كانت الجزائر وستظل دائما داعمة للإنتاج المشترك في العالم العربي، فحفظت لكثير من المخرجين العرب حقهم في استمرارية العطاء.. حدث ذلك مع »شاهين» مصر.. والعديد من فناني العالم العربي.. وفي مهرجان »وهران» الأخير الذي أسسه رجل الثقافة والفكر »حبيب شوقي حمراوي» الذي يحتفل هذا العام بدورته العاشرة برئاسة الكاتب والشاعر رجل الثقافة »إبراهيم صديقي» وتحت رعاية وزير الثقافة الذي يعد واحدا من أهم الأدباء والكتاب، وهو معني بحق وشدة بهموم السينما »عز الدين ميهوبي». كان لابد أن يثمر هذا المهرجان الذي يوليه عناية شخصية »الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة».. الذي أعطي اهتماما كبيرا بالثقافة والفنون خاصة السينما.. أن يتخطي الفن حدود الجغرافية، والسياسة ليوِّحد ثلاثة أقطار عربية مصر.. والجزائر.. وتونس، وذلك من خلال الإنتاج المشترك لفيلم »أوغسطينوس.. ابن دموعها» للمخرج المصري سمير سيف وتأليف عماد دبور وإنتاج عبدالعزيز بن ملوكة.. وعماد دبور.. وبطولة »عماد بن شتي» و»أحمد أمين» و»خالد هوسة» و»بهية راشدي». »والقديس أوغسطينوس» أو »سان أوجستين» الذي ولد في نوفمبر سنة 354 ميلادية وتوفي في أغسطس سنة 430 هو واحد من أهم الشخصيات المؤثرة في المسيحية الغربية، وتعتبره الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الإنجيليكانية أحد آباء الكنيسة البارزين وأحد المنابع اللاهوتية للإصلاح البروتستانتي.. والقديس »سان أوجستين» له بركات كثيرة وكنيسته التي وقف بها في مدينة »عنابة»بالجزائر هي ملجأ وفرار كبير للمسلمين والمسيحيين في أنحاء العالم .. ولقد كان لي شرف زيارتها منذ عامين أثناء حضوري مهرجان عنابة مع الزميل والصديق »هيثم الهواري». الفيلم كان معروضا في المسابقة الرسمية لمهرجان وهران.. والحقيقة ترددت كثيرا قبل مشاهدته خوفا من أن يكون كالأفلام الدعائية الكنسية وما أكثرها.. لكني وجدت نفسي أمام فيلم يتحدث عن شخصية إنسانية عظيمة (بكل ماتحمله من تناقضات البشر) تخطت حدود الزمان والمكان وخرجت للبحث عن العلم والحقيقة أيًا كان ثمنها.. ومكانها.. إن هذا القديس الذي ولد من أم ذات جذور أمازيغية في مدينة »طاغاست» حاليا سوق أحراس.. وأب وثني لم يتم تعميده سوي قبل وفاته بقليل.. الأب كان حريصا علي أن يتلقي ابنه تعليما راقيا فأرسله إلي »قرطاج» وسط دموع أمه التي لم تجف طيلة عشرين عاما لكي يدخل الإيمان قلب ابنها. إن رحلة »القديس أوجستين» ما بين دراسة الفلسفة والوصول إلي اليقين بالعقل احتاجت منه سنوات طوالا قبل أن يقتنع بشخصية »أسقف ميلانو »أميروسيوس» ويعتنق المسيحية بعد عدة مذاهب. وقد شيّد سنة 391م ديرا كبيرا وبه مكتبة ضخمة التي تعد اليوم أحد العلامات البارزة في مدينة عنابة. وإذا كانت دول شمال أفريقيا تتنافس إلي أيٍ منها ينتمي القديس أوجستين.. حيث نجد العديد من الكنائس تحمل اسمه .. إلا أن السينما أزالت هذه الخلافات بعد أن قدمت هذا الفيلم الروائي.. الوثائقي حول هذه الشخصية الثرية العظيمة. ورغم أن هناك العديد من الأفلام الوثائقية القصيرة حول القديس »أوجستين» إلا أن هذا الفيلم شديد الثراء لشخصيته وهو عن قصة مخرج جزائري يعمل في التليفزيون الفرنسي يصدر إليه تكليف بتصوير فيلم عن حياة الفيلسوف أوجستين منذ ولادته في الجزائر متتبعا حياته في قرطاج.. وروما.. وميلانو.. ولقد نجح سمير سيف في جدل ضفيرة ما بين حياة مخرج التليفزيون وحياة القديس أوجستين. إن الانتاج المشترك هو السبيل الوحيد ليكسر الفيلم العربي حاجز الصعوبات في العروض بين الدول العربية وكذلك الأجنبية.. فتحية لمن وضعوا ويزرعون هذه اللبنة الآن حتي لو كان من خلال فيلم ديني، وهو الحقيقة غير ذلك فهو جولة ممتعة في التاريخ والعلوم والآثار والفلسفة والمشاعر الإنسانية التي لن تتغير أبدا بتغير التاريخ واختلاف الجغرافيا. إن مثل هذه النوعية من الأفلام تعتبر حلقة وصل بين الماضي القديم والعصر الحديث وشاهدا علي مدي تأثير الحضارات.