يشهد سوق الأجهزة الكهربائية حالة من الكساد بعد قرار تعويم الجنيه وما تبعه من تطبيق قانون التعريفة الجمركية الذي أدي لارتفاع أسعار هذه السلع بنسب تجاوزت 100٪، ما دفع المواطنين للعزوف عن الشراء وكنتيجة طبيعية فشلت الكثير من الزيجات التي وجدت أن تأسيس أسرة بات حلما صعب المنال ليتوغل شبح العنوسة بمجتمعنا وليس هذا فحسب فتجار شارع عبدالعزيز ودرب سعادة بالعتبة باتوا علي حافة الإفلاس بعد تراجع حركة الشراء، كما طالت الأزمة سوق المفروشات بالأزهر فتأثرت بالقرارات الاقتصادية الأخيرة. لم تكن محال شارع الأزهر وحدها التي عانت من الأزمة ففي المحلة الكبري قلعة صناعة الغزل والنسيج لم يختلف الوضع كثيرا فناهيك عن مشكلاتها المعروفة من النقص الهائل في مساحات القطن المزروع والتوغل الصيني وإغراق الأسواق بمنتجاتها إلا أن التحدي الأكبر الذي واجهها بعد تحرير سعر الجنيه أمام الدولار ما أدي لرفع أسعار القماش المستورد والبوليستر ارتفاعا هائلا واجهه زيادة في أجور العمال مما اضطر الكثير من أصحاب المصانع لغلقها وامتهان وظائف أخري. كل هذا دفع النائب البرلماني عن القناطر الخيرية حاتم عبدالحميد، لتقديم طلب إحاطة لوزير الصناعة لمطالبته بتشغيل المصانع الحكومية التي تنتج الأجهزة الكهربائية، لمواجهة ارتفاع أسعارها إيمانا منه بأن الكثير من الأسر البسيطة والمتوسطة عاجزة عن دفع آلاف الجنيهات لشراء أجهزة لا غني عنها في أي بيت بما يسهم في الحد من ظاهرة العنوسة وحالات الطلاق المبكر، مشددا علي ضرورة دعم الدولة لمصانعنا الوطنية والتي توقفت من سنوات عدة لأسباب خفية.. اللافت أنه بعد تلك الأزمة شهدت أسواق بيع الأجهزة المستعملة علي الإنترنت رواجا كبيرا كذلك الأسواق الشعبية كسوق الإمام بمنطقة الإمام الشافعي بمصر القديمة الذي يضم معروضات مستعملة من الإبرة للصاروخ كذلك أسواق الثلاثاء والجمعة بالمطرية وعين شمس فالجميع يبحثون عن حلول سحرية لمواجهة الأزمة. ولا يختلف الوضع كثيرا بالقري والنجوع عنه بالمدن فتعالت الأصوات المطالبة برفع العبء والتكاليف التي لا فائدة منها لتيسير الزواج الذي بات عقدة الكثير من الأسر ودبت حالة من النشاط والتكاتف بين العمد ومشايخ البلد بمحافظات عدة كالشرقية والمنوفية ومحافظات الصعيد وأقيمت عدة جلسات عرفية لتخفيف العبء عن كاهل راغبي الزواج من شبكة باهظة الثمن وأجهزة طائلة لافائدة منها وإلغاء ما يعرف ب»النيش» ومحتوياته خاصة وأنه يعد الهم الأكبر علي حد قول كثير من الأهالي بل إن هناك عدة صفحات علي »فيسبوك» تم تدشينها للمطالبة بالغائه. البداية كانت بداخل شارع عبدالعزيز بالعتبة الذي كان منذ شهور قليلة يكتظ بالكثير من الزبائن والأهالي يأتون لشراء احتياجاتهم من الأجهزة الكهربائية فلا يخلو أي بيت منها, يحزمون حقائبهم من كافة الأقاليم والمحافظات القريبة طمعا في توفير عدة جنيهات تعينهم علي باقي التزاماتهم, عرائس يراودهم حلم تأثيث عش الزوجية وتزويده بأجهزة حديثة, إلا أن ذاك الحلم تلاشي بعد الأزمة الأخيرة فالشارع خلا من زبائنه اللهم إلا قليلين وقفوا علي استحياء يتابعون المعروضات ويسألون عن أسعارها التي تتضاعف يومياً ثم يرحلون وعلي وجوههم ملامح الأسي, وتصطف علي جانبي الطريق عربات النصف نقل الموكلة بحمل الأدوات المشتراة للزبائن لا تجد من يطلبها , يتابع أصحابها عن كثب حركات البيع ولشراء ويتذكرون الأيام الخوالي والتي لم تكف فيها الحركة, يشاطرهم الألم أصحاب المحال والتجار الذين هجر أغلبهم المهنة وفضل الابتعاد بعد أن بات علي حافة الإفلاس, كانوا يعولون علي الحكومة في ضبط الأسعار لكن ذهبت أحلامهم سدي. يقف الحاج محمود بشندي (61عاما) حائراً أمام أحد المحال يسأل عن أسعار كل جهاز علي حده، يحسب تكلفة كل الأجهزة التي من المفترض أن يقوم بشرائها لتجهيز ابنته التي ستزف بعد شهرين, ينتابه ضيق شديد بعد إجرائه تلك العملية الحسابية لينتقل إلي محل آخر وكله أمل في أن تقل التكلفة ليضيع رجاؤه هباء فيغادر سريعا. يقول محمود: بعد قرار تعويم الجنيه