية التي تهتم بمعرفة تاريخ وأهمية المكان الذي يزوره في حياة السيد المسيح، مع إعطاء لمحة عن طبيعة الحياة التي عاشها مع السيدة العذراء وهي أمور تحتاج إلي تدريب وإعداد للمرشدين.