فتحت قضية الرشوة الكبري بوزارة الزراعة التي أدين فيها وزير الزراعة الأسبق، صلاح هلال، ومساعده، محيي الدين قدح، بالسجن المشدد عشر سنوات، وإعفاء رجلي الأعمال، أيمن الجميل، ومحمد فودة، من العقاب لاعترافهما بوقائع الرشوة، ملف إعفاء الراشي والوسيط في قضايا الرشاوي، وفقا للمادة 107و107 مكرر، التي تنص علي إعفاء الراشي والوسيط من العقوبة في حال إخبار السلطات بالجريمة أو الاعتراف بها، وقد أثارت المادة جدلا، وردود فعل في المجتمع بسبب تشجيعها الراشي علي التمادي في جريمته فضلًا عن فتحها بابًا خلفيا لإفساد المجتمع. الراشي، هو صاحب مصلحة يقوم بتقديم عطية لموظف عام أو يعرضها عليه بناء علي طلب الموظف لها في مقابل قيام هذا الموظف بعمل من أعمال وظيفته أوامتناعه عن القيام بهذه الأعمال الخاصة بوظيفته، بينما الوسيط هو عبارة عن طرف ثالث يشترك في جريمة رشوة بين طرفيها الأساسيين ويعتبر شريكا في الجريمة. مشروع القانون القديم الصادر في عام 1883 ينص علي معاقبة كل من الراشي والمرتشي والوسيط بذات العقوبة، ولذلك لم يعف الراشي أو الوسيط من العقاب، وفي عام 1904 وبعد صدور قانون العقوبات الأهلية، وضع المشرع نصاً في المادة 93 يقضي بإعفاء الراشي أو الوسيط من العقوبة حال قيامه بإخبار السلطات أو الحكومة بالجريمة أو الاعتراف بها، ولذلك نلاحظ أن المشرع في قانون العقوبات الحالي سار علي ذات النهج في المادة رقم 107 و107 مكرر، والتي نصت علي أنه يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي لكنه يعفي أي "الراشي أو الوسيط" من العقوبة في حال إخبار السلطات بالجريمة أو الاعتراف بها، بما يفيد أن إعفاء الراشي أو الوسيط في هذه الحالة يكون وجوبيا علي المحكمة، ويكون في حالتين، الحالة الأولي إبلاغه عن الجريمة، الأمر الذي يتيح لجهات الضبط القبض علي المرتشي، والثانية الاعتراف بالرشوة، وهذه تكون بعد القبض علي المتهمين. إعفاء الراشي والوسيط من عقوبة الرشوة جعلت المستشار أسامة الرشيدي، أثناء قيامه بالنطق بالحكم بالسجن المشدد 10 سنوات، علي وزير الزراعة الأسبق، ومساعده يطالب المشرع بإعادة النظر في المادة 107 مكرر، وإحاطة هذه الميزة التي منحها الراشي والوسيط في حالة الاعتراف بالجريمة بمزيد من الضوابط والقيود، التي تجعل الراشي والوسيط بمأمن تام من العقاب بمحض إرادتهم، وهو ما يخلق طبقة من المرتزقة الذين يحترفون إفساد الموظفين العموميين لتحقيق مآرب شخصية ومكاسب مادية. وقال القاضي، إن المحكمة في هذه الحالة تقدر دوافع المشرع الذي منح كلا من الراشي والوسيط الإعفاء المقرر بالمادة 107 ، للمساعدة في إقامة الدليل علي الموظف العام الجاني في جريمة الرشوة التي اتسم ارتكابها بسرية وكتمان بالغين، إلا أنه طالب بتعديل تلك المادة، لافتًا إلي أن إعفاء الراشي والوسيط أصبح بمثابة رخصة، ووقاية لطبقة جديدة من المجرمين ممن امتهنوا إفساد الموظفين العموميين كبيرهم وصغيرهم فاحترفوا جريمة الوساطة في الرشوة، وهم علي يقين وعلم أن طوق النجاة لهم مهما ارتكبوا من آثار هو الاحتماء بالمادة 107 مكرر من قانون العقوبات والاعتراف بالجرم، وهو بالنسبة لهم ليس فضيلة ولا اعتراف بذنب أو لتحقيق العدالة، فليس أهون عليهم من التضحية بشركائهم في الجريمة والاعتراف بها طلبًا للنجاة. المستشار أحمد عاشور رمضان، من هيئة قضايا الدولة، قال إن الرشوة إحدي صور الفساد، وهي بمثابة العمود الفقري لجرائم الفساد، وانتشارها واستفحالها في أي مجتمع يفسده ويعوق تقدمه، فهي تؤدي لهدم مفاصل الدولة، مطالبًا بضرورة تعديل المادة 107 من قانون العقوبات حتي يتم توقيع العقوبة علي الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي، وقال إنها مادة "خبيثة"، لأنه ليس من المعقول أن يعفي الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة، أما في حالة اعترافه بها تقوم المحكمة بإعفائه من العقوبة ومعاقبته بعقوبة الجنحة بدل الجناية المنصوص عليها قانونًا، وهي السجن المؤبد حتي يكون هناك دافع للراشي أو الوسيط للاعتراف بالجريمة حتي يتمتع بالإعفاء أو يتم تخفيف العقوبة لجنحة، وهذا يتم بحسب ظروف كل دعوة وملابساتها، مبينًا أن المادة 49 من العقوبات، وما يليها مسوغًا لتشديد العقوبة