باستثناء القرارات الأخيرة التي يمكن اعتبارها خطوة غير مكتملة في الاتجاه الصحيح إلا أنه من الملاحظ أن قوانين المجلس العسكري تسير من سيئ لآخر أسوأ منه.. ومن قرار غير موفق لأخر أكثر إخفاقا يخسر المجلس العسكري فرصة تلو الأخري للاحتفاظ بثقة منحها الشعب إياها وأمل علقه عليه. منذ الإعلان الدستوري الذي أدخل القوي السياسية في جدل لم تفق منه حتي الآن.. ومن دوامة الخلاف حول الانتخابات أم الدستور أولا وحتي قانون الانتخابات مرورا بقانون تجريم الاعتصام وانتهاء بقانون الطوارئ سييء السمعة. أمام كل هذا يتناقص رصيد المجلس العسكري شعبيا خاصة أمام الصمت علي الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل بانتهاكها الحدود المصرية واغتيالها لستة من خيرة شباب مصر. شعبية المجلس التي أصبحت علي المحك الآن والتي أصابتنا بالحيرة إزاء قراراته التي اتسمت دوما بالغموض.. والتي تصب كثيرا في عكس مايراه الثوار وضد مصلحة الثورة.. برر البعض ذلك بقلة خبرة المجلس ودرايته بالأمور السياسية التي وجد نفسه مسئولا عنها وإن حاول الاجتهاد قدر ما استطاع أصاب وأخطأ وإن تم كل ذلك بحُسن نية.. إلا أن حُسن النية في نظري لايبرر تلك القرارات الصادمة دوما والتي تأتي دائما بشكل فوقي يعكس عقلية عسكرية صارمة لا تشكل الديمقراطية جزءا كبيرا من عقيدتها. نقدر أن المجلس يتحمل فوق قدراته وطاقته أو حتي طبيعته وطبيعة مهامه واختصاصاته ووظيفته.. لكنه قدر المجلس مثلما هو قدرنا أن نجتاز معا تلك المرحلة الانتقالية الصعبة بآلامها وصعابها. ومادام الأمر كذلك ومادامت الثقة لم تفقد بعد في قدرة المجلس علي القيام بتلك المهام الصعبة ومادام الأمل مازال معلقا عليه للاستجابة لمطالب القوي الثورية وهو أمر ليس بالصعب لو خلصت النوايا وغلبت مصالح الشعب والبلاد دون سواهما وانتحت جانبا مشاعر الولاء أو ربما التعاطف أو حتي الشفقة لواحد من رجال العسكرية حكم البلاد ثلاثين عاما حكما ظالما فاسدا فاستحق الخلع ورحل غير مأسوف عليه مصحوبا بلعنة شعبه ولعنة التاريخ ولأن المجلس حسم أمره في البداية كما أعلن بانحيازه للشعب فمن غير المقبول ولا المنطق أن تأتي قراراته وقوانينه مخالفة لما يريده الشعب ومعاكسا لمصالحه. ورغم أن المجلس خسر كثيرا من رصيده الثوري حتي كاد ينفد هذا الرصيد إلا أن الفرصة مازالت أمامه لإعادة الشحن.. الشعب في انتظار قراره وحسمه لواحدة من أخطر القضايا المصيرية وأعني بها قضية المعونة الأمريكية، من غير المعقول أن نقف مكتوفي الأيدي بينما عقول مجلس الشيوخ الأمريكي تدبر مشروعا لقرار يفرض مجموعة من الشروط علي مصر مقابل تقديم المساعدات العسكرية بشروط كما نشرتها جريدة الشروق تتضمن موافقة مصر علي استخدام المساعدات لدعم المصالح الأمريكية داخل مصر والمنطقة، وإلزام مصر باحترام تعهداتها المتعلقة بمعاهدة السلام مع إسرائيل التي أبرمت عام 97 والتزام مصر بإجراء انتخابات حرة نزيهة واحترامها لسيادة القانون. هذه الشروط تمس سيادة و كرامة مصر من الصعب علينا قبولها بل والمستحيل التسليم بها بعد ثورة 52 يناير .. لم يعد مقبولا