التعليم حق لكل البشر، للغني والفقير، للأسود والأبيض، للشرقي والغربي... هناك العديد من الناس يشغلون بالهم كثيراً بقضية إتاحة التعليم لكل الناس، مهما كانت ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية ومواقعهم الجغرافية، وربما تكون إحدي أنجح التجارب في هذا المجال تجربة الأمريكي ذي الأصول الهندية سلمان خان الذي أنشأ علي الإنترنت موقعا يوفر دروسا تعليمية مجانية متاحة للجميع تحت عنوان "أكاديمية خان". هي تجربة فريدة وناجحة إلي أبعد الحدود، تجربة ملهمة قد تساعد كثيراً في حل مشاكل الأمية والتسرب من التعليم في العديد من الدول النامية. سلمان خان، هو مبرمج كمبيوتر متفوق، عمل لفترة في السيليكون فالي، أحد أكبر الصروح التكنولوجية في الولاياتالمتحدة وفي العالم كله. كان شغله الشاغل هو كيفية استخدام التكنولوجيا في شيء يفيد الناس، في تطوير حياتهم وتغييرها. في 4002 وقت أن كان يبلغ من العمر 82 عاما، أراد خان في مرة أن يشرح درس رياضيات لابنة أخته عبر التليفون، ولمزيد من التوضيح طلب منها أن تجلس أمام الحاسب وتفتح الياهو مسينجر، واستخدم خاصية الكتابة ب"الطباشير" علي المسينجر لكي يشرح لها الدرس بصورة أفضل، وبالفعل استفادت الفتاة الصغيرة من الدرس جداً، وبعد نجاح التجربة كررها خان، لكن هذه المرة في صورة فيديوهات علي يوتيوب لكي يشاهدها باقي أولاد عمومه وأخواله الذين بدأوا ينشرون الأمر بين أصدقائه، وبدأت دائرة المتابعين لدروس خان تتسع شيئاً فشيئاً إلي أن جاء عام 9002 الذي شهد طفرة في عدد المترددين علي الأكاديمية الافتراضية. ويقول خان: "أظن أن السبب هو اهتمام الإعلام بالتجربة وتسليطه الضوء عليها، كما أن بعض المعجبين بالموقع، مثل بيل جيتس مثلاً والذي قال أنه تعلم من أكاديمية خان هو وابنه الصغير أضاف قيمة كبيرة للتجربة.." في عام 9002 ترك خان عمله في سيليكون فالي ليتفرغ تماماً لتسجيل الدروس المسجلة. وحتي الآن قدمت أكاديمية خان أكثر من 0042 فيديو، كلها متاحة مجاناً عبر يوتيوب، تقدم دروساُ في العلوم والحساب والرياضيات، كما أضاف الموقع أيضاً مئات التمارين ليستطيع الدارس قياس مستواه كل فترة. ربما يكون مافعله خان ليس بالشيء الجديد، فالدروس عن طريق الفيديو موجودة منذ زمن بعيد، ربما مع اختراع مسجل الفيديو ذاته، أو حتي قبلها في التليفزيون. لكن ماجعل أكاديمية خان مختلفة في الواقع هو خان نفسه. لقد نظر خان للتعليم علي أنه حاجة إنسانية أساسية وليس سلعة تباع وتشتري. لذلك قدم هذه الدروس بطريقة حماسية وشيقة جذبت إليه طالبي العلم في كل مكان، فهو ليس مجرد مدرس ممل يشرح الدروس بطريقة روتينية، ولكنه من خلال صوته ومن خلال السبورة الافتراضية علي الشاشة يقدم مضمونا مختلفا تماماً عن باقي التجارب المشابهة. وهو ما جعل أكثر من 66 مليون دارس حول العالم يشاهد تلك الدروس ومازال العدد في ازدياد. حلم حياة سلمان خان أن يتم استخدام أكاديميته كجزء من مناهج التعليم في مدارس العالم، وقد عقد خان اتفاقاً مع مدرسة كاليفورنيا ألتوس سكول، لدمج دروس خان في مناهجها. بحيث يدرس الطلبة في بيوتهم من خلال اليوتيوب ويكون تركيز المدرس في الفصل علي التطبيق العملي وتطوير مستوي الطالب بشكل عام. ورغم ذلك يعتبر خان موقعه ليس أبداً بديلاً للمدرسة فيقول: "المدرسة ليست مجرد حصص ودروس، المدرسة أكثر من هذا بكثير، أنا فقط أتمني أن يكون موقعي أداة تعليمية مساعدة، وأن يصل إلي الأطفال الذين لايجدون فرصة للتعليم نتيجة لظروف اقتصادية أو اجتماعية.." وقد استطاع خان بمساعدة بعض الجمعيات الخيرية العالمية أن يوزع دروسه علي اسطوانات مدمجة في الأماكن النائية في أفريقيا ووسط آسيا والمناطق التي لايتوفر فيها خدمة الإنترنت، وهناك بعض مساع لترجمة دروس خان للغات أخري غير الإنجليزية لكي يستفيد منها أكبر قدر ممكن من البشر. وقد أعلنت جوجل أنها وقعت اتفاقية بالفعل مع سلمان خان تدور حول هذا الإطار. وفي مصر أعلن وائل غنيم الناشط السياسي والذي يعمل في جوجل أيضاً أنه جاري الآن ترجمة محتويات 'أكاديمية خان' من فيديوهات ومواد تعليمية 'بسيطة' إلي اللغة العربية، وهو الأمر الذي قد يساهم في الجهود الرامية إلي القضاء علي الأمية في البلاد العربية.