ما بين مؤيد ومعارض، يجري السبت القادم 19مارس الاستفتاء علي تعديلات الدستور المصري التي أقرتها لجنة تعديل الدستور التي شكلها المجلس الأعلي للقوات المسلحة، بعد أن أصدر المجلس برئاسة المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس قراره بتشكيلها لتضم8 شخصيات يمثلون كافة الأطياف السياسية برئاسة المستشار طارق البشري وانتهت اللجنة من تعديل 8مواد بالدستور وإلغاء مادة وإضافة مادتين. جبهة المعارضة لإجراء الاستفتاء علي التعديلات الدستورية ليست قليلة وبدا ذلك واضحاً خلال جمعة الوحدة الوطنية الأخيرة بميدان التحرير، والتي شهدت كثرة في الأصوات المناهضة للتعديلات والاستفتاء عليها، حيث انتشرت لافتات حملت عبارات "لا لاستفتاء 19 مارس"، "لا للتعديلات الدستورية"، "الشعب هو من يكتب دستوره"، وهي الشعارات التي عبرت عن موقف العديد من الأحزاب والحركات برفض الاستفتاء علي التعديلات الدستورية. أما المؤيدون فيرون أن هذه التعديلات جاءت لتقضي علي الجرم والعوار والفضيحة القانونية التي لحقت بالدستور المصري عقب تعديله عامي 2005و2007 من خلال مجموعة من " ترزية القوانين" التي فصلت عددا كبيرا من مواد الدستور علي مقاس الرئيس السابق حسني مبارك ونجله جمال لتصبح المادة 76 من الدستور المتعلقة بشروط الترشح للرئاسة بعد تعديلها في خدمة التمديد لمبارك أو توريث الحكم لنجله جمال بعد إزاحة الشخصيات المؤثرة (المستقلين) من طريقهما، علي أن تكون المنافسة في الانتخابات الرئاسية شكلية نتيجتها معروفة سلفاً. انتفاضة 25 يناير جاءت لتقضي تماماً علي ما قام به هؤلاء الترزية من خلال اختيار التعديلات التي أعلنتها اللجنة وشهدت عددا من التحفظات وعدداً من القبول والموافقة من قبل القانونيين، لدرجة أن البعض تمني أن يلغي الدستور الموجود نهائياً ويتم وضع دستور جديد، والبعض الآخر يري أن هذه المواد التي تم تعديلها كافية لهذه المرحلة. 8سنوات فقط تضمنت التعديلات الجديدة التي أعلنها المستشار البشري اختصار مدة رئيس الجمهورية علي دورتين متتاليتين مدة كل منهما 4 سنوات، ولا يحق له الترشح مرة أخري مدي الحياة، وألا يقل سن الرئيس عن 40 عاماً وبدون حد أقصي. وتضمنت أيضاً أن يكون رئيس الجمهورية مصريا ومن أبوين مصريين وعدم حصول أي منهم علي جنسية أخري بخلاف الجنسية المصرية وألا يكون متزوجا من أجنبية. مشيرا الي أن الهدف من التعديلات في هذه المادة هو التقليل والتخفيف من الشروط التي يجب توافرها في الشخص المرشح لرئاسة الجمهورية، وتمثلت في ثلاث نقاط الأولي: أن يؤيد 30 عضوا علي الأقل من أعضاء مجلس الشعب الشخص المرشح لرئاسة الجمهورية، والثانية أن يحصل المرشح علي تأييد 30 ألف مواطن من 15 محافظة بما لا يقل عن 1000 مواطن من كل محافظة، والثالثة يمكن لأحد الأحزاب القائمة وله عضو واحد علي الأقل في أي من مجلسي الشعب والشوري "المنتخبين" ترشيح عضو من أعضائه لرئاسة الجمهورية. وأكد البشري قيام لجنة قضائية بالإشراف الكامل علي الانتخابات برئاسة رئيس المحكمة الدستورية العليا، وعضوية لجنة قضائية خماسية من محكمة استئناف القاهرة ومحكمة النقض ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية، كما تتولي جهات قضائية أيضا الإشراف علي اللجان الفرعية. وأشار البشري إلي أن الاستفتاء علي الدستور الجديد سيكون بكافة محافظات مصر عن طريق بطاقة الرقم القومي وليس من خلال الجداول الانتخابية. ضمانات أمنية وتعليقاً علي هذه التعديلات أكد المستشار محمد عصمت يونس رئيس مجلس إدارة نادي قضاة بني سويف موافقة أعضاء المجلس علي التعديلات الدستورية الجديدة وقال إنها تلبي رغبات الشعب بكافة طوائفه ولكنه طالب المجلس الأعلي للقوات