ضربات متلاحقة »أصابتني في مقتل هذا الأسبوع وهي قرارات المجلس العسكري بتعليق قانون الغدر هكذا رأيته.. وبالتفكير في تعليق حالة الطوارئ المنتهية صلاحيتها بحكم الإعلان الدستوري وبإنذار الفضائيات بالالتزام بالمحتوي الفني... لم أفهم قصدهم.. وخروج الرقيب العسكري من السندرة لتأديب الصحفيين ثم دفع جموع الشعب المصري للإضراب والاعتصام بعدم الالتفات إلي تحسين أوضاعهم المالية التي وصلت إلي تحت خط الفقر بكثير في وقت نسمع عن مليارات مختفية من ميزانية الدولة.. وأرقام فلكية للقيادات لم تمس برغم حالة الاقتصاد المتردية ولا حديث طبعا عن الحد الأعلي للأجور.. ربما لأنه يمس مناصب سيادية و طبعا.. لا إجابة واضحة عن عدم تقديم المدنيين للمحاكمات العسكرية؟ إذن ماذا لو حدث عكس كل ماسبق..؟ هل كانت مصر تجني ثمار الثورة وتحتفل معها بنصر أكتوبر؟ قالت لي المرحومة والدتي في إحدي الليالي الدافئة وهي تحكي لي عن ذكريات والدها الذي مات دون الخامسة والأربعين من عمره وترك وراءه ثمانية أطفال وكانت هي البكرية. واستيقظت في الصباح متصورة أن يوم القيامة قد قام وصمتت الحياة.. فبعده.. لاحياة فقد كان حبي الأول الكبير.. فتحت النافذة وتعجبت.. الناس ذاهبة إلي عملها في موعدها تماما.. والبائعون يعلنون عن بضاعتهم بغنائهم الشعبي الجميل والبنات في كامل زينتهن يمشين متثاقلات ليحصدن نظرات الإعجاب وعلامات الغزل التي هي غذاء روحهن المتعطشة إلي رحيق الذكورة الممتع لينضجن قبل الميعاد. كل هذا حدث.. رغم أن أبي قد فارق الحياة وفارق حضني تعجبت أن لا شيء تغير.. كان الفقدان في داخلي فقط.. أما الحياة.. فكانت مستمرة بقوة دفع ناسها وبشرها.. وقصص الحب والكفاح.. والروتين اليومي.. يومها تعجبت من قولها.. ولكنني تفهمت حبها المجنون بأبيها مثلها الأعلي.. الإنسان المتحضر.. المثقف.. سابق عصره وما تصورت أن أقع في نفس الفخ.. قامت الثورة.. وتحقق المستحيل والأمل المخفي بين الضلوع ووجدت ناسي وأهلي.. شعب مصر الحمول الصابر. ينتفض ويثور ويصرخ ويحطم جدار الخوف الذي سُجن فيه طويلا.. تحت ضربات الأمن.. والذل والإهانة وصعوبة أكل العيش حتي أصبح مثالا لقدرة الإنسان علي تحمل مالا يحتمل ولا ترضاه أي نفس حرة شريفة أبية.. لها كبرياء وكرامة خلقت معه كتوأم سيامي.. إنسان يعني كرامة يعني روح حرة طاهرة.. أصبروا معي.. معذرة.. ففي معجزة الثورة.. أنها ثارت علي »المهانة« وولدت الثورة من رحم.. المهانة.. وقالت كلمتها.. وظللنا طوال الشهور الماضية في حالة ترقب لنحصد مازرعناه طوال (81 يوما) في الميدان.. و9 أشهر نحاول أن نحمي الثورة من أنفسنا ومن المتربصين بها.. كأن عقارب الساعة قد توقفت عند باب حياتي اليومية.. حياتي العادية.. الروتينية.. الاجتماعية.. هفواتي الأنثوية.. شراء فستان أو حتي قلم كحل أسود زاد المرأة المصرية في تحديد جمال عيون شرقية.. لايقدر علي الصمود أمامها.. أجدعها رجل.. وخروجة تنعش الروح سواء خروجة نسائية تقطع فيها فروة الأزواج ثم الرجال حتي تصل إلي الضني والعيال ففي تجمع النساء ينكسر جدار الأسرار.. فالبوح عند النساء فرض عين.. حياة.. بدونه يصيبني اليتم اللفظي ونسأم.. حتي نذوب.. ونتلاشي من الوجود النفسي والاجتماعي... توقف كل ذلك عند باب إحساس إن ثورتنا في مرحلة مخاض هكذا أفهمونا.. قمتم بعمل جريء.. براڤو شكرا.. اهدأوا واتركوا الكبار يعملون علي فكرة أنا من الكبار سنا ولكنني وجدتني أستعيد عمري الراحل في أرواح وحماس شباب