الصمت علي الاستعلاء الأمريكي وقبول إملاءاته وتسلطه. من غير المنطقي المساومة علي سيادتنا مهما كان المقابل، لن تخسر مصر مطلقا لو أعادت النظر في ملف المعونة الأمريكية لن تخسر لو استجابت لأصوات الخبراء والمتخصصين الاقتصاديين الوطنيين الشرفاء الذين بحت أصواتهم للمطالبة برفض هذه المعونة التي لا تصب إلا في صالح الولاياتالمتحدةالأمريكية. دراسات كثيرة تناولت هذه القضية باستفاضة ودراية وإمعان من أبرزها دراسات للدكتور أحمد السيد النجار الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية والدكتور إلهامي الميرغني الخبير والباحث الاقتصادي بالجمعية المصرية للإحصاء وغيرهما وكلها أكدت أن 07٪ من المعونات الأمريكية يعود بالنفع علي الولاياتالمتحدة . والأخطر من كل هذا أن هذه المعونة تفرض علي مصر تحقيق أهداف استراتيجية أمريكية وهو ما اعترفت به صراحة إحدي الدراسات الأمريكية التي نشرت في »واشنطن ربيورتر« في مايو 6002 وأكدت أن المعونة الأمريكية لمصر تساعد في تعزيز الأهداف الأمريكية الاستراتيجية في المنطقة وساقت الدراسة أكثر من دليل علي ذلك أهمها سماح مصر للطائرات العسكرية الأمريكية باستخدام الأجواء العسكرية المصرية ومنها تصريحات علي وجه السرعة لعبور 168 بارجة حربية لقناة السويس خلال الفترة من 1002 حتي 5002 . ليس هذا فقط فليس خافيا علي أحد أن ماتمنحه أمريكا باليمين من معونة تعود وتأخذه باليسار وأبسط دليل علي ذلك هو إلزام مصر بشراء المعدات العسكرية من الولاياتالمتحدة وهو ماحدث خلال الفترة من 9991 حتي 5002 عندما قدمت أمريكا لمصر 3.7 مليار دولار في إطار برنامج المساعدات العسكرية أنفقت مصر منها أكثر من 8.3 مليار دولار لشراء معدات عسكرية من الولاياتالمتحدة. هذا عن المعونة العسكرية.. أما للمعونة الاقتصادية والتي شهدت تحولا في مسارها واتجهت من دعم المشاريع الاقتصادية والخطط التنموية إلي دعم مشاريع القروض وبرامج التعليم وتدريب القادة وهو ما يؤكده الخبراء الاقتصاديون الذين حذروا من أن هذا الاتجاه أيضا لا يصب في الغالب إلا في الصالح الأمريكي وشككوا في نوايا المشاريع الخاصة بتدريب القادة وحذر وا من أن الغرض من ورائها هو ربط هؤلاء القادة بالولاياتالمتحدة ليتحولوا بعد ذلك لأبواق للدعاية للنموذج الأمريكي فضلا عن ربط العديد من المسئولين وصناع القرار بالسياسة الأمريكية باعتبارها الممول الأكبر والداعم لفساد هؤلاء. علي جانب آخر أكدت الدراسات أيضا أن المعونة تشهد تناقصا مستمرا ولا تشكل المعونة سوي 2٪ من الدخل القومي. أمام كل هذه الحقائق لا أظن أن إعادة النظر في المعونة الأمريكية أمر صعب وأن محاولة الاستغناء عنها أمر مستحيل خاصة إذا ماتعلق الأمر بالسيادة والكرامة. من غير المقبول أن نظل تحت رحمة أعضاء الكونجرس ننتظر تكرمهم بالموافقة علي المعونة المصرية ونصمت في خنوع أمام شروطهم وإملاءاتهم المذلة. هذا هو الاختبار الأهم للمجلس العسكري .. ليس من الصعب اجتيازه.. ويكفي أن النجاح فيه سيمكنه من إعادة شحنه لرصيده الشعبي الذي أعتقد أن الوطن قبل المجلس في أمس الحاجة إليه.