بعد أحداث السفارة الإسرائيلية أصدر المجلس العسكري قرارا يقضي بتفعيل قانون الطوارئ نظرا لتلك الأوضاع الطارئة التي مرت بها البلاد إلا أن هذا القرار قوبل بعاصفة من الرفض الشعبي والنخبوي حتي أن مجلس شباب الثورة دعا كافة طوائف الشعب للمشاركة في جمعة »لا للطوارئ« للمطالبة بإلغاء القانون. والقانون كما يسميه الكثير من السياسيين القانون سيئ السمعة الذي ظل طيلة العهد البائد ذريعة يتحجج بها لتكميم الأفواه واغتصاب الحريات تحت مسمي حماية الأمن العام، فهل يستجيب رئيس مصر المنتظر لهذا المطلب خاصة بعد أن حجزت مصر مكانا لها بين الدول المقبلة علي عهد جديد؟هذا ما ستسفر عنه الأيام القادمة. من المعروف أن قانون الطوارئ ليس وليد تلك الأحداث التي مرت بها مصر بعد ثورة يناير بل إن هذا القانون هو بدعة ابتدعها الاحتلال الانجليزي تحت مسمي الأحكام العرفية حتي لا تخرج مصر من سيطرتها خاصة في أوقات الحروب وبعد ثورة يوليو قام الرئيس عبدالناصر بتغيير مسماه إلي إعلان حالة الطوارئ والمعروف بالقانون رقم 261 لعام 85 الذي تطالب جميع قوي المعارضة بإلغائه وقد تم العمل به عقب نكسة يونيو ثم ألغاه السادات فور توليه زمام الحكم ولكن النظام البائد قرر العمل به منذ اغتيال السادات حتي يوم تنحيه. وينص قانون الطوارئ علي الرقابة علي المطبوعات والصحف واعتقال الأفراد دون إبداء الأسباب ومن أشهر من اعتقلوا بموجب هذا القانون هو السياسي المخضرم مكرم باشا عبيد فقد بدأ مكرم يجمع وقائع ما سمي فيما بعد بالكتاب الأسود وذلك بمقتضي كونه وزيرا لمالية تلك الحكومة وعليه طبع مكرم عبيد الكتاب الأسود، بمعاونة من القصر ورفع عريضة بأحوال البلد إلي الملك فؤاد وروي فيه فضائح وكوارث حزب الوفد ثم تقدم بالكتاب علي شكل استجواب أمام مجلس النواب، ووقف يعرض وقائع استجوابه، ولكن جاء الكتاب الأسود، وجاءت الردود عليه، أمراً فادحا. وانتهي الاستجواب بعد ثلاثة أيام، وتقدم حسن ياسين باقتراح لإسقاط عضوية مكرم باشا من مجلس النواب لأن هذا الرجل الذي كان سكرتيراً للوفد وصديقاً لمصطفي النحاس وابنا لسعد زغلول لم يعد جديراً بشرف النيابة، فجري التصويت علي الفور وفي نفس الجلسة رغم أن فكري أباظة كان قد طلب إحالة الموضوع للجنة الشئون الداخلية في المجلس، ورفض طلبه، وفصل مكرم عبيد من عضوية مجلس النواب . أغلق باب المناقشة في الاستجواب وطرد مكرم و فقد عضوية المجلس و بعد عدة أسابيع يأمرالحاكم العسكري العام وهو رئيس الوزراء مصطفي النحاس باشا باعتقال مكرم عبيد باشا، و بالفعل تم اعتقاله بمقتضي قانون الطوارئ ووضع في السجن . ومما لاشك فيه أن أكثر من اكتووا بهذه النار جماعة الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية وقد قدرت المنظمة المصرية لحقوق الانسان في تقريرها الصادر في 8002 أن أعداد المعتقلين السياسيين في السجون تجاوز 0052 فرد إضافة للنخبة السياسية والصحفية ومنهم الكاتب الصحفي صلاح عيسي ونجيب محفوظ وغيرهما من المبدعين. "أخر ساعة"رصدت النشأة التاريخية لهذا القانون وكيف ظهر؟ في البداية أعلن الدكتور ابراهيم درويش الفقيه القانوني عن رفضه التام للعودة بالعمل بقانون الطوارئ الذي فرضه المجلس العسكري بعد أحداث السفارة الإسرائيلية فقال: يعد قانون الطوارئ من أخطر القوانين التي أثرت بالسلب في تاريخ مصر وشوهته، فالقانون كما أشاع النظام البائد هدفه الأساسي القضاء علي البلطجة ودحر أوكار المخدرات والإرهاب إلا أنه استخدم في تكميم الأفواه ودحض كل الآراء المعارضة وشهر في وجه جماعة الإخوان المسلمين"المحظورة سابقا"مما قلب من هدفه وهويته وشبهه بالأحكام العرفية التي فرضها الاحتلال الإنجليزي علي مصر. وعن بداية ظهور قانون الطوارئ في مصر قال: يمكننا القول إن نظام الطوارئ قد ساد أغلب فترات تاريخ مصر الحديث وذلك منذ أن أدخله الإنجليز إلي مصر تحت مسمي الأحكام العرفية وقد أعلنتها بريطانيا في 2 نوفمبر عام 4191 خلال الحرب العالمية الأولي بعدما انضمت تركيا في الحرب العالمية الأولي إلي ألمانيا ومن ثم عينت حاكما عسكريا بسلطة الطوارئ. وفي ظل تطبيق هذه الأحكام أعلنت الحماية البريطانية لمصر في 81 ديسمبر سنة 4191 ونصت المادة 54 من دستور سنة 3291 علي أن " الملك يعلن الأحكام العرفية ويجب أن يعرض إعلان الأحكام العرفية فورا علي البرلمان ليقرر