في خطوة مفاجئة، دعت رئيسة الوزراء البريطانية »تيريزا ماي» الأسبوع الماضي، إلي إجراء انتخابات مبكرة في 8 يونيو القادم، التي تتطلب موافقة ثلثي أعضاء البرلمان البريطاني، فضلاً عن أن التصويت علي هذا الإجراء يعتبر شكلياً. وبررت ماي دعوتها بدافع الحاجة إلي تأمين الاستقرار السياسي للبلاد خلال السنوات المقبلة وقبل بدء المحادثات مع دول القارة العجوز حول شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ما أثار عدة تساؤلات داخل الأوساط السياسية البريطانية والأوروبية حول الأسباب التي دفعت ماي لاتخاذ هذه الخطوة؟ وهل تمثل بداية للمضي في تفكيك الاتحاد الأوروبي؟ منذ أن وطأت قدماها 10 داوننج ستريت مقر رئاسة الوزراء، أكدت ماي مراراً وتكراراً أنها لن تدعو إلي انتخابات عامة إلا مع انتهاء ولاية البرلمان عام ، حيث قالت في مقابلة مع شبكة الإذاعة البريطانية »BB»»، إنها لن تدعو إلي انتخابات مبكرة، وأنها كانت واضحة جداً بخصوص اعتقادها بأنهم في حاجة للاستقرار، ليتمكنوا من التعامل مع القضايا التي تواجهها البلاد وأنها ستجري الانتخابات في 2020. ورغم ذلك، قررت ماي الآن الاستفادة من تقدم حزب »المحافظين» الذي تنتمي إليه علي »حزب العمال» المعارض إذ إن الاستطلاعات تظهر تراجعاً في شعبية الأخير. فقد أصبح المحافظون يتمتعون بموقف قوي لتعزيز مكانتهم علي حساب الحزب المنافس، الذي يعيش حالة من الفوضي. وكانت ماي قد اتهمت معارضيها السياسيين داخل حزبها وأحزاب المعارضة الأخري بممارسة الألاعيب السياسية بشأن »البريكست»، تعمد إلي عرقلة محاولات حكومتها للبدء في إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي. ومن جهة أخري، يري الكاتب »آدم تايلور» بصحيفة »واشنطن بوست» الأمريكية أن قرار ماي بإجراء انتخابات مبكرة سيساعد علي كسب دعم الشعب قبل أن يتعمق الانقسام داخل صفوف البريطانيين المتخوفين من ضريبة الخروج من الاتحاد الأوروبي. وكان البرلمان البريطاني قد صوت لصالح تأييد دعوة ماي لإجراء انتخابات مبكرة. ووصفت الكاتبة البريطانية »جين ميريك» دعوة رئيسة الوزراء البريطانية بالمناورة السياسية التي ستزيد من إرباك المشهد السياسي الأوروبي، في ظل حالة الفوضي التي تسيطر علي القارة العجوز نتيجة تصاعد اليمين فيها. وأعربت الكاتبة عن اعتقادها بأن فوز ماي بنتيجة كبيرة سيكون خبراً محزناً لقادة الاتحاد، الذين يترقبون الانتخابات الفرنسية بنوع من القلق، خشية نجاح مرشحة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف »مارين لوبن». ووفقاً لما ذكره »إيشان ثارور» الكاتب المتخصص في العلاقات الخارجية بالصحيفة الأمريكية »واشنطن بوست» بأن رئيسة وزراء اسكتلندا وزعيمة الحزب القومي، »نيكولا ستيروجون»، تري قرار ماي خطأ سياسيا فادحا، فإنه مسعي من جانبها وحزبها لتحريك البلاد صوب اليمين والدفع بقوة لمغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي. وفي الأثناء، من المتوقع أن يحتفظ حزبها بهيمنته علي مقاعد اسكتلندا في وستمنستر، كما أنه من المرجح أن يمتلك الجرأة الكافية ليفتح مسألة استقلال اسكتلندا مجدداً. وكانت بريطانيا قد أطلقت عملية البريكست الشهر الماضي، إلا أن المفاوضات من المقرر أن تبدأ بعد أسابيع، ما يمنح رئيسة الوزراء فرصة لزيادة الدعم لها في المعارك التي ستخوضها في خلال هذه المفاوضات. ومن جهته، أكد الاتحاد الأوروبي أن الانتخابات البريطانية المبكرة لا تغير خطط الدول ال 27 الأخري الأعضاء في التكتل الأوروبي. ومن المقرر أن يعقد زعماء دول الاتحاد الأوروبي قمة في 29 أبريل الحالي، حيث سيتفقون علي استراتيجية للتفاوض علي خروج بريطانيا المتوقع عام 2019. فيما تري صحيفة »إندبندنت» البريطانية أن ما يحدث الآن في بريطانيا ما هو إلا مخطط أمريكي لتفكيك الاتحاد الأوروبي حتي تقضي علي أي قوي أخري يمكن أن تهيمن علي العالم؛ فالولاياتالمتحدة لا تؤمن بعقيدة أوروبا الداعية إلي التماسك، ولا تدعم بشكل كاف بنية الاتحاد الأوروبي. وتقوم استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي »دونالد ترامب» علي إغراء بريطانيا كي تقترب من أحضان الولاياتالمتحدة وتعمل معها علي تفكيك الاتحاد الأوروبي.