الاعتصامات الطلابية مازالت مستمرة إلي أين تتجه الجامعات المصرية؟!.. سؤال أصبحت الإجابة عليه ضرورة ملحة في الوقت الحالي..والإجابة لا يبحث عنها أعضاء هيئات التدريس والطلبة فحسب وإنما المجتمع ككل..في ظل حالة الانفلات الذي تشهده العديد من الجامعات والكليات في المطالب والمظاهرات التي تجتاحها حاليا وخرجت عن السياق الذي انطلقت من أجله وأصبح رفض الحوار هو السمة الأساسية والرابط الذي يجمعه..كما انهالت المطالب العادلة بين المطالب الخاصة والفئوية.. وأصبح الصوت العالي هو السائد:فإما أن تجاب المطالب وإما لا تراجع..مما ينذر بحالة من الفوضي.. كيف نصل الي منتصف الطريق وتتلاقي فيه كل الأطراف ونمنع الجامعات المصرية من الانزلاق إلي الفوضي؟.. إنه من الإنصاف القول إلي أن الجامعات المصرية قبل أحداث ثورة25يناير لم تكن بعيدة عما يجري في المجتمع من فساد وذلك شأنها شأن الكثير من القطاعات التي كان الفساد يستشري فيها بشكل شبه ممنهج.. وهنا نشير إلي " التقرير السنوي الأول للحرية الأكاديمية" والذي أصدرته مؤسسة "حرية الفكر والتعبير" وفيه توثيق لأوضاع الجامعات المصرية خلال العامين الدراسيين2010-2009) ). ففيما يتصل بما تعرض له الطلاب من تدخلات أمنية وتعسف إداري فقد شهدت تلك الفترة تعرض85 طالبا من طلاب الجامعات المصرية للقبض من قِبل الجهات الأمنية حيث تراوحت مدد احتجازهم، ما بين أربعة أيام، إلي خمسة عشر يومًا، إلا أن بعضا منهم قد صدر بحقهم قرار بالاعتقال، مما جعلهم يمكثون مددا وصلت في بعض الأحيان إلي ثلاثة أشهر..وخضع161 طالبا للتحقيق، كما تعرض135 طالبا لمجالس التأديب، وقد وصلت العقوبات إلي الفصل إضافة إلي الحرمان من دخول الامتحانات في مادة أو مادتين هذا إلي جانب صدور 119 قرارًا، من عمداء الكليات، تتضمن حرمان الطلاب، من دخول مادة أو مادتين من مواد الفصل الدراسي الثاني، دون إجراء أية تحقيقات مع الطلاب. كما رصد التقرير الممارسات السلبية التي شابت انتخابات عدد من نوادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعات إلي جانب انتخابات الاتحادات الطلابية والتي جعلت من ممارسة الحق في التنظيم أمرًا عسيراً فقد اعتمدت العملية الانتخابية علي آلية شطب واستبعاد المرشحين وكانت تلك هي السمة العامة في6 انتخابات للأندية ب6 جامعات مختلفة وحسمت الانتخابات بالنوادي الستة لصالح الأساتذة الذين تدعمهم إدارات الجامعات. ولم يختلف الوضع بالنسبة لانتخابات الاتحادات الطلابية إذ ارتكزت علي نفس الآلية وكانت تأتي الغالبية العظمي من قيادات اتحادات الطلاب بالجامعات المصرية عبر التزكية والتعيين من قِبل إدارة الجامعة والأمن.. وقد رصدت المؤسسة عددًا من القرارات الإدارية، اتسمت بشكل أساسي بالعشوائية وعدم مراعاة مصالح الأطراف المختلفة سواء كانوا من أعضاء هيئة التدريس أو الطلاب وتتراوح هذه القرارات ما بين إحالة أعضاء من الهيئة المعاونة إلي وظائف إدارية أو استبعاد من التعيين وأحيانا تتعدي ذلك لتصل لإلغاء كلية أو ضمها إلي كلية أخري أو تحويلها إلي معهد أو إلغاء قسم علمي وبالتالي تغيير مصير الآلاف من الطلاب.. وهو ما من شأنه التأثير سلبًا علي ممارسة الحق في التعليم..هذا بالإضافة إلي عدد من مظاهر التعدي علي استقلالية الجامعة والتي من شأنها التأثير سلبا علي حق عضو هيئة التدريس في التمتع بالحرية الأكاديمية. لكن ومع تسليمنا بصحة ما سبق بل ولا نزايد إذا قلنا إن هناك تجاوزات تفوق ما رصده التقرير السابق..إلا أن الأمر تجاوز عدالة مطالب الطلاب والأساتذة..واختلطت الامور..وهنا نذكر نموذجين علي سبيل المثال لا الحصر: ففي أزمة كلية إعلام القاهرة والتي وصلت إلي طريق مسدود..في ظل تشدد كل رأي برأيه وعدم الجلوس للحوار. ووصل التجاوز في كلية حقوق الزقازيق إلي قيام الطلبة بوضع ما أسموه ب"قائمة سوداء بأسماء أساتذة الكلية غير المرغوب بهم..وطالبوا بعزلهم أو منعهم من مزاولة المهنة لهؤلاء الأساتذة..وحجتهم في ذلك أن هؤلاء الأساتذة يقومون بوضع امتحانات أعلي من مستوي الطالب المتميز!!.. علي الطرف الآخر تقف القيادات الجامعية متمسكة بحقها في البقاء..