زادت أسعار الأجهزة الكهربائية إلي الضعف فالثلاجة 12 قدما وصل سعرها إلي ثلاثة آلاف جنيه بعد أن كان 1500 جنيه، أما شاشات التليفزيونات فزادت بصورة كبيرة ووصل بعضها إلي 8 آلاف وأخري 12 ألف كذلك الغسالات العادية والأتوماتيك فوصل السعر إلي خمسة آلاف جنيه وأخري تخطت العشرة آلاف، ما يجعلني أقع في حيرة شديدة خاصة أن ابنتي ستزف بعد شهرين ولا أعلم كيف سأدبر نفقات تلك الأجهزة. أما رشا سمير مقبلة علي الزواج فقالت: الأسعار تزداد يوما تلو الآخر ووصلت إلي حد الجنون ولم يعد هناك ضابط أو رقيب عليها فاضطررت إلي تأجيل زفافي عدة أشهر أخري وكلي أمل بانخفاضها فلم أشتر سوي الأساسيات الهامة فقط وليست الأجهزة وحدها التي أصابها زيادة فالمفروشات والبطاطين أيضا زاد سعرها حتي أننا لم نعد في إمكاننا شراؤها ناهيك عن المستلزمات المنزلية البسيطة ليصبح الزواج علي شفا حفرة من الضياع . أما راغب سند أحد تجار تلك الأدوات فقال بنبرة تشوبها الإحباط: بعد تعويم الجنيه زادت الأسعار زيادة مبالغة بدون أي سبب فالزبون قد يضطر لزيارة المحل عدة مرات لشراء سلعة وبعد اكتمال المبلغ معه يكون هناك زيادة فيضطر للمغادرة وهكذا بل ويقلع الكثيرون عن فكرة الشراء وآخرون يأتون للمشاهدة فقط والسؤال عن الأسعار دون شراء وقد أثر ذلك علينا كثيرا فهجر تجار كُثر المهنة ليتجهوا للعمل بمهنة أخري وبعضهم لسوء حظه تعرض للسجن لعدم قدرته علي سداد ديونه بعد أن اختفت حركة البيع والشراء. ويضيف سند: إضافة إلي ارتفاع أجور العمالة والنقل بسبب زيادة أسعار البنزين ويكمن السبب في عدم الرقابة علي الأسعار فترتفع كل أسبوع زيادة مطردة مما اضطر الكثيرين منا إلي تخزين كميات كبيرة من البضائع في المخازن تحسبا لأي أزمة. وبعيدا عن سوق الأجهزة وعلي بعد خطوات قليلة بداخل شارعي الموسكي ودرب سعادة المشهور بتجارة المانيفاتورة والأقمشة والمفروشات يعاني البائعون من حالة ركود وكساد بسبب ارتفاع سعر الدولار مما أثر علي الأقمشة المستوردة ورفع سعرها وكذلك سعر القطن الذي نستورده فمصر لم تعد تزرع قطنا كما في السابق إضافة إلي أن معظم المفروشات تستورد من الصين وقديما كانت أسعارها في متناول الجميع لكن أصبح الوضع حرجا فزادت أسعار البطاطين من 200 إلي 500 جنيه والبعض وصل إلي 1200، ما جعل الكثير من المحال تغلق أبوابها. يقول السيد علي (تاجر المفروشات): في معظم المحافظات المصرية، يتفق أهل العروسين علي أن تشتري العروس الأجهزة الكهربائية والمفروشات، ويتولي العريس شراء جميع منتجات الأثاث الخشبية، إلا أن الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار جعل كلا الطرفين غير قادر علي تأثيث العش وجلب متطلباته وقد عانينا جراء ذلك فتوقفت حالة البيع والشراء مما جعل المهنة تواجه شبح الاندثار، في ظل انخفاض معدل الشراء، فقبل سنوات كان التاجر الواحد يبيع 100 قطعة من مفروشات تنجيد الأثاث يوميا، والآن لا يبيع إلا قطعة كل شهر في أفضل الأحوال. ويتفق معه محمد علوان أحد التجار فيقول: ارتفعت أسعار البطاطين والمفروشات خاصة في ظل دخول الشتاء ونظر لكون أغلبها يتم استيراده من الصين ومنذ عدة شهور كانت العروس تشتري عدة بطاطين ومفروشات ولكن حاليا كسدت حالة البيع والشراء وكثيرون يشترون بنظام التقسيط تفاديا لفشل الزيجة كل هذا والحكومة تعيش في دور المتفرج دون اتخاذ إجراءات قوية للخروج من عنق الزجاجة. يقول المهندس عاطف عبدالمنعم رئيس شعبة المعدات الكهربائية باتحاد الصناعات: لاشك أن ارتفاع سعر الدولار أثر علي حركة بيع الأجهزة الكهربائية ما جعل المواطنين يقلعون عن حركة الشراء إضافة إلي أن قرار رفع الجمارك علي الأجهزة الكهربائية سيزيد من الأسعار تلقائيا لاسيما أن الإنتاج المحلي لا يكفي احتياجات السوق إضافة إلي أن المستوردين لم يعد لديهم القدرة الشرائية وأكد هلال أن الأدوات المنزلية ليست منتجات استفزازية كي يجري رفع التسعيرة الجمركية عليها فلا يوجد أي بيت في مصر يخلو منها وقد أثر هذا القرار بالسلب علي التجار والمواطنين معا.