لم يكن الطريق إلي 30 يونيو 2013، مفروشًا فقط بالنوايا الطيبة الرامية لإزاحة الإخوان والحفاظ علي هوية الدولة، بل كان ملغمًا كذلك بخطايا لا حصر لها من قبل رجال المرشد عجّلت بنهايتهم المأساوية، وبإنهاء احتلالهم لمصر.. ورغم مرور 4 سنوات بالتمام والكمال علي إزاحة دولة "الجماعة"، إلا أنه وحتي اليوم ماتزال كوارثهم تتكشف علي نحو فادح. جملة من الأخطاء المريعة ارتكبها الإخوان في عام حكمهم الكبيس بين 2012 و2013 كلفتهم خسائر رهيبة وغير مسبوقة "أهدرت أكثر من ثمانية عقود من التخطيط والعمل لأجل اقتناص السلطة، فحين نالوها انكشف زيفهم وضعفهم وانتهازيتهم الفجة"، حسب الكادر السابق بالجماعة، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أحمد بان.. الإخوان أضاعوا السلطة التي منحتها لهم الصدفة، وحزمة من الظروف الدولية، وتربيطات غير شريفة مع واشنطن وعدد من اللاعبين في الساحة الإقليمية، فضلاً عن أخطاء من تولوا الدفة في مرحلة ما بعد 25 يناير 2011، لينتهي الحال بتلاميذ حسن البنا وسيد قطب من احتلال قصر الاتحادية، إلي سجون طرة وأبو زعبل وبرج العرب، بينما يبدو حبل المشنقة قريباً بشدة من رؤوسهم الكبيرة بمكتب الإرشاد، ومن ممثلهم "المؤقت" (الدكتور محمد مرسي) في سدة الحكم، وذلك علي خلفية التورط في قضايا تخابر وتهديد للأمن القومي واقتحام سجون وقتل المصريين. في حين أن الحظر القضائي البات للجماعة، استند كذلك علي كره شعبي لها غير مسبوق. هدر دولة القانون يقول بان، إن "سنة حكم محمد مرسي وأهله وعشيرته، كانت مفعمة بمحاولة العبث بهوية الدولة الاجتماعية والدينية، والأهم بثوابتها التشريعية والدستورية والقانونية".. وللأسف فذلك الوضع، لا يمكن تصنيفه إلا من باب الجرائم السياسية، التي للأسف لا تجد نصوصًا قانونية راسخة تتيح محاسبة المتورطين في اللعب بالقانون والدستور.. فتجاهل مرسي الأحكام القضائية وإهدارها وتحرشه بأصحاب الأوشحة الخضراء بدا في عهده فعلا اعتياديا من جانب السلطة. هنا تكفي الإشارة فقط إلي رفضه تنفيذ حكم عزل طلعت عبد الله، النائب العام الملاكي للإخوان، الذي وصل إلي منصبه بطعن ظهر القانون بخنجر مسموم بالإطاحة بالنائب العام الأسبق، المستشار عبد المجيد محمود لصالح تعيينه (أي عبد الله).. تعدي مرسي وجماعته علي القضاء تجاوز مجرد تجاهل أحكامه، عبر محاولتهما الفاشلة لإعادة مجلس الشعب المنحل، ناهيك عن محاولة ابتزاز أصحاب الأوشحة الخضراء بالتلويح بخفض سن المعاش من سبعين إلي ستين، ما يعني خروج عدة آلاف مرة واحدة من الخدمة، وإتاحة الفرصة أمام تسكين قضاة جدد محسوبين علي التنظيم، ليصل الأمر إلي حصار المحكمة الدستورية العليا، ومنع قضاتها الأجلاء من دخول المحكمة، لمنع البت في حلٍ كان حتميا في العام 2013 للجمعية التأسيسية التي وضعت دستور الإخوان الفاشي، وكذا حل مجلس الشوري، صاحب التشريعات الملتوية. فضلاً عن استقطاب عدد من القضاة للعمل السياسي بما يخدم التنظيم، وذلك تحت اسم "قضاة من أجل مصر". بينما اشتملت مكافآتهم علي مرتبات بالآلاف نظير تعيينهم كمستشارين في عدد من الجهات الحكومية دون وجه حق. كذلك لم يتردد مرسي في اتهام القضاة علناً في خطبته الشهيرة قبل 5 أيام من فيضان 30 يونيو، بالفساد وتزوير الانتخابات. بل إنه اتهم المستشار علي محمد