في حال العود لذلك ينبغي تعديل المادة المقترح تعديلها حتي لا تتيح للراشي والوسيط الإفلات من العقوبة. الاختصاص المستشار الدكتور مظهر فرغلي، من هيئة قضايا الدولة، أكد ضرورة تعديل نص المادة 107 مكرر من قانون العقوبات، بحيث يقتصر الإعفاء الوجوبي من العقاب علي حالة قيام الراشي أو الوسيط بإبلاغ السلطات عن الجريمة قبل وقوعها وقبل ضبطها، وأن يكون هذا الإعفاء من العقاب اختياريًا للمحكمة حال قيام الراشي أو الوسيط بالاعتراف بالرشوة بعد القبض عليهما، ومن هنا فتقدير الإعفاء الكامل من العقوبة أو تخفيفها متروك للمحكمة باعتبارها هي صاحبة الاختصاص، حسب ظروف كل حالة شريطة مساهمة هذا الاعتراف في إثبات الإدانة للمرتشي. ولفت إلي أن العلة في الإعفاء من العقاب أن جريمة الرشوة تتصف بالسرية التامة، ومرتكبها يحيط أمره بالكتمان ويجتهد من ارتكبوها في إخفاء أمرها، ومن النادر أن تترك آثارا تدل عليها، ولذلك نلاحظ أن جهد السلطات العامة في تحقيقها، وتعقب مرتكبيها، ومحاكمتهم، وإقامة الدليل عليهم أمرًا في غاية الصعوبة. وقال: "الراشي والوسيط يؤديان خدمة ومصلحة عامة عن طريق الكشف عن جريمة الرشوة بعد وقوعها والتعريف علي الموظف المرتكب لها والقيام بتسهيل إثبات الجريمة عليه ففي هذه الحالة يستحق أن يكافأ عليها بالإعفاء من العقاب، لافتا إلي أنه لابد من أن يتوافر في الاعتراف الصدق بحيث يكون صادقا ومطابقا للحقيقة والواقع ومفصلا، مما يؤكد نية المعترف في مساعدة تحقيق العدالة كما يظل حق الاعتراف والتمتع بالإعفاء قائما حتي إغلاق باب المرافعة أمام المحكمة، ولا يجوز التمسك به للمرة الأولي أمام محكمة النقض. أضاف، إن المشرع الجنائي حين أعفي الراشي أو الوسيط من العقوبة حال اعترافهم بدورهم في جريمة الرشوة التي وقعت بالفعل كان يقصد تحقيق المصلحة العامة وهي الكشف عن الموظف الخائن للأمانة وخيانته للثقة التي أودعت فيه، ولذلك فإلغاء هذا الإعفاء أو تقييده سيؤدي لعدم توقيع العقاب علي العديد من الموظفين وإفلاتهم من توقيع العقوبة عليهم، وهو ما يضر بالمصلحة العامة ليس هذا فقط فالإعفاء لا يقتصر علي جرائم الرشوة وحدها بل يمتد إلي جرائم إحراز وحيازة المواد المخدرة كما حددها المشرع الجنائي. خلاف من جانبه، أكد المستشار أمين السيد، عضو مجلس إدارة نادي مستشاري الدولة، وجود أحكام في قانون العقوبات تنص علي مصادرة ما يدفعه الراشي أو الوسيط علي سبيل الرشوة، وأن الراشي والوسيط يعاقب بنفس العقوبة المقررة للمرتشي، وأن المادة 107 مكرر، والتي تنص علي إعفاء الراشي أو الوسيط كما هو الحال في قضية فساد وزارة الزراعة. أضاف: "يوجد خلاف بين بعض فقهاء القانون حول المادة 107 مكرر حيث نجد من يطالب بتعديلها، ومن يطالب بضرورة الإبقاء عليها دون حدوث أي تغيير في مضمونها لأن العلة في إعفاء الراشي أو الوسيط من العقاب أن جريمة الرشوة تتصف بالسرية وتحاط بالكتمان". بينما يري الدكتور محمود كبيش، عميد كلية الحقوق السابق بجامعة القاهرة، أن المادة 107 من قانون العقوبات تمنح إعفاء الراشي والوسيط من العقوبة في حال إخطار السلطات والاعتراف بالواقعة كاملة وتقديم أدلة متعلقة بالقضية تضبط جميع المتهمين المرتشين، لافتًا إلي أن المشرع استند في إعفاء الراشي والوسيط من العقوبة قيام المسؤولين بالكشف عن تقاضي الرشوة لكشف الفساد. أضاف، أن ما حدث في قضية فساد وزارة الزراعة أن الراشي والوسيط تقدموا بأدلة إدانة ضد وزيرالزراعة المقال وهو ما أدي لإعفائهم من القضية وفقا لنص المادة 107 مكرر. أما أسعد هيكل، مديرالمركز المصري للدراسات القانونية، فيؤكد أن المادة 107 من قانون العقوبات سلاح ذو حدين، وأن هذه المادة مهمة وضرورية لأن عملية الرشوة سرية، وتقابلها صعوبة في الإثبات كونها تتم بين طرفين بسرية تامة، لافتًا إلي أن المادة تحتوي علي جانب إيجابي وآخر سلبي، فالإيجابي أنها تشجع أحد أطراف الجريمة، والمتمثل في الوسيط للإبلاغ عن الجريمة والاعتراف بها، بينما الجانب السلبي فيتمثل في إعفاء الراشي والوسيط من العقاب علي ارتكابهم للجريمة، ولذلك فنص المادة 107 مكرر يحتاج للتعديل، وتدخل المشرع في معالجته تشريعيًا بحيث يكون قبل إجراء المحاكمة، وألا يتم إعفاء الراشي والوسيط من الجريمة.