تعلمنا من دروس التاريخ أن العرب إخوة تربطهم لغة واحدة ودين واحد وعادات واحدة. بعضنا وعي الدرس وفهمه وبعضنا لم يستوعبه.. سقط من ذاكرته إما بفعل الجهل أو أفعال الساسة.. حتي فاجأتنا الأحداث الأخيرة بثورات عربية متعاقبة من تونس إلي مصر.. ومن ليبيا إلي اليمن.. تتوالي الثورات الغاضبة لتعيد من جديد دروس التاريخ وتذكرنا أن العرب جسد واحد يربطهم أيضا الهم الواحد والألم الواحد والمصير والهدف الواحد. انتحر بوعزيزي التونسي حرقا احتجاجا علي المهانة والقهر.. فثار الشعب التونسي علي الطاغية الذي حكمه بالحديد والنار.. ومن ثورته استمد شباب مصر الأمل.. انتفضوا ومعهم الشعب.. أعلن الجميع الغضب وطالب بإسقاط نظام فاسد.. ليلحق بقرينه الطاغية مشيعين بلعنات الشعوب وهتافاتها الرافضة. لم تمض أيام قليلة علي نجاح الثورة المصرية في تحقيق أولي أهدافها حتي اندلعت ثورة ليبيا.. كسر الشعب حاجز الخوف فطالب برحيل رئيسه المشكوك في سلامة قواه العقلية.. أكثر من أربعين عاما جاثما فوق الصدور.. متخبطا بسياسة حمقاء لاتقود إلا إلي الهلاك والدمار والخسارة يدفع ثمنها دائما الشعب ليزداد فقرا بينما يتمرغ صاحب الكتاب الأخضر في نعيم المجانين.. ويعد أولاده ليرثوا جنونه والبلاد من بعده. لم يختلف سيناريو تعامل النظام التونسي مع الثورة عن المصري عن الليبي.. بدءا من شعار »أنا ومن بعدي الطوفان« والدفاع بوحشية عن »الكرسي« باستخدام عصا الأمن ورصاصه ومولوتوفه.. ومرورا باتهام الثوار بالخيانة والعمالة وحمل أچندات خارجية وانتهاء بالخروج الذليل بعد إعلان ندم مصطنع.. بفهم بطيء جاء بعد فوات الأوان »لقد فهمتكم« التي قالها بن علي.. ولعب علي أوتار ومشاعر الشعب بإعلان الرغبة في الموت علي تراب الوطن »كما جاء علي لسان مبارك«.. ومازلنا في انتظار آخر كلمات »القذافي« والتي لن تخرج بأي حال عن كلماته الأخري غير المفهومة »زنقة.. زنقة«. وبين طاغية حكم بلاده بالحديد والنار.. مارس كل أساليب القهر والإذلال وبين فاسد ومفسد نهب ثروات بلاده بقلب ميت شارك وغض البصر عن لصوص تتكالبوا لاستنزاف خيرات بلد وحرموا منه أصحاب الحق.. وبين مجنون أو مدعي الجنون لم يتورع عن استخدام أبشع أساليب الزيادة عشرات الآلاف راحوا ضحية جنونه وتمسكه بكرسي الحكم وكأن لا حق للشعب في الاختيار وكأن لا حق لهم في قول »لا« أمام الديكتاتور الأحمق أما وقد جرؤ فهو يستحق إذن الموت. والإبادة فلا صوت يعلو فوق صوت الطغاة.. تعددت صور حكام العرب تختلف الرتوش قليلا لكنها تحمل نفس الملامح.. لتجعل هم الشعوب العربية واحدا وحزنها واحدا وتحركها في الخلاص أيضا واحدا. يفيض الكيل فتخرج الجماهير غاضبة صارخة في وجه الطغاة أن ارحلوا كفانا فسادا ونهبا وظلما وقهرا ومذلة وفقرا وخضوعا.. اغربوا عن وجوهنا فقد حانت ساعة الرحيل.. لن تنفعكم عروشكم ولا أموالكم ولا أولادكم الذين أردتم أن تورثوهم شعوبكم.. لن تخفف عنكم كلمات زوجاتكم بعد أن تأكد لكم أنها لم تدفعكم يوما سوي إلي الاقتراب من الجحيم. لن يعوضكم أولادكم بعد ما تأكدتم أن الله ابتلاكم بهم فتنة فعميتكم مصالحهم وشغلتكم طموحاتهم وأهواؤهم فحجبت عنكم آلام الشعوب ووأدتم أحلامها وآمالها. ندرك أن الندم ربما لن يعرف طريقه لقلوبكم الغليظة.. ونعلم أن كلا منكم سيدافع عن نفوذه حتي النفس الأخير .. لكننا نثق في القصاص العادل الذي سيناله كل منكم وربما يتأخر وربما نفشل في استرداد الأموال التي نهبتموها.. ربما تنحجون في الهرب أو النجاة بأجسادكم ويكفينا ما لحقكم من عار الفرار.. وعار رفض الدفاع عنكم أمام القضاء يكفينا أن التاريخ لن يذكركم إلا مصحوبا بالخزي واللعنة.. يكفينا ماينتظركم من قصاص السماء العادل.. يومها ستشعرون بالندم يوم لاينفع فيه الندم.. فسحقا لكم بما كنزتم وهنيئا لشعوبكم بما صبروا وثاروا فما أجمل أن تشعر بالحرية بعد رحيلكم.. أن تنطلق أصواتنا عالية.. ألا تخشي في الحق لومة لائم.. أن نتحرر من خوفنا وتحطيم قيود ضعفنا.. أن نتحرر من سوط المعز وسيفه.. فلا يرهبنا السوط ولايجذبنا الذهب.. ما أجمل الشعور بالحرية بعد طول انتظار.. سيعلو صوتنا بها ولن نكف فقد كرهنا جميعا الصوت الواطي.