النمر صراحة بتغيير نتيجة الانتخابات في العام 2005 و2010. وهو ما ثبت عدم صحته بحكم قضائي فيما بعد. أخونة الجهاز الإداري للدولة بعد أن استقر النظام الدستوري الإخواني بتمرير دستور 2012 الظلامي، فتح محمد مرسي الباب علي مصراعيه لقيادات الإخوان للاستحواذ علي المواقع والمناصب المهمة في الحكومة وحركة المحافظين وأخونتها، مرورا بالمجالس القومية، والمصالح الحكومية، ومؤسسات الخدمات العامة، وصولا إلي مديريات الصحة والتعليم ومراكز الأبحاث الرسمية، بل ومديريات التموين والأوقاف وغيرها. حسب قيادي التنظيم السابق، ثروت الخرباوي، "حدث ذلك دون أي وجل من تسكين كوادر فشلة أو غير ذات كفاءة بالمواقع والمناصب المهمة بالدولة، فالأهم بالنسبة للإخوان كان نشر رجال التنظيم في عصب الجهاز الإداري والتنفيذي للبلاد".. مرسي لم يتردد لحظة في غض الطرف عن فساد خطط جماعته وسياساتها في الوزارات، خصوصا الخدمية، وتكفي هنا الإشارة إلي العبث الإخواني بوزارة التعليم من صبغ المناهج بسيرة التنظيم، ومنح تراخيص المدارس لقيادات الجماعة، وإهدار عشرات الملايين علي المستشارين، وهو ما تكرر أيضا في وزارة المالية. بينما كانت جريمته أفدح في وزارة التموين التي قادها أحد مساعديه، الدكتور باسم عودة، الذي لم يكن يتردد في استخدام سلع الوزارة وقمحها ووقودها المدعمين للترويج ل"الحرية والعدالة"، الذراع السياسية للإخوان. ثم كان الفشل الإداري والاقتصادي للإخوان، ما انعكس في اختفاء السلع الاستراتيجية كالبنزين والسولار وانقطاع التيار الكهربائي.. علاوة علي منح قطر وتركيا شيكا علي بياض للعبث بالبورصة، والاستحواذ علي جميع فرص الاستثمار الأجنبية المتاحة، وتقديم منطقة قناة السويس كجائزة مجانية علي دعمهما له دوليا. كوارث في ملفات السد الإثيوبي وحلايب وسيناء فضيحة إذاعة اجتماع مرسي وعدد من أعضاء الأحزاب ورموز القوي السياسية، لمناقشة تداعيات إصرار إثيوبيا علي المضي قدماً في بناء سدة النهضة، علي الهواء مباشرة، تعدُّ واحدة من أكثر مشاهد السخرية والألم في عهد الإخوان. وعمومًا، فالتأثيرات السلبية للإخوان في ملف سد النهضة تواصلت حتي بعد مغادرتهم سدة الحكم، حتي صار الوضع معقدا أكثر من أي وقت مضي.. ومن خطايا المندوب الإخواني في الاتحادية، ما تردد عن وعده السودانيين بزعامة الرئيس الإخواني عمر البشير، منحهم حلايب وشلاتين المصرية، وهو ربما ما دفع الخرطوم لتكرار طلب ضم المنطقتين مجددًا في أعقاب تفجر أزمة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية وإقرار القاهرة بأحقية الرياض بجزيرتي صنافير وتيران.. ولم يتورع مرسي كذلك في توجيه اللعنات العلنية لتل أبيب، بينما كان يعمل سرًا علي ما يبدو ضمن مشروعها الاستيطاني الكبير بالمنطقة.. مرسي لم يتردد في فتح سيناء علي مصراعيها لجماعات التكفير والجهاديين الوافدين من الخارج أو ممن خرجوا بإعفاءات رئاسية صادرة منه، وهم الآن وحلفاؤهم يديرون حرباً ضد الجيش في سيناء ثأراً لعزله كما كشف صراحة محمد البلتاجي. ناهيك عن إتاحة المجال لعبث حماس، الذراع الإخوانية في قطاع غزة، بسيناء. مئات الشهداء.. وحملات إخوانية ضد الجيش والشرطة في عهد محمد مرسي، سقط نحو 109 شهداء، من شاكلة الحسيني أبو ضيف، جيكا وكريستي ومحمد الجندي، بحسب إحصاءات الطب