المسلحة بضمانات أمنية للمقار الانتخابية أثناء إجراء انتخابات الشعب القادمة حتي يستطيع القضاة مباشرة أعمالهم دون التعرض لأي من الضغوط ضمانا لإجراء انتخابات نزيهة. وأشار المستشار محمد عصمت إلي موافقة الأعضاء علي إرسال بيان إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة برئاسة المشير حسين طنطاوي للمطالبة بإخطار قضاة بني سويف بضمان وتأمين المقار الانتخابية من قوات الجيش خاصة في ظل الظروف الحالية والوضع الأمني غير المستقر مما يعرض حياة القضاة للخطر ولايستطيعون تأدية رسالتهم أثناء سير العملية الانتخابية. غير كافية وعلي عكس ذلك يري الدكتور محمد نور فرحات، عميد كلية الحقوق بجامعة الزقازيق أن المواد التي عدلت حالياً غير كافية للمرحلة التالية للانتقال السلمي الديمقراطي، مؤكداً أنها تؤمن فقط انتخاب رئيس جمهورية جديد مشيرا الي أنه كان يجب علي اللجنة أن تضيف مادة انتقالية لتجبر هذا الرئيس عقب انتخابه علي تشكيل جمعية تأسيسية وطنية لوضع دستور جديد للبلاد. وأضاف أن عدداً من مواد دستور 1971 تتيح صلاحيات وسلطات واسعة لرئيس الجمهورية دونما وضع آليات قانونية محددة للمساءلة، مشيراً إلي أن الاستمرار بالعمل بهذا الدستور سيبقي صلاحيات الرئيس السابق كما هي مما يكرر من المشكلات التي وقعت فيها البلاد ولا يزيل الطابع السلطوي لرئيس الجمهورية. ويطالب بتأسيس جمهورية برلمانية تجعل السلطة في يد حكومة مكونة من وزراء الأحزاب التي تحصل علي غالبية أعضاء مجلس الشعب، علي أن يكون منصب رئيس الجمهورية شرفياً ورمزاً لسيادة الدولة. وعن مسألة تأجيل التغيير الدستوري لما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، قال فرحات: نظراً لضيق الوقت أمام لجنة التعديل الدستوري الحالية فلن تستطيع تغيير الدستور بشكل تام، وبالتالي كان عليها أن تضع مادة انتقالية تعتبر ضمانة دستورية للشعب بأن يقوم رئيس الجمهورية القادم بالاستمرار في عملية التغيير الدستوري من خلال جمعية تأسيسية وطنية لتغيير الدستور، والهدف من ذلك هو عدم التسليم لعهود ووعود قد تتحقق وقد لا تتحقق، وخشية وصول رئيس جمهورية بصلاحيات مطلقة ولا يستمر في عملية التغيير الدستورية التي يطمح لها الشعب المصري بكل فئاته. المواد المشبوهة ويتفق الدكتور حازم عتلم، أستاذ القانون بجامعة عين شمس مع تعديلات اللجنة مؤكدا إن ما قامت به لجنة التعديل الدستوري من تعديلات حالية كاف لهذه المرحلة مضيفا أنه يجب الاستمرار في عملية التغيير الدستوري بعد خروج مصر من المرحلة الانتقالية، وأن دور اللجنة الحالية جاد وقوي ومقبول بشكل تام لدي مجتمع القانونيين في مصر وأضاف عتلم أن مسألة التغيير الدستوري تحتاج إلي وقت قد يطول أو يقصر، مؤكداً أنه ليس من السهل علي الإطلاق إجراء تعديلات دستورية واسعة في هذه المرحلة أو في وقت قصير، وأشار إلي أن هذا الوقت الحرج ملائم للبدء في تغيير المواد التي وصفها ب "المشبوهة" إلا أنه ليس ملائماً للتغيير التام في دستور البلاد. وأوضح أنه لابد من تغيير عدة قوانين خاصة بمباشرة الحقوق السياسية، مشيراً إلي أن مسألة تغيير الدستور مازالت خلافية بين القانونيين، إلا أنه من المؤكد الاتفاق فيما بينهم علي أن التعديل سيكون جذرياً وموسعاً بسبب صلاحيات رئيس الجمهورية، لافتاً إلي أن نظام الحكم الذي سيقبله الشعب هو ما سيحدد شكل دستور مصر في المرحلة المقبلة، قائلاً:مسألة تعديل أو تغيير الدستور تحتاج إلي توافق شعبي كما تحتاج إلي توافق بين القوي السياسية في البلاد، وأن نظام الحكم الذي ينبغي أن يقوم خلال المرحلة الجديدة المقبلة هو نظام يضمن تحقيق التوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بما يكفل التعاون