لم يكن أكثر المتفائلين تفاؤلا يتصور أن يأتي يوم يشعر فيه بهذه الحرية عندما يذهب إلي صندوق الاستفتاء ويطمئن إلي عدم تزوير صوته.. كنا نتصور أنا وجميع أبناء جيلي أن الحرية والديمقراطية دربان من الخيال أو نوع من أنواع الرفاهية التي لا يستحقها أبناء هذا الشعب.. شاهدت يوما أثناء زيارتي إلي فرنسا الرئيس الفرنسي السابق في أحد شوارع العاصمة باريس داخل سيارته بدون موكب رئاسي وموتوسيكلات علي الجانبين إلا دراجة بخارية واحدة فقط بينما تقف سيارته في إشارة المرور مثل باقي السيارات قلت لنفسي هذه هي الديمقراطية التي أتمناها لبلادي . جاء رسول »كسري« باحثا عن قصرامير المؤمنين عمر بن الخطاب الرجل الذي اهتزت له العروش فوجده نائما تحت الشجرة بلا خوف بلا قصر أو حراسة فردد قائلا "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر".. تلك هي أصدق صور العدالة والديمقراطية التي إن تمسك بها الحاكم فلن يجد حاجة إلي حراس وأمن وموتوسيكلات. تذكرت تلك الأحداث بينما كنت استعد بكل همة ونشاط للنزول للإدلاء بصوتي في الاستفتاء علي تعديل مواد الدستور. والحق يقال إن المرة الأولي التي دخلت فيها إلي لجنة الانتخاب كانت في العام قبل الماضي عندما أصرت ابنتي خريجة الاقتصاد والعلوم السياسية علي ممارسة حقها ولم تقتنع بكلامي عن التزوير متأثرة بما تردد علي مسامعها في المحاضرات بالجامعة من ضرورة ممارسة حقها في الإدلاء بصوتها وذهبت معها مضطرا، وكانت فرحتها كبيرة عندما أدلت بصوتها الذي أقره الدستور وكانت تتصور أن صوتها لن يتم تغييره(!). تعجبت ابنتي عندما وجدت حماسي واهتمامي هذه المرة عند ذهابي إلي الاستفتاء يوم السبت الماضي وعندما سألتني أجبتها لأننا نعيش الآن في حرية حقيقية صنعتها دماء الشهداء في ميدان التحرير والجرحي الذين مايزالون يعانون من جراحهم بسبب بطش النظام الحاكم.. جميعنا الآن يعيش سنة أولي ديمقراطية في مدرسة مصر الحرية.. جميعنا الآن يعيش تحقيق الحلم الذي طال انتظاره.. حلم أن تكون بلادي بلا فساد.. حلم أن تقول رأيك بلا خوف أو تزوير.. حلم أن تكون بلادك ملكا لك ولأولادك يعيشون عصر الحرية والعدالة.. اتمني أن أري رئيس مصر القادم يقف بسيارته في إشارة المرور بلا حراس.