الشرعي. ناهيك عن المئات الذين قُتِلوا أو أصيبوا منذ عزله، ومع انطلاق مسيرات ومظاهرات واعتصامات العنف والإرهاب الإخوانية. وقبل هذا وذاك من سقطوا في حوادث بشعة جرت تحت بصره وسمعه، كسقوط العشرات في بورسعيد، علي خلفية محاكمة مذبحة أولتراس أهلاوي.. هذا إلي جانب جنود مصر، من الجيش والشرطة، الذين يسقطون بالمئات، وبالأخص في سيناء، حتي من قبل عزله، وبمعدلات مريعة منذ الإطاحة بحكمه وعشيرته. كما أن مرسي كان يسعي لجر الجيش المصري، (الذي كان لا يتردد في إطلاق أنصاره للتحرش به من حين لآخر لإخضاعه والشرطة لمخطط الأخونة)، للمستنقع السوري، تلبية لرغبة واشنطن في تقليم أظافر بشار الأسد، وهو المخطط الذي أفصح عنه في الصالة المغطاة بإستاد القاهرة، ووسط أنصاره من التيارات السلفية والتكفيرية، قبل أيام من الإطاحة به من سدة الحكم، بعد انتفاضة 30 يونيو. في هذا السياق تعمّد الإخوان قبل عزل مرسي، ترويج الشائعات المشوّهة عن قادة القوات المسلحة. كما تم إطلاق حازم صلاح أبو إسماعيل، وجماعته "حازمون"، إضافة إلي عدد كبير من عناصر الأولتراس، لاستهداف الشرطة وتعمد إهانة أفرادها، بل وابتزازهم للمشاركة في القمع الإخواني الموجه للقوي الثورية. كما أطيح باللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية الأسبق، لرفضه حماية مقرات الإخوان وقيادتهم في مواجهة الشعب. المعزول وجماعته حاولا مراراً اختراق المخابرات العامة والعسكرية والرقابة الإدارية عبر زيارات غير مريحة لخيرت الشاطر ومحمد البلتاجي إلي مقرات تلك الأماكن الحساسة. مرسي نفسه لم يتردد في محاولة استخدام الأجهزة المعلوماتية المصرية لخدمة التنظيم الدولي. فأوفد ذات مرة رئيس المخابرات السابق اللواء رأفت شحاته، إلي الإمارات للتوسط في الإفراج عن خلية إخوانية هناك. وحينما بدا عصيان العاملين في تلك المؤسسات الوطنية للجماعة كبيراً، دارت رحي الشائعات ضدها. الإخواني السابق، رئيس حزب الوسط، أبو العلا ماضي، زعم يوماً أن مرسي أخبره أن المخابرات تدير تنظيماً سرياً قوامه 300 ألف بلطجي. الرئيس السابق لم ينف هذا الكلام صراحة. تركه يتصاعد في الشارع والإعلام من باب الابتزاز علي الأرجح. دولة المرشد الطائفية في عهد دولة الإخوان رأي المصريون العجب.. بل رأوا أنفسهم يتقاتلون إلي جوار سور القصر الرئاسي، بينما تبث تليفزيونات العالم المشهد المريع علي الهواء مباشرة.. كان الإخوان علي استعداد تام لإشعال البلد بحروب أهلية تحصد الأخضر واليابس في سبيل التمكين من الكرسي.. مرسي وجماعته قبلا علي سبيل المثال قيادة حرب سنية شيعية في المنطقة، بالوكالة عن الولاياتالمتحدةالأمريكية. بل وسعي لتهييج مشاعر السنة ضد إيران الشيعية بغض الطرف عن العنف الطائفي والقتل المنظم اللذين مورسا، وفي سابقة لم تحدث في تاريخ مصر، ضد شيعة قرية أبو مسلم بالجيزة، حيث ذبح زعيم الشيعة المصريين الراحل حسن شحاته، وعدد من أتباعه دون أن تحرك الدولة ساكناً. الاعتداءات علي الأقباط والتنكيل بهم كان كذلك سمة عهد مرسي، وما بعد عزله. "المصريون المسيحيون اتهموا بالعمالة والخيانة وأنهم فلول ومن أتباع شفيق، كلما خرجت مظاهرة ثورية ضد الإخوان"، علي حد قول الباحث في شؤون المواطنة سامح فوزي. كما كانوا هدفاً لجماعات التكفير المسلحة، قبل وبعد رحيل مرسي.