في منطقة وادي النطرون، تقع البحيرة التي تحمل نفس الاسم، وتشتهر أيضاً باسم »نبع الحمرا»، لا يسمع عنها الكثير من المصريين، لكنها بقعة ساحرة وكنز لمن يستطيع أن يحولها إلي منتجع سياحي علاجي وديني. مساحتها شاسعة وتتميز بملوحتها العالية وخصائصها العلاجية وتحديدا للأمراض الجلدية، وينبثق منها نبع مياه عذبة تماما يسمي »ينبوع مريم»، وهو النبع الذي يقال إنه تفجر أثناء عبور السيدة مريم وابنها السيد المسيح (عليه السلام) خلال رحلتهما إلي مصر ومن هنا اكتسبت المنطقة قيمتها التاريخية والدينية، لكن يد الإهمال امتدت إليها فأغرقتها. التفاصيل في التحقيق التالي. يرجع تاريخ بحيرة وادي النطرون إلي العصر الفرعوني وأطلق عليها الفراعنة »بحيرة السماء» وهذا لاستخراج ملح النطرون منه، وعرف بعد عصور كبيرة أن المصريين القدماء يستخدمونه في تحنيط الموتي، لكنه ظل مكانا معزولا لا يطفو اسمه علي سطح الأحداث إلا في حوادث المشاجرات والنزاعات علي الأرض. »آخرساعة» زارت المكان وقامت بجولة هناك، ففي مدخل المنطقة تستقبلك لافتة كتب عليها »نبع الحمراء» في إشارة إلي أن المكان »منتجع بيئي». يتميز بهوائه الجاف النقي وطبيعتة البكر. يعتبره أهل مدينة وادي النطرون المتنفس الوحيد لهم ولصغارهم، حيث يقول أحدهم ويُدعي أحمد عبدالوهاب: نتردد علي المكان خاصة في شم النسيم ونلتف حول البحيرة التي تشهد زحاماً شديداً في ذلك الوقت، ويبدأ الصبية في الاستحمام داخل البحيرة. فيما يقول محمود عبدالقادر: البعض يقصد البحيرة بغرض العلاج بمياهها، لما تحتوي عليه من مياه كبريتية معالجة من جميع الأمراض الجلدية، بالإضافة إلي الاستجمام بالمنظر الطبيعي للبحيرة، بينما يقترح محمود عزت فكرة استثمار منطقة نبع الحمراء عن طريق إقامة مشروع جمعية المحافظة علي التراث المصري لتطوير المكان الذي وصفه بالمعجزة الجميلة في مكان مفعم بعبق التاريخ والمتصل بوقائع رحلة العائلة المقدسة إلي مصر والتي يمكن من خلالها خلق منتج سياحي وعلاجي وديني رائع, ويعتبر تجاهله هدرا للموارد الطبيعية والتاريخية ودعا للبحث عن طرق لإحياء البحيرة وتسويقها سياحياً. أحد أبناء وادي النطرون يدعي فريد محمد، فسر لنا سبب تسمية البحيرة ب»نبع الحمراء»، بأن ذلك سببه وجود كائن »لارتينيا» ذي لون أحمر يظهر علي جانبي البحيرة ومياهها في فصل الصيف، وحول قدرة مياه البحيرة العلاجية قال إن طبيعة المياه تمكنها من علاج الأمراض الجلدية مثل الصدفية إلي جانب أمراض الرمد والعظام عن طريق حمام الماء المالح وحمام الطين وحمام الماء العذب، مشيرًا إلي أن هناك شركة حصلت علي حق إدارة المكان لكنها لا تقوم بأي دور في إلقاء الضوء علي أهميتها، كما أنها منعت أهالي الوادي من استخدام البحيرة وهي المتنفس الوحيد لنا في هذه المنطقة. وحول علاقة البحيرة برحلة العائلة المقدسة، يقول عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة إن مياه تلك البحيرة كثيفة الملوحة بحيث لا يغرق أي شيء فيها ما عدا نبعا صغيرا من المياه العذبة للغاية يخرج منها وتقول الأساطير المسيحية إن السيدة مريم العذراء ضربت بقدمها الأرض لتروي نجلها منه أثناء وجودها بمصر ولذلك البحيرة مقدسة عند مسيحيي العالم أجمع، وللمكان أهمية تاريخية حيث تم اكتشاف تمثال نصفي من الجرانيت الأسود هناك يرجع إلي عصر الأسرة السابعة عشرة الفرعونية، وهناك أيضاً بوابة من الجرانيت وأحجار من »عتب باب» تحمل خراطيش للملك امنمحات الأول، في منطقه تسمي »كورة الضهر»، كما يعد وادي النطرون من أهم المناطق المكرمة بالنسبة لأتباع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حيث كانت المنطقة تحوي حوالي 700 دير في النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي ومن بين هذه الأديرة دير الأنبا بيشوي ودير البراموس ودير السريان. إلي ذلك، يقترح معتز محمد الخبير السياحي، تحويل منتجع نبع الحمرا إلي مزار سياحي عالمي لربط المنطقة السياحية بمنطقة صناعات بيئية وحرف يدوية مستمدة من تراث المنطقة وبالطبع وضع المكان علي الخريطة السياحية سيسهم في حمايته وصيانته وأشار إلي أن السياحة العلاجية لا تتجاوز 1٪ من حجم الإنفاق بالقطاع السياحي رغم وجود المقومات الأساسية. في السياق، يقول فريد عبدالوهاب الخبير السياحي: الذي يحول دون تحويل منطقة الحمراء إلي منتجع سياحي هي »شركة نبع الحمراء للاستثمار السياحي»، ففي عام 2006 قدمت جمعية المحافظة علي التراث المصري مشروعا لتطوير »نبع الحمراء» المليئة بعبق التاريخ والمتصلة بوقائع العائلة المقدسة إلي مصر والتي يمكن من خلالها تخليق منتجع سياحي وعلاجي وديني رائع وتفاعل معها في ذلك الوقت المحافظ لكن فوجئ بعدة عقبات، أبرزها اكتشاف أنه عام 1998 قامت المحافظة بالسماح لشركة نبع الحمراء للاستثمار السياحي والعقاري باستغلال المسطح المائي والمساحة المحيطة لإقامة مشروعات سياحية وعلاجية, فضلا عن بعض المشروعات الزراعية، لكنها لم تقم بذلك لاعتراضها علي قيام المحافظة عام 20001 باستخراج الأملاح الصناعية وقامت الشركة برفع دعوي علي المحافظة للتوقف عن استخراج الأملاح، رغم أن العقد كان يقضي بحق المحافظة في ذلك، ما دعا الأخيرة إلي رفع دعوي فرعية لفسخ العقد مع الشركة لعدم التزامها بإقامة المشروع السياحي، وعليه حسم المحافظ الأمر بأنه لا جدوي من الخوض في إقامة مشاريع لاستثمار المنطقة حتي ينتهي النزاع القضائي، ومن هنا توقف الحديث عن نبع الحمراء حتي الآن، ومازالت لافتات الشركة موجودة فوق أرض المنطقة، دون أن يكون هناك أي استثمار سياحي أو عقاري!