ذكروني بنفسي منذ 03 عاما وأكثر حماس من يواجه الحياة لأول مرة.. ولم يعان قسوتها المبكرة.. الشباب الذين يؤمنون بجد وبواقعية.. أثبتت صحتها ثورة 52 يناير أنهم قادرون علي تحقيق المستحيل.. قادرون بالفعل الذي يأتي بعد الحلم وجدتني أتعجب كأمي عندما وجدت إحدي الصديقات تدعوني لفرح ابنتها ويانهار أبيض.. مازال الناس يحبون.. يتزوجون.. ويضحكون.. ويسافرون.. ويشترون جهازا ويحجزون فنادق.. أمازال الناس يعيشون حياتهم العادية.. والثورة في خطر والثورة يقفز عليها.. ومطالبها تلقي في مزبلة النكران والنسيان والتواطؤ والمؤامرات.. كيف بالله.. ياأمي تستقيم الحياة.. وتضحك الفتيات.. ويكتب الشباب أشعار الغزل ويتبادلون القبلات تحت أشجار الزيزفون.. أتتذكرين تلك الرواية ياأمي ؟ وكم أضحكتنا عنوانها تحت ظلال الزيزفون؟ نظرت إلي من تدعوني إلي الفرح وتعجبت من طلبها؟ أتتصور أنني قادرة علي لباس رداء الأفراح وأن أتزين زينة الأفراح وأن أذهب وأضحك وأزغرد وقد يغلبني الحماس فأجامل العروسة برقصة محتشمة وأصفق وأضحك وأتمني لها بالحياة السعيدة والبنين والبنات. والثورة في خطر؟ ❊ ❊ ❊ نظرت من النافذة مثل أمي منذ مئة عام مضت وتعجبت أن الحياة تسير حياة منفصلة تماما عن أصحاب الثورة الثكالي.. في ثورتهم التي غدر بها اليوم جهارا.. بيانا.. حتي حرمونا من فيلم »الشك ياحبيبي«.. وتساءلت للذين يصدعون رءوسنا أياما وليالي عن عجلة الإنتاج والتهديد بالإفلاس والسياحة التي دُمرت والبطالة التي انتشرت والإضرابات التي نشرت الفوضي والمطالب الفئوية الأنانية التي لم تستطع أن تصبر إلي مالانهاية وتعيش في ذل وفاقة وهي تري الكروش المليئة بالفلوس لا أحد يطالبها أن تتنازل قليلا عن رواتبها وأن ترد قليلا ما سرقته أو حتي تدفع ضرائبها بما يرضي الله.. بل يطعنون علي أحكام رد عقد مدينتي ويبكون علي قرار القاضي العادل برد شركات القطاع العام التي بيعت بالفساد والرشوة والمال الحرام ونسمع صرخات رجال الأعمال إياهم...... فسوف يطفش الاستثمار .. كأننا استفدنا كشعب من نتاج هذا الاستثمار.. مثله مثل المعونة الأمريكية.. كله علي الورق وينتهي كله أيضا إلي الكروش إياها. فلتهدأوا قليلا وتعيدوا هيكلة الاستثمار حيث نحصل علي أفضل نتائج منه. عقود عمل سليمة مرتبات محترمة.. وتأمين صحي ومكافأة نهاية الخدمة.. ومعاش يكفي الضرورات. و.. مازالت الحياة مستمرة.. كأن شيئا لم يكن رغم أن الثورة تسرق أو يحاول اغتصابها وتساءلت رغما عني.. ماذا.. لو؟. ❊ ❊ ❊ نعم.. ماذا لو فعلت مطالب الثورة من أول يوم.. كما ينبغي للثورات عندما يحكم من قاموا بها ويحصد الشعب نتاج ثورته وتضحية شهدائه ومصابيه. أول شيء عزل كل قيادات النظام السابق بالكامل .. محاكمات ثورية عاجلة.. عادلة.. ناجزة.. يحكم عليهم بما اقترفت أيديهم نحو شعب بأكمله.. وشهداء الإثبات الذين لا تروعهم.. أيادي المتهمين وقتلة الثوار لأنهم سيكونون كلهم في السجون أو منزوعي الأظافر مختبئين في الجحور.. مرتعشين منتظرين يوم الحساب. طبعا لن نجد من يتجرأ ويقف في أي حارة وضيعة وينطق اسم حسني أو مبارك أو أي كلمة فيها تلك الحروف المشينة. طبعا لن نجد أحدا يضرب سلام مربع للمتهمين الرئاسيين وأنجالهم ووزرائهم. لانهم كانوا سيخشون العقاب.. لا.. لن يكونوا موجودين أساسا في الخدمة. سيكونون هم أيضا في المحاكمات بجانبهم بتهمة إهانة الشعب المصري وتحقيره وتعذيبه وتلفيق التهم والقتل والسحل.. لن نجد واحدا منهم يجرؤ أن يطل بوجهه في أي مكان عام وقطعا لن يحضر أي أفراح تخص العائلة فهو مدان.. و(ومتجرس).. ماذا لو .. تم تقديم كل الرجال المتورطين في جرائم أمن الدولة إلي المحاكمة الثورية العاجلة. طبعا لن نضطر وقتها إلي تغيير اسمه إلي الأمن الوطني لأن الباقين فيه سيعرفون بأنهم الشرفاء الذين لم يشتركوا في جرائم ضد الإنسانية. وينسحب الأمر علي رجال الداخلية وقتها سيطمئن الشعب ويثق في بقية ضباطه ويدافع عنهم ضد أي إساءة أو تجرؤ ولم لا؟ أليس هؤلاء هم الشرفاء الذين شهدوا ضد المجرمين ومتلذذي هتك الأعراض؟ هل كنا سنري أحدا يتهجم علي الأقسام ويتركه المارة؟ ماذا.. لو.. لم يقدم من أساسه أحد إلي المحاكم العسكرية؟ هل كان سيتحول الغضب الشعبي من رجال الداخلية إلي رجال الشرطة العسكرية كما نري اليوم؟ لم أفهم أبدا النظرة التي رأيتها عند قيادة عسكرية كانت واقفة في ميدان العباسية في ليلة فخ السلطة للثوار الذين لم يحسبوها صح يومها. وقلت يومها لزميلتي (خفت قوي من تلك النظرة إنها نظرة ضابط شرطة وليس جيشا تجاه من تمردوا علي حقوقه المطلقة المستمدة من قانون الطوارئ التي صورت له أنه فوق المحاسبة وأنه إله .. ونحن الشعب ملك يمينه يفعل به ما شاء!! مازلت أقول جرحنا وثأرنا من رجال الشرطة الفاسدين الذين ضربوا الشعب علي قفاه لثلاثين عاما. ولكن الشرطة العسكرية؟ ليه؟ ماذا قيل لهم لتظل تلك النظرة وهذه القسوة المفرطة في فض مظاهرات التحرير من ثاني يوم تنحي الرئيس المخلوع. هل أذكركم بفيلم البريء للرائع أحمد زكي عندما قالوا له وهو البريء إن المعتقلين هم الكفار أعداء الوطن فيكيلون لهم العذاب عن اقتناع حتي قابل صديق عمره صدفة تحت سياط العذاب فصرخ قائلا: ده مش عدو .. ده صاحبي وبيدافع عن الوطن متي تؤمنون أن الثوار هم عشاق الوطن الذين حموا الجيش نفسه ألا يكون في خدمة المحروس جمال ابن حسني مبارك وأعوانه بياعي الوطن والكارهين المحترفين لأهله؟ ألا يشفع هذا فقط لنا عندكم. ❊❊❊ صرخ أحد أغوات مبارك بعد شهادة المشير لصالح مبارك (ارفع رأسك فوق .. أنت حسني). يالهوي .. يا مصيبتي .. ده يوم القيامة قام فعلا يا أمي؟ كيف تجرأوا تلك الديدان أن يصرخوا بها علي الملأ..؟ من أين جاءت لهم الجرأة.. وهناك ثورة وثوار وأسيادهم الخونة في الزنازين؟ الإجابة تكمن في ماذا لو ؟ والحكومة والمسئولون لم يتصرفوا تصرف (ثورة) إنما ردود فعل وهوجة ويومين ويهدأوا. ولا واحد من أصحاب المخلوع يقبض عليه رغم اعتدائهم علي أهالي الشهداء؟ الفلول يختارون للمناصب الوزارية وخلافه؟ ثورة إيه بقي عناد.. عناد.. عناد.. والله فكرتني بالذي مضي؟ تفعيل قانون الغدر ؟ طيب اعزلوا القيادات. طيب بلاش يدخلوا الانتخابات. طيب أي إجراء كده يخزي عين المتشكك؟ طيب عدوا قانون استقلال القضاء؟ عندي فكرة اعزلوا قيادات الجماعات حتي تهدأ؟ يمكن ساعتها أستريح ولو ليوم واحضر فرح بنت صديقة العمر وأقدر أفقع زغرودتين متينتين واحدة للعروسة والثانية للثورة؟ ووجدتني أدندن بصوت حياني أغنية الصيف الشبابية المشهورة أشوف فيك يوم علي اللي عملته فيا. ❊❊❊ حبيبتي أمي.. هناك محاولة جادة لاغتيال الثورة.. ومع ذلك فتحت النافذة في صباح يوم جمعة وهو ميعادي مع المليونيات ومع ذلك.. وجدت جارتي علي سنجة عشرة مصطحبة الولاد والأحفاد وكلهم في فرح وحبور متجهين إلي النادي وعندما سألتني بعفوية جاية النادي نلعب كروكيه؟ كتمت مليون صرخة حياني بتغلي في صدري وقلت في نفسي هي ماسمعتش عن محاولة إجهاض الثورة؟