فيما بينها لمصلحة البلاد لكن المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض يقول إننا لسنا في حاجة لمجلس شوري خلال المرحلة القادمة نظرا لغياب الأمن، مضيفا كيف نجري عدة انتخابات في غياب الأمن الأمر الذي يصعب حدوثه. ويعلق مكي علي التعديلات الدستورية التي انتهت منها اللجنة الدستورية المكلفة بتعديل المواد الدستوريحيث قال إن المادة 139التي أوجبت علي رئيس الجمهورية أن يقوم بتعيين نائب له خلال 60 يوما علي الأكثر من تاريخ مباشرة عمله، وإذا خلا المنصب "النائب" يقوم بتعيين نائب آخر علي الفور، ويشترط به ما يشترط به منصب رئيس الجمهورية من أن يكون من أبويين مصريين، وألا يكون هو أو أحد والديه حاملا لجنسية أجنبية، أو متزوجا من أجنبية، موضحا أنه يجب أن يوافق علي نائب الرئيس مجلس الشعب. وفيما يخص المادة "148" الخاصة بحالة الطوارئ، فإن التعديل يتضمن "أن يكون الإعلان عن حالة الطوارئ بعرضها علي مجلس الشعب خلال سبعة أيام فقط، ويدعي المجلس فورا للانعقاد إن لم يكن موجودا، وألا تزيد مدة حالة الطوارئ عن ستة أشهر، يقوم بعدها باستفتاء شعبي، ويتقرر من خلاله مدها، قال مكي إنها حققت تقدما كبيرا. في حين رحب الدكتور عصام العريان عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين بالتعديلات لأنها قامت بتلبية الكثير من المطالب التي نادت بها القوي السياسية المصرية منذ فترة طويلة وإن اللجنة اجتهدت اجتهادا كبيرا وقدمت اقتراحات " معقولة في غالبيتها" وأضاف أنه علي الرغم من ذلك فإن هناك بعض المآخذ علي تلك التعديلات من بينها إغفال النص علي حرية تشكيل الأحزاب وتأسيس الصحف والإبقاء علي المادة الخامسة من الدستور التي تحظر ممارسة أنشطة أو تكوين أحزاب علي أساس ديني بما يصطدم مع المادة الثانية من الدستور التي تنص علي أن الدين الرسمي للدولة هو الدين الإسلامي. وردا علي سؤال بشأن تكليف اللجنة بتعديل بعض المواد في الدستور وأنها ليست مخولة بإعادة صياغة كافة بنود الدستور، جدد العريان ترحيبه بالتعديلات التي تمت ووصفها بأنها معقولة ، مؤكدا ان الموقف الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين من تلك التعديلات سيتم صياغته وإعلانه في وقت لاحق. فيما دعا د.مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية رافضي التعديلات الدستورية إلي الإعلان عن رفضهم هذا بطريقة ديمقراطية بالذهاب إلي مراكز الاقتراع والاعتراض عليها وتعبئة الناس للتصويت بالرفض، بما يتناسب مع طرق التعبير الجديدة التي يجب أن تسود بعد 25 يناير. وقال السيد: "نتائج الاستفتاء يمكن أن توضح لنا ما إذا كنا سنسير علي طريق تعديل الدستور أم تعطيله تماماً ووضع دستور جديد، مشيراً إلي أنه حتي لو لم تكن النسبة الرافضة كبيرة وليست أغلبية ينبغي وضع ذلك في الاعتبار". وأيد السيد ما تبديه القوي السياسية من تحفظات علي الموافقة علي التعديلات الدستورية المقترحة علي دستور 71 الذي يعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية لا تشملها التعديلات، خصوصا أن رئيس الجمهورية سينتخب علي أساس هذه التعديلات. واعتبر أن الترتيب الأمثل للفترة الانتقالية يكون بإصدار إعلان دستوري يوضح دور المجلس الأعلي للقوات المسلحة في المرحلة الانتقالية وعلاقتها ببقية القوي، وأن تمتد الفترة الانتقالية بما يسمح بدستور جديد وأن تجري الانتخابات الرئاسية قبل التشريعية.. واقترح إنشاء مجلس للقوات المسلحة، يمثل فيه كل القوي السياسية والكيانات السياسية والنقابات بالإضافة للمجلس الأعلي للقوات المسلحة بما يسمح بمناقشة هادئة لمتطلبات المرحلة الانتقالية، ويكون معينا للمجلس الأعلي للقوات المسلحة ويجنبنا أي صراعات.