وضع الإسلام قواعد منظِّمة للتعامل مع كل مكونات الحياة، فلم يكتفِ بتنظيم حياة البشر فيما بينهم، بل عمل علي وضع قواعد أساسها الرحمة في التعاطي مع الحيوانات شركائنا علي هذه الأرض، وضرب الرسول صلي الله عليه وسلم المثل في التعامل مع الحيوانات، كيف لا والقرآن خصّ أكبر سوره باسم "البقرة"، وأخري متوسطة الحجم باسم "النحل"، فضلا عن سورة صغيرة باسم "الفيل". لذلك نهي الإسلام عن العبث بالحيوانات أو إيذائها أو تكليفها ما يشق عليها، والتشديد في النهي عن استخدام الحيوانات كألعاب فلا يجوز اتخاذها هدفا يرمي إليه، من أجل إشباع بعض المتع الرخيصة، كما يجب علي من يربي حيوانا ألا يجوِّعه والعمل علي توفير احتياجاتها والسهر علي راحتها الرفق بالحيوان وهناك الكثير من الأحاديث النبوية التي وضعت القواعد في التعامل مع الحيوان، منها قوله صلي الله عليه وسلم: "اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة"، وكان النبي يقرِّب الإناء من الهرّة لتشرب ثم يتوضأ بما بقي فيه من مياه، كما نهي الرسول عن إجهاد الحيوانات بلا طائل، فقال: "لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسي"، كما نهي عن إرهاق الدواب في العمل، وطلب بالعمل علي توفير الراحة والطعام الكافي لها. وضرب الرسول المثل في الرحمة عندما دخل بستانا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأي النبي صلي الله عليه وسلم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله فمسح دموعه، ثم قال: "من صاحب هذا الجمل؟"، فقال صاحبه: أنا يا رسول الله، فقال له: أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة التي ملكَك الله إياها، فإنّه شكا إليّ أنك تجيعه وتُدئبه (أي تتعبه)". وجعل الرسول صلي الله عليه وسلم جزاء رعاية الحيوان الجنة، في حديثه المشهور عن المرأة التي دخلت الجنة بعدما روت عطش أحد الكلاب، وأخري دخلت النار بعدما حبست قطة حتي ماتت عطشا، وقال صلي الله عليه وسلم: "مَن قتل عصفورًا عبثًا، عَجَّ إلي الله يوم القيامة، يقول: يا ربِّ، إنَّ فلانًا قَتَلَني عبثًا، ولم يقتلني منفعة". صلاة الأطفال وضع الإسلام قواعد واضحة في تعليم الأطفال ركن الصلاة، باعتبارها أحد أهم أركان الدين الإسلامي، واعتمد الطريقة الإسلامية علي منهج التدرُّج، خاصة أن الأطفال يقومون بأداء العبادات قبل مرحلة البلوغ من أجل التعوُّد فلا تكليف عليهم، لذلك كان النهج النبوي هو التحبيب في العبادات من أجل خلق أجيال من المؤمنين بعظمة الدين وإدراك جوهره. وضع الرسول صلي الله عليه وسلم بعض القواعد الأولية لترغيب الأطفال في الصلاة، كان أولها تركهم يقتربون منه في أثناء الصلاة، يلعبون أمامه فلا ينهرهم ولا يزجرهم، بل كان يحمل أحد سبطيه الحسن أو الحسين أثناء الصلاة، ومن هنا جاءت قاعدة بأن الأبناء في بداية طفولتهم لا يُنهرون ولا يُضربون إذا مروا من أمام المصلين أو يجلسون أمامهم وقد يبكون، فلا حرج علي الوالد أو الوالدة في حمل طفلهم في الصلاة، خاصة إذا لم يكن في البيت من يلاعبه ويلاطفه. وعندما يصل الطفل إلي سن السابعة تبدأ عملية تدريبه علي طقوس الصلاة الأساسية، ويفضل أن يكون ذلك بشكل عملي، أن يتعلم الطفل من والده أو والدته أثناء قيامهما بالوضوء أو الصلاة لكي تلتصق كيفية الصلاة في ذهن الطفل، بالتوازي مع تحفيظه سورة الفاتحة باعتبارها عماد الصلاة وعددا من السور القصار، كما يُفضّل اصطحاب الطفل إلي المسجد لأداء الصلاة والاختلاط بالمصلين. ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي ما قبل البلوغ، التي يفضل أن يتم الإلحاح فيها علي الطفل من أجل المواظبة علي الصلاة بشكل مستمر، ويري الكثير من خبراء التربية أن الأجدي البعد تماما عن أي وسائل عنيفة قد تتسبب في مشاعر سلبية لدي الطفل، فالعنف قد يؤدي إلي تشويه عقلية الأطفال ويخلق رد فعل عكسيا وربطا بين الضرب والصلاة فينفروا من الأخيرة، لذلك يُفضّل التمسك بسياسة الترغيب لا الترهيب. طلب العلم يعدُّ العلم ركيزة من ركائز الإسلام، فأول آية نزلت كانت }اقرأ{، وجعل طلبه فريضة، لذلك وضع الكثير من أصول طلب العلم، لكي تنعم به وتستخدمه في خدمة الناس والمجتمع، فرسول الله صلي الله عليه وسلم نهي عن طلب العلم حبا في الظهور والاستعلاء، فقال: "من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار". كما أن الإسلام لم يعرف التنظير والتشدق بعلم بلا عمل، بل جعل العمل قرينا للعلم، يقول عز وجل: }مثل الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ { الجمعة:(5)، فعلم بلا عمل لا يعوَّل عليه، كما أن العلم الصحيح هو الذي يقوِّي الإيمان بالله، فالعلماء هم أعرف الناس بالله وأتقاهم له، قال تعالي: }إنما يَخْشَي اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُور{ فاطر:(28). كما أن طلب العلم في الإسلام مرتبط بالتأدب مع الأساتذة وفقا للقاعدة الشهيرة "من علمني حرفا صرت له عبدا"، فالتأدب مع الأستاذ شرط من شروط طلب العلم، فلا يقبل الإسلام بطالب علم لا أدب له، فالعلم يزيِّنه الأدب والعمل وهي مكملاته الأساسية. الأمانة تعتبر الأمانة من القيم الرئيسية في الإسلام، إذ كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يُعرف قبل الإسلام بالصادق الأمين، بل إنه بعد إعلان نبوّته ظل معظم مشركي قريش يضعون عنده أموالهم ليحتفظ بها لهم أثناء سفرهم في تجارتهم في بلاد الشام واليمن ثقة في أمانته، بل إن أول إعجاب السيدة خديجة بنت خويلد به كان لأمانته التي لم تشهد لها قريش مثيلا. وضرب رسول الله صلي الله عليه وسلم المثل الحي في الأمانة، وصدع بالأمر الإلهي في قوله تعالي:}إنّ الله يأمرُكم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها{ النساء:(58)، عندما لم يتخل عن أمانته في لحظة مصيرية في تاريخ الإسلام، فالرسول الذي كانت تنكر قريش نبوّته وتسعي لقتله، لم تجد أفضل منه تضع عنده ودائعها، وعندما جاء الأمر الإلهي بهجرة النبي من مكة إلي يثرب في العام الثالث عشر من البعثة، ترك علي بن أبي طالب خلفه ليؤدي ما عنده من وديعة وأمانة لأصحابها. والأمانة لا تقتصر في الإسلام علي المال فقط، بل هي أمانة في كل تعاملات المسلم، فالأمانة تقتضي البعد عن الغيبة، والصدق في القول، وإذا استلفت أي شيء تكون نيتك أن ترجع الشيء لصاحبه، فمثلا من يستعير كتابا من مكتبة أو صديق عليه أن يعيده، بل تتعدي الأمانة إلي الأشياء المجردة فمن يأتمنك علي سره فلا تضيِّعه وتفضحه. ولأهمية الأمانة جعلها الإسلام من صفات المؤمنين، وجعل خيانة الأمانة من علامات المنافقين، في قول النبي صلي الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"، هكذا جعل الإسلام مكانة الأمانة لأنه أدرك أهميتها في بناء المجتمع وإشاعة السلام الداخلي بين أفراده.