ومنهم من يقول ليس كل من وصل إلي المناصب القيادية في الجامعات خلال السنوات الماضية فاسد أو عميل للأمن والنظام البائد. وبغض النظر عما سبق فإنه يمكن إجمال مطالب الطلبة تتمثل في تعديل اللائحة الطلابية وتنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا والخاص بتأييد الحكم الخاص بطرد الحرس الجامعي من الجامعات المصرية.. مع إرساء مبدأ حق الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في أن يكون لهم حق القبول أو الاعتراض علي كافة القرارات التي تخص شئون الجامعة.. أما الأساتذة فإنهم مع ضرورة التأكيد علي أهمية العمل علي ترسيخ مبادئ الاستقلال داخل الجامعات التي تقوم علي مبدأ إعمال آلية الاختيار الديمقراطي الحر لجميع المناصب الإدارية.. وتحسين مستوي دخول أعضاء هيئات التدريس وذلك من خلال إقرار كادر جديد لمرتبات أعضاء هيئات التدريس والهيئة المعاونة بالجامعات وتحقيق استقلال الجامعات ماليا وإداريا بشكل ملموس وواقعي.. وبعد كيف نخرج من هذا المازق؟..وكيف نمنع الجامعات من الانزلاق إلي الفوضي؟!.. الحل طويل الأمد من وجهة نظر"الدكتور عبدا لله سرور..أستاذ التربية بجامعة الإسكندرية وعضو اللجنة القومية للدفاع عن الجامعة" يتمثل في إقرار قانون جديد للجامعات للخروج من أزمة تعيين القيادات الجامعية سواء بالانتخاب أو التعيين.. لكنه يعود ويقول:إن الدعوة لانتخاب القيادات الجامعية في التوقيت الحالي غير ذي جدوي لأكثر من سبب مثل ضيق الوقت..واقتراب العام الجامعي من الانتهاء..كما أن القانون الحالي المنظم للجامعات رقم49 لسنة1972)) لا ينص في مواده علي انتخاب القيادات الجامعية وبالتالي فالانتخاب لا سند له في القانون..وعليه فعلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة إصدار قرار بتعديل قانون الجامعات الحالي لحين إجراء انتخابات مجلس الشعب وبدئه لعمله لإقرار هذا القانون بشكل نهائي.. لكن"الدكتور حسين عويضة..رئيس المؤتمر العام لأندية أعضاء هيئات التدريس ورئيس نادي أعضاء هيئة تدريس جامعة الأزهر" يري في كل من اختيار القيادات الجامعية سواء ب"الانتخاب" أو "التعيين" مفسدة..فمن وجهة نظره: طبقا للدستور فإن وزير التعليم العالي هو من يسأل أمام مجلس الشعب عن أي أخطاء أو تجاوزات تقع في أي جامعة..كما أنه المسئول عن مناقشة أي موضوعات تتعلق بالجامعات..وبالتالي فإن انتخاب القيادات الجامعية سيسقط مبدأ المحاسبة الدستورية للوزير أمام مجلس الشعب..ولا يتم محاسبته عن أخطاء أو تجاوزات ارتكبتها قيادات جامعية لم يشارك في اختيارها..وسيصبح رئيس الجامعة هو المسئول..كذلك عملية"الانتخابات"قد تتدخل فيها عناصر غير موضوعية..والحل هو اختيار القيادات الجامعية وفقا لمبدأ »الأقدمية المطلقة« ولمدة واحدة فقط مدتها عامان ليتولي كل من لم يصبه الدور جميع المناصب القيادية..وهذا النظام معمول به في جميع دول العالم..لأن الأقدمية تكفل الاستفادة من الخبرات التي لا يمكن تجاهلها..كما أن مدة العامين ستكون بمثابة ضمانة لعدم المكوث في المنصب طويلا.. ويتفق مع هذا الاتجاه أحد شيوخ أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة وهو"الدكتور ثروت بدوي..أستاذ القانون الدستوري بكلية حقوق القاهرة"والذي يقول: إن الإقالة أو الاستقالة هي الحل الوحيد للخروج من أزمة الاعتصامات الحالية..لكن يمكن الإبقاء علي بعض رؤساء الجامعات وعمداء الكليات الحاليين لحين البدء في العام الجامعي الجديد..واستكمال الفصل الجامعي الحالي وفقا لبعض القواعد المؤقتة يلتزم بها الجميع بدءا من رئيس الجامعة وانتهاء بالطلاب.. والحقيقة أنه من الضروري وجود نظام جديد يحكم الجامعة..يكون معيار اختيار القيادات فيها هو الكفاءة والأقدمية. ومن جانبه يقول"الدكتور عمرو عزت سلامة.. وزير التعليم العالي والبحث العلمي":نحن حريصون في هذه الفترة علي اتخاذ كافة الإجراءات التي تكفل انتظام العملية التعليمة بجميع الجامعات والمعاهد طبقاً لما تقتضيه مصلحة الطلاب.. وأن جميع القيادات الجامعية ليست جزءاً من النظام السابق وإنما تمارس مهامها المكلفة بها بكل شرف وأمانة لبناء مستقبل مصر وشبابها..ولقد تم فتح الحوار مع القيادات وأعضاء هيئة التدريس والعاملين في كل الجامعات للوصول إلي أنسب أسلوب تولي القيادات الجامعية الجديدة بما ينعكس علي الارتقاء بمستقبل العملية التعليمية طبقاً لأحدث النظم العالمية ..وسوف تقوم وزارة التعليم العالي بإرسال التصور الذي انتهت إليه اللجنة المشكلة لدراسة أسلوب اختيار القيادات الجامعية للجامعات لطرحه للمناقشة علي أعضاء هيئة التدريس..