لا يخفي علي أحد حجم المسئولية الملقاة علي عاتق حاكم بلد في حجم مصر، تجاوز قبل عامين فقط كبوة كبيرة بانتهاء حكم جماعة »الإخوان» الإرهابية وبداية حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي قدم في بداية توليه السلطة حزمة وعود، مدفوعاً بطاقة حلم كبير تشارك فيه مع أبناء وطنه الشرفاء لاستعادة مقدرات الدولة وهيبتها وعنفوانها الذي وهن لسنوات طويلة إبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك. وبعد عامين في الحكم، وبعيداً عن القراءات التحليلية التي تقيَّم أداء الرئيس السيسي، سياسياً واقتصادياً، وعلي جميع الأصعدة ذات الصلة بإعادة بناء الدولة المصرية واستعادة مكانتها عربياً وإقليمياً ودولياً، فقد نجح السيسي في »سنة تانية رياسة»، وبتقدير امتياز، وهو ما يتأكد من القراءة التحليلية التي قدمتها أشهر خبراء لغة الجسد، بما تتضمنه من إشارات وكلمات وإيماءات وحركات مختلفة، رصدتها رغدة السعيد في ثنايا خطابات السيسي الرسمية وكلماته التي وجهها للشعب في أحداث مختلفة علي مدار العامين اللذين قضاهما حتي الآن علي كرسي الحكم. تقول رغدة السعيد ل»آخرساعة»: الرئيس السيسي شخصية »حسيِّة» وجزء منها »سمعي»، وتمتاز هذه الشخصية في علم لغة الجسد بأن صاحبها ذو نبرة صوت منخفضة ويخاطب العاطفة، ونظرة عينيه دائماً باتجاه الوسط أو إلي أسفل جهة اليسار قليلاً، وهذا يبدو في خطاباته، ولديه »لزمة» مرتبطة بيديه، فهو غالباً يضم أصابع يديه وكأنه يطلب من المستمع الهدوء أو الإنصات، كما أن لديه لزمات أخري في اللغة وتظهر أكثر في الحوارات منها في الخطابات، وهي مد حرفي الياء والألف، ويلجأ أيضاً إلي أسلوب الأسئلة التي تحمل في طياتها الإجابة، كأن يقول عبارته الشهيرة »انتوا مش عارفين إن انتم نور عنينا ولا إيه؟». فمثل هذا السؤال لا ينتظر له إجابة، لكنه يلجأ إلي هذا الأسلوب للفت انتباه المستمع وتحفيزه، بينما في الحوارات التي تُجري معه، نلاحظ أن السيسي يفند الأسئلة بشكل منظم ومرتب، ونجده مثلاً يقول »سيبوني أتكلم» أو »عاوزكم تفهموني»، كأنه يطلب من الشعب أن يفهمه، حيث يحاول أن يكون حريصاً علي توصيل رسالته باستخدام هذه المفردات. تتابع: الرئيس السيسي مثل أي شخص عسكري لديه لغة جسد عسكرية، تحمل رسائل معينة علي طريقة »اتق شر الحليم إذا غضب»، وتسمي في بعض الأحيان »لغة جسد خشبية»، حيث تشتد فيها عروق الجسد وعضلات اليد في حالة الانفعال أو العصبية، وظهرت لغة الجسد العسكرية تلك لدي الرئيس في بعض الأحداث خلال العامين الماضيين، وكانت المرة الأولي مع حادث استشهاد جنودنا في حادث »كرم القواديس»، الذي استخدم فيه لغة الجسد التحذيرية بأصابع يده الثلاثة علامة التهديد والوعيد»، ومعها نبرة الصوت الحادة، وتكرر الأمر ذاته مع كل حادث استشهاد. وتلمح رغدة السعيد إلي أن الرئيس كثيراً ما يستخدم إشارة قبضة اليد المغلقة أثناء حديثه، وهو ما ظهر جلياً خلال العام الثاني من حكمه، وهذه القبضة القوية تعني في لغة الجسد السيطرة، وإن كان يستخدمها أحياناً كرسالة للشعب وخصوصاً حين يتحدث عن الجيش، كأنه يقول إننا جميعاً كمصريين »يد واحدة». وتحمل خطاباته وأحاديثه للشعب الكثير من الرسائل الضمنية، وفي إحدي المرات قال عبارته الشهيرة »ماتسمعوش كلام حد غيري»، وكان وقتها يتحدث عن الشائعات التي يروج لها البعض. وتتحول الخبيرة المعروفة إلي نقطة أخري مهمة وهي الأحاديث المرتجلة للرئيس، حيث تقول: الرئيس السيسي أفضل في الارتجال الحر وأكثر وصولاً إلي