استمرارها أو إلغاءها، فإذا وقع هذا الإعلان في غير دور الانعقاد وجب دعوة البرلمان للاجتماع علي وجه السرعة " ويستكمل درويش قائلا: اندلعت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 9391 وطبقا لمعاهدة الصداقة والتحالف المبرمة بين مصر وبريطانيا عام 6391 أعلنت مصر الأحكام العرفية للمرة الثانية عام 9391 وقد ظلت تلك الأحكام سارية في مصر حتي بعد انتهاء الحرب منتصف عام 4591. ويكمل المستشار عادل قورة عضو المجلس القومي لحقوق الانسان والرئيس الأسبق للمجلس الأعلي للقضاء مسيرة قانون الطوارئ قائلا:وفي مايو 8491 وبمناسبة دخول الجيش المصري إلي فلسطين أعلنت الأحكام العرفية للمرة الثالثة علي التوالي، وظلت سارية حتي أبريل ثم في 0591 بادرت آخر وزارة وفدية برئاسة مصطفي النحاس إلي إعلان إنهاء الأحكام العرفية مع الإبقاء عليها جزئيّا ولمدة سنة قابلة للتجديد في المناطق الحدودية مع فلسطين وفي محافظتي سيناء والبحر الأحمر علي أن الوزارة نفسها عادت بعد أقل من عامين في 62 من يناير 2591م، إلي إعلان الأحكام العرفية للمرة الرابعة في جميع أنحاء البلاد، وعين رئيس مجلس الوزراء مصطفي النحاس حاكما عسكريّا عاما لممارسة السلطات الاستثنائية المنصوص عليها في القانون، ولم يلبث أن حل محله في ذلك رئيس الوزراء التالي نجيب الهلالي بعد إقالة الوزارة الوفديةولكن نفس الحكومة عادت بعد أقل من عامين في 62 يناير 2591 عقب حريق القاهرة الشهير، وأعلنت الأحكام العرفية للمرة الرابعة. وقد اندلعت ثورة يوليو إذن ومصر تحت الأحكام العرفية، ولكن الثورة لم تحتج الي تلك الأحكام لحكم البلاد، حيث حلت محلها قرارت وإعلانات مجلس قيادة الثورة. ويشير قورة إلي أنه في عام 4591 أصدرت الثورة قانونا يلغي قانون الأحكام العرفية، واستبدلته بقانون للطوارئ، ثم ألغي الرئيس جمال عبدالناصر هذا القانون، ثم أصدر قرارا بقانون هو قانون الطوارئ رقم 261 لسنة 8591 الذي أعطي لرئيس الجمهورية جميع الصلاحيات التي كانت مخولة للحاكم العسكري في القانون القديم والذي طبق لأول مرة عقب نكسة يونيو 76 واستمرت حالة الطوارئ قائمة في البلاد حتي قرر الرئيس السادات تحت ضغط عارم من كافة القوي الوطنية المعارضة إنهاءه في أبريل 0891 بعد ثلاثة عشر عاما. إلا أنه في 6 أكتوبر 1891 عقب اغتيال الرئيس أنور السادات أعلن الرئيس المؤقت لمصر الدكتور صوفي أبو طالب فرض حالة الطوارئ، والتي ظلت سارية حتي اليوم، وتم إعطاء محاكم الجنايات سلطات محاكم أمن الدولة العليا طوارئ وظل العمل به يتجدد سنويا حتي أبريل 88 ثم بدأ يتجدد كل ثلاث سنوات لتتحول حالة الطواريء من استثنائية ومؤقتة الي دائمة. وفي فترة حكم النظام البائد كانت حجته الوحيدة للاستمرار في العمل بهذا القانون سييء السمعة هو مكافحة الإرهاب الذي زاد في فترة التسعينات إلا أن هناك العديد من السياسيين أثبتوا فشله بالدليل القاطع خاصة مع زيادة الجرائم الإرهابية في وجوده. أما الدكتور عبدالرحيم علي المتخصص في شئون الحركات الإسلامية فأشار الي أن الهدف من قانون الطوارئ كان دحض الجرائم الإرهابية وتجارة المخدرات كما أشاع النظام البائد إلا أنه طيلة الثلاثين عاما فشل في قهرها بل إن أبشع الجرائم الدموية حدثت في ظله من مذبحة الأقصر إلي تفجيرات طابا 4002 وأحداث شرم الشيخ في يوليو 5002 وغيرها من الجرائم بتأسيس تنظيم جديد في مصر يعتنق أفكار شبكة القاعدة، ويدين بالولاء لقائديها أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وأشارت نتائج التحقيقات إلي أن التنظيم أطلق علي نفسه اسم "التوحيد والجهاد"، وهو بالمناسبة نفس الاسم الذي كان يطلقه أبومصعب الزرقاوي أمير تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين علي تنظيمه في العراق، قبل أن يعلن مبايعته لأسامة بن لادن في أكتوبر4002 كما كشفت التحقيقات أيضا، أن أعضاء التنظيم استندوا في عملياتهم الانتحارية لفتوي أسامة بن لادن التي أجاز فيها تفجير النفس من أجل إحداث نكاية في الأعداء. وأوضحت أقوال المتهمين وشهود الإثبات أن التنظيم يصل عدد أعضائه إلي ما يقارب المائة شخص، تم تقسيمهم إلي خلايا عنقودية لا تعرف بعضها البعض، وجميعها تحت قيادة الطبيب السيناوي خالد مساعد الذي لقي مصرعه علي يد قوات الشرطة أما المخدرات فقد شهدت تجارتها وتعاطيها رواجا غير مسبوق.