أكد الدكتور سيد خليفة رئيس قطاع الإرشاد بوزارة الزراعة أن تجميع الحيازات المُفكّكة وإعادة نظام الدورة الزراعية يُمكن أن يُحدِث طفرة في المنظومة الزراعية في مصر، لما يتيحه من إمكانية تطبيق الميكنة الزراعية، وما يترتب عليه من زيادة إنتاجية المحاصيل بنسبة 25%، كاشفًا في حواره ل «آخرساعة» أن التجربة التي نفذها القطاع لتوحيد الأراضي بمحافظات الصعيد، ضمن مشروع «بناء مرونة الأمن الغذائي» حققت نجاحًا بنسبة 70%، مشيرًا إلي أن الوزارة انتهت مؤخرًا من إقامة وحدات للإنذار المبكر لمواجهة الموجات الحارة خلال فصل الصيف، وأوضح خليفة أن هذه الوحدات تعمل علي توعية المزارعين بالمعاملات الزراعية اللازمة لمجابهة الحرارة والحد من الفاقد في المحاصيل. ما الاستراتيجية التي يقوم عليها قطاع الإرشاد الزراعي؟ - قطاع الإرشاد الزراعي يُعدُّ من أهم الأعمدة التي تقوم عليها وزارة الزراعة بجانب قطاعات الإنتاج والبحوث الزراعية. فهو يُمثل حلقة الوصل بين الوزارة والمُزارعين علي مستوي الجمهورية، لنقل آخر ما يتوصل إليه الخبراء من أبحاث في المجال الزراعي، بما يكفل تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية المُتاحة من الأراضي ومياه الري وتعظيم الاستفادة منها، عن طريق تطبيق الأساليب والمُعاملات الحديثة في الزراعة وطُرق الري. فهناك العديد من الأصناف التي يتم استنباطها لزيادة إنتاجية المحاصيل ورفع درجة مقاومتها للأمراض والآفات، غير الأصناف التي تواجه الجفاف ونقص المياه فهو يمثل أهمية كبيرة. وذلك عن طريق المُرشدين الزراعيين في مراكز الإرشاد التي يصل عددها إلي 220 مركزًا علي مستوي الجمهورية. لكن القطاع خلال السنوات الماضية عاني من معوقات كثيرة أدت لركوده. حدِّثنا عن المعوقات التي تسببت في ذلك؟ - تكمن المعوقات في نقص التمويل والعجز الشديد في عدد العاملين. فالقطاع الذي تأسّس داخل الوزارة عام 1957، كان يبلغ عدد العاملين فيه نحو 25 ألف مُرشد زراعي علي مستوي الجمهورية عام 1998، بينما كانت ميزانيته حوالي 48 مليون جنيه سنويًا. ولن يتخيل أحد أن هذه الميزانية تقلّصت إلي 220 ألف جنيه خلال عام 2016، بينما وصل عدد العاملين إلي 1800 مُرشد زراعي فقط. والواقع أننا نحتاج اليوم ما لا يقل عن 50 مليون جنيه سنويًا، وهو ما طالبنا به وزارة التخطيط والإصلاح الإداري أكثر من مرة. غير أن هناك 52 مركزًا إرشاديًا مخططا لإقامتها لخدمة مشروع المليون ونصف المليون فدان التي يتم استصلاحها حاليًا، هذه العملية ستحتاج ما يقرب من 200 مليون جنيه. إلا أنه رغم هذه الصعوبات بدأنا بتنفيذ استراتيجية جديدة للعمل في ضوء الموارد المُتاحة لتنفيذ مجموعة من المشروعات الزراعية، من خلال إعادة توظيف القوي البشرية ورفع القدرات الفنية للمُرشدين الزراعيين. ما أبرز المشروعات التي يُنفذها القطاع؟ - من أهم المشروعات التي نعدُّها مشروع «بناء مرونة نظام الأمن الغذائي»، وأعددنا حتي الآن نماذج لتنفيذه بأربع عشرة قرية في محافظات الصعيد منها سوهاجوأسيوطوقنا. كونها المحافظات الأكثر تأثرًا بالموجات شديدة الحرارة التي طرأت علي مصر بفعل التغيُّرات المُناخية، التي كان لها تأثيرات هائلة علي المحاصيل الزراعية والإنتاج الداجني والحيواني لدينا. هذا التأثير يطال بشكلٍ أساسي المحاصيل البستانية ومحاصيل الخُضر والفواكه، التي تأثرت بنسبة 15-20% جرّاء الموجة الحارة التي حدثت خلال فصل الصيف الماضي، غير التأثير علي القيمة التسويقية للمحصول لتغيُّر صفاته، ما سبّب خسائر فادحة للمُزارعين. وبخاصة ما تعرّض له محصول الموز في بعض مناطق الصعيد منها عدّة قُري بمحافظة قنا. لذا قُمنا باستحداث وحدات للإنذار المُبكر ضمن هذا المشروع لرصد التغيُّرات المناخية ومواجهة الموجات الحارة، تعمل علي توعية المُزارعين بالتأهب لهذه الموجات قبل حدوثها، ومجابهتها بالتوصيات الفنية اللازمة لذلك التي تصدر عن خبراء مركز البحوث الزراعية، وهي تتضمن تنفيذ معاملات خاصة في عملية الري منها تغيير مواعيد الري وكميات المياه وغيرها من التوصيات التي تحد من الخسائر المُحتملة في المحاصيل. وبالفعل انتهينا من تركيب وحدات متطوِّرة للإنذار المُبكر بمديريات الزراعة بخمس محافظات في الصعيد. كما شملت هذه النماذج أيضًا إقامة 1200 حقل إرشادي لمحاصيل القمح وقصب السكر والذرة الصفراء. ماذا تعني بالحقول الإرشادية؟ - الحقول الإرشادية عبارة عن نماذج للتنفيذ العملي لآخر ما يتوصل إليه خبراء الزراعة، حيث لا تقل مساحة الحقل الواحد عن فدان، يتم داخله تطبيق الأساليب الزراعية الحديثة باستخدام الأصناف الجديدة المستنبطة من البذور التي تسعي الوزارة لنشرها بين المُزارعين، حتي يتمكن المُزارع من مُعاينة النتيجة بنفسه، ما يؤثر بشكلٍ كبير علي درجة اقتناعه وتطبيقه لذلك. لكن للأسف أزمة تفتُّت الرقعة الزراعية التي نُعاني منها، تحد كثيرًا من إمكانية تطبيق آليات الزراعة الحديثة علي نطاق واسع. إلا أن المشكلة التي تواجه أي مسئول يقترب من هذا الملف الشائك تكمن في نظام المواريث، الذي يُعدُّ السبب الرئيسي لتفتُّت هذه الحيازات. ما جعل أمامنا تحديًا كبيرًا في إمكانية تجميعها، وهو ما يعمل قطاع الإرشاد علي تنفيذه بالفعل ضمن المشروع الذي بدأ بأربع عشرة قرية بمحافظات الصعيد ليصل إلي 27 قرية، لما حققته هذه التجربة من نجاحٍ كبير علي أرض الواقع. حدثنا عن هذه التجربة.. - بدأنا بتوعية المُزارعين في هذه المُحافظات بأهمية توحيد المساحات الزراعية والعوائد الاقتصادية المُترتبة عليها، والمُتمثلة في توفير مياه الري وزيادة إنتاجية الأراضي الزراعية. فإلغاء الحدود الفاصلة بين الحيازات المُفتّتة يكفل ضمّها إلي الرقعة الزراعية، وهذا من شأنه أن يزيد مساحتها بنسبة 10%. ولتحفيزهم علي المُشاركة في الزراعة بشكلٍ جماعي أمددنا المزارعين بالتقاوي والبذور والأسمدة والمبيدات وجميع مستلزمات الزراعة للعام الأول مجانًا. ونجحنا بالفعل في ضم مساحات تتراوح مابين 25 - 35 فدانا في كل قرية، لزراعة محاصيل القمح والذرة الرفيعة وقصب السكر. وفوجئنا في الدراسة التي أعددناها لقياس مدي نجاح التجربة بين هؤلاء المُزارعين أن 72% منهم استمروا في الزراعة الجماعية، نظرًا للمكاسب التي عادت عليهم حيث زادت إنتاجية المحاصيل بنسبة 25%. غير أنهم بذلك تمكنوا من تجاوز أزمات التسويق الفردي للمحاصيل ومواجهة استغلال التجار. ووجدنا أيضًا أن التجربة كان لها انعكاس اجتماعي إيجابي، فتجميع الحيازات ساهم في توطيد النسيج الاجتماعي والحد من الخلافات والنزاعات العائلية بين المزارعين في هذه المناطق. إلي أي مدي تؤثر عملية توحيد الحيازات علي المنظومة الزراعية لدينا؟ - هذه العملية من شأنها أن تُحدِث طفرة في المنظومة الزراعية في مصر، فلا بديل لنا عنها لفتح المجال أمام نُظم الميكنة الزراعية الحديثة التي تحتاج إلي مساحات ضخمة وتطوير الري الحقلي، من خلال مشروعات تنفذها الإدارة المركزية للأراضي والمياه التابعة لقطاع الإرشاد أيضًا. وهي المنوط بها وضع المعالجات اللازمة لمشكلات الري المُختلفة وارتفاع مستوي المياه وملوحة التُربة. كما تُعالج هذه العملية الخلل الذي حدث بتحرير السوق المصري وتحوُّل الزراعة إلي النظام الحر، ما أدي إلي عدم جدوي السياسة الزراعية بسبب تنوُّع الزراعات داخل المساحة الواحدة. بعد أن كانت تعتمد هذه السياسة في السابق علي نظام الدورة الزراعية التي تقوم علي تعميم محاصيل بعينها للزراعة علي مستوي الجمهورية حسب الاحتياج المحلي من المحاصيل، وهو ما كان يتم بدرجة عالية من الإحكام والانضباط.غير أننا نولي اهتمامًا كبيرًا بالمدارس الحقلية التي نتوسع في إقامتها بمختلف المحافظات. ما الدور الذي تؤديه المدارس الحقلية؟ - هذه المدارس نستهدف من خلالها إقامة دروس توعوية للمُزارعين، غير تدريب سُكان المناطق الريفية علي عمليات التصنيع الزراعي التي تُعدُّ عاملاً أساسيًا لتحقيق القيمة المضافة للإنتاج الزراعي. خاصة إذا عرفنا أن الفاقد في الحاصلات الزراعية تصل نسبته إلي 25%. وهناك تجارب قُمنا بتنفيذها في عدة مُحافظات التي تمتاز بمحاصيل بعينها، بدأناها بمركز ديروط التابع لمحافظة أسيوط، الذي يعدُّ المُنتج الأول لمحصول الرمان علي مستوي الجمهورية، وقمنا بإمداد المُزارعين بوحدات لإعداد عصير الرمان لتقليل الفاقد في المحصول. كما أنشأنا وحدات مُصغرة لتجفيف محصول البصل بقري محافظة سوهاج. بدأنا بمراكز دمنهور والحامول بمحافظة البحيرة وكفر الشيخ. غير وحدات تصنيع وفرز الألبان بالمراكز الإرشادية التي بدأنا بتدريب السيدات الريفيات عليها. فالمرأة الريفية تُشارك في الإنتاج والتصنيع الزراعي بنسبة 35%، وهو ما نعمل علي زيادته من خلال المدارس الحقلية التي استحدثناها للسيدات. هل تقتصر قنوات التواصل بين القطاع والمُزارعين علي الاتصال المباشر؟ - بالطبع لا يعتمد الإرشاد الزراعي بشكلٍ أوحد علي الاتصال المُباشر، خاصة في ظل ما نُعانيه من نقص في القوي العاملة. فهناك آليات أخري لإيصال الثقافة الزراعية وتوعية المُزارعين، وهي التي نعمل علي تطويرها من خلال إعادة هيكلة قناة «مصر الزراعية»، التي أُنشئت بالأساس لخدمة الفلاح وإعطائه حِزَم التوصيات الفنية الصادرة عن المُختصين. وبالطبع عانت هي الأخري من تدهور كبير في فترات سابقة، ما يجعل تحديث المضامين التي تُقدمها ضرورة لمواكبة التطوُّر في هذا المجال. وهناك خطة جديدة يتم إعدادها بالفعل لتنفيذ ذلك.