وجدان الجماهير مقارنة بقراءته للخطابات المكتوبة، لكن كما تقول رغدة السعيد بشرط عدم الإطالة والإسهاب في الارتجال، لأن الإطالة عموماً تصيب المتلقي بالملل خاصة إذا كانت وتيرة الصوت واحدة، وهذا بالنسبة لأي شخص عموماً، إلا إذا كان الشخص محبوباً ويتمتع بكاريزما أو يتحدث في أمر مهم بالنسبة للمستمع. وتعقد رغدة السعيد مقارنة بين أحاديث الرئيس خلال العام الأول من حكمه والعام الثاني، حيث تقول إن أول حديث له بعد توليه الحكم حين قال إنه سيظهر في حديث شهري موجه للشعب، ظهر جالساً علي كرسي في مكتب، وتراوح الحديث بين الارتجال والقراءة من حديث مكتوب، كما أن المونتاج لم يكن جيداً وكذلك التصوير، ما أدي إلي قطع موجة التواصل مع الناس، كما أنه لم يحرك يده أثناء الكلام إلا قليلاً. تضيف: تدريجياً وبمرور الوقت تحسن الوضع كثيراً، ربما لعدم وجود لقاءات مسجلة ورتيبة، حتي أنه بعد هذا الحديث »المتلفز» الأول، ظهر كثيراً في فعاليات مختلفة وتحدث بشكل مباشر للشعب، مثل المؤتمر الاقتصادي وحفل افتتاح قناة السويس الجديدة الذي ظهر فيه مع طفل صغير وكأنه يبعث رسالة واضحة مفادها أنه مع الشعب. وتشير إلي أن الجانب الحسي في شخصية الرئيس ظهر أكثر ما ظهر في تلك المرة التي كان مرتدياً فيها زيه العسكري وأعلن ترشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية. وتقول: بوجه عام فإنني كخبيرة في قراءة وتحليل لغة الجسد أري أن الخطابات الطويلة التي تركز علي الجانب العاطفي سلاح ذو حدين، فمنذ 60 عاماً وخطابات الرؤساء منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر 70% من مضمونها يخاطب العاطفة لدي الناس، لكن الشعب الآن تغير وأصبح لديه إدراك بدرجة أكبر، ولم يعد عاطفياً بالشكل الكامل الذي كان عليه في السابق، وبالتالي فإن سماع خطاب طويل أمر لم يعد ذا جدوي، وأنا شخصياً أري أن الخطابات القصيرة للرئيس السيسي كانت أنجح، سواء كانت ارتجالية، أو تمزج بين القراءة من كلمة مكتوبة وبين الارتجال، لافتة إلي أن أقصر خطاب للرئيس كان في جامعة القاهرة، إلي جانب خطاب آخر قصير زمنياً وهو الخطاب الذي ألقاه في الأممالمتحدة حيث كان لكل دولة وقت محدد. وتؤكد أن الرئيس السيسي حالياً وبالمقارنة ب»سنة أولي حُكم» اختفت من عنده السقطات وأدرك ما الذي يحب الشعب أن يسمعه، لذلك نجده خلال أحاديثه الأخيرة عموماً يتحدث عن الإيجابيات وعن المشروعات التي تم تنفيذها أو الجاري إنجازها، ونجده أيضاً يرد علي ما يُروَّج من شائعات، بل ويجري مداخلات تليفزيونية مع برامج ( مداخلتان مع الإعلامي عمرو أديب واثنتان مع الإعلامي أسامة كمال)، لتوضيح بعض الأمور والحديث عما تحقق من إنجازات. تتابع: الرئيس أضحي أكثر تمكناً من أدائه بفضل الخبرة التي اكتسبها خلال هذين العامين، وهو ما انعكس علي وجود تطور طبيعي في لغة الجسد عنده، وكذلك ثباته الانفعالي الواضح وثقته الكبيرة في نفسه، كما أضحي أكثر كفاءة علي مستوي مهارة القراءة فيما يتعلق بالخطابات المكتوبة. والسيسي من الصعب أن يخفي انفعالاته، حيث تقول الخبيرة رغدة السعيد إن خط الانفعالات لدي الرئيس السيسي واضح، فمن السهل من حديثه أن تعرف ما إذا كان »زعلان» أو »شايل الهم»، وهو ما ظهر بوضوح بالنسبة لخبراء لغة الجسد، منذ المشهد الذي ظهر فيه واضعاً يده علي ذقنه في آخر خطاب للرئيس المعزول محمد مرسي، فأنا وقتها قلت إن السيسي يظهر بهذا التصرف إنكاراً ورفضاً لما كان يحدث وقتذاك، وهو ما نسميه في لغة الجسد ب»الإشارات السلبية».