هل ستظل أوروبا متماسكة؟ سؤال يتردد بقوة بعد اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل، الأسبوع الماضي، حيث قدم المجتمعون دليلاً دامغاً علي عجز القارة العجوز أمام أزمة اللاجئين، كما شهد الاجتماع مشاهد غير مألوفة بتراشق الإهانات والألفاظ البذيئة، والخلافات الحادة بين دول ترتبط بعلاقات صداقة وثيقة فيما بينها، علي غرار بلجيكا التي أغلقت حدودها مع فرنسا بسبب غابة كاليه التي يتسلل منها المهاجرون، وكذلك ألمانياوالنمسا اللتان تعيشان بروداً غير مسبوق في العلاقات بسبب الخلاف علي تقسيم حصة المهاجرين فيما بينهما، ومن جهة أخري اتهمت اليونان فيينا بأنها لا تتعاون معها ولا تقدم لها أي مساعدات في مسألة اللاجئين، فردت النمسا بأن أثينا تحولت إلي «فخ مهاجرين» وقعت فيه أوروبا بأكملها، فكان أن استدعت اليونان سفيرها من فيينا علي وجه السرعة. وزراء دول الاتحاد أكدوا إرداتهم في إيجاد "حلول أوروبية"، وفي استمرار نقل اللاجئين، كما قرروا أواخر عام 2015، من خلال الفحص والفرز في مراكز الاستقبال باليونان وإيطاليا أولاً، ولكن دول البلقان ودول وسط أوروبا، بدءا من النمسا، لم تتراجع عن قرارها أحادي الجانب، بعدم السماح للمهاجرين وحتي من حصلوا علي حق اللجوء إلا في أضيق الحدود، ولم يهتم أي من هذه الدول بأن ذلك يخالف اتفاقيات حرية الحركة والتنقل داخل منظومة الاتحاد، ما يجعل منطقة الشينجن برمتها مهددة بالسقوط، وهو ما عبر عنه المفوض الأوروبي لشئون الهجرة اليوناني ديميتريس أفرامبولوس بقوله "النظام بأكمله يواجه شبح الانهيار". صحيفة لوموند الفرنسية اليومية، نقلت عن عدة دبلوماسيين أوروبيين قولهم إن إيوناس موزاليس وزير داخلية اليونان كان غاضباً للغاية في أثناء الاجتماع، لأن النمسا لم تدعوه للتنسيق بخصوص إغلاق الحدود وهو ما فعلته مع دول البلقان دون إخطار بلاده، ووصف موزاليس ما فعلته فيينا بأنه "مسعي عدواني". وفي المقابل فإن النمسا ودول البلقان اتهمت اليونان بأنها لا تفعل ما ينبغي عليها أن تفعله لإيقاف اللاجئين، وعلي النقيض من موقف فيينا، أخذ وزير الدفاع الفرنسي برنار كازنوف ونظيره الألماني توماس دي مايتسيره،علي عاتقهما الدفاع عن أثينا بالقول إنها "بذلت الكثير من الجهد وركبت 4 نقاط مراقبة جديدة علي حدودها وجميعها تعمل بكفاءة ويجب مساعدتها بشكل أكبر". دبلوماسي أوروبي، فضل عدم ذكر اسمه، قال للوموند أيضاً: "عدة دول في الشرق شككت في الأرقام التي تعلنها وكالة فرونتيكس (وكالة لمراقبة الحدود )، واتهمت اليونان بأنها تسمح بإدخال مهاجرين مقابل حفنة من الدولارات وأنه ليس كل من تستقبلهم يستحقون اللجوء.. حقيقة الأمر أن النقاش تدني لدرجة مخيفة". أما وزيرة الداخلية السويسرية، سيمونيتا سوماروجا، فقالت " إن الرغبة في تحمل تبعات القرارات الجماعية تبدو ضئيلة للغاية بسبب ضغوط الرأي العام في البلدان التي ترفض استقبال اللاجئين"، لدرجة أن حكومات السويد والدانمارك والنمسا أعلنوا عدم انتظارهم لأي قرارات ستصدر من بروكسل.. الاقتراح الوحيد الذي لاقي ترحيباً وتفاعلاً من جميع الدول ال28 الأعضاء، كان إنشاء قوات مشتركة لمراقبة الحدود، وتم إعطاء البرلمان الأوروبي الضوء الأخضر لتجهيز تشريع إنشاء الكيان الجديد. من الملاحظ أن الحكومات الأوروبية تتصرف بحالة من الهلع والشلل في نفس الوقت، مع بلوغ عدد المهاجرين منذ يناير الماضي فقط 110 آلاف نازح من بينهم 102 ألف وصلوا عن طريق اليونان وحدها، ومن المتوقع تزايد الأعداد مع اقتراب فصل الربيع وتحسن حالة الطقس التي تشجع علي المضي سيراً نحو القارة العجوز، وهو ما دفع بعض الدول مثل النمسا إلي مخالفة اتفاقية جينيف الخاصة بحقوق اللاجئين كما رفضت استكمال القبول بحصتها اليومية من اللاجئين تحت وطأة ضغوط قوية من الرأي العام، وبذلك تجد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل نفسها وحيدة في الدفاع عن استقبال اللاجئين، لا سيما مع إعلان النمسا والمجر عن تنظيم استفتاء حول مشروع القانون الأوروبي الخاص باستقبال ونقل اللاجئين، وباتت ميركل تخشي علي مستقبلها السياسي ومصير حزبهاCDU حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي، في انتخابات محلية ستشهدها ألمانيا في الثالث عشر من مارس المقبل في ظل صعود اليمين المتطرف الرافض لاستقبال اللاجئين. الاتفاقية التي تم توقيعها مع تركيا في نوفمبر من العام الماضي للحد من تدفق اللاجئين باتت مجرد حبر علي ورق، لذا فإن المفوضية الأوروبية تقترح إقرار حزمة من المساعدات الإنسانية الجديدة لليونان، حيث إن هناك 1200 مهاجر (طبقاً لمنظمة أطباء بلا حدود)، و2000 في تقدير وزارة الداخلية اليونانية، عالقين علي الحدود مع تركيا، بسبب أن مراكز الاستقبال في أثينا لم يعد بها أماكن للمزيد، والوضع ذاته ينطبق علي الحدود مع مقدونيا حيث ينام المئات في الغابات وعلي قارعة الطريق. من جهته فإن وزير الدفاع اليوناني بانوس كامينوس أعلن عن 20 ألف مكان جديد في 4 معسكرات لاستقبال المهاجرين في شمال البلاد، ولكنه أكد أن بلاده لن تستطيع أن تقدم لهم الغذاء والأغطية والأدوية التي يحتاجها الأطفال لا سيما من يعانون حساسية في الصدر وضيقاً في التنفس. في النهاية فإن ما بين 1200 و2000 مهاجر يصلون يومياً لشواطئ بحر إيجه، ويتم إعادة ما يقرب من 40% منهم من حيث أتوا (لأنهم وافدون من المغرب والجزائر وأفغانستان والصومال) فيما يبقي من تبقي باليونان، أما السلطات المقدونية فإنها لا تسمح إلا بمرور 100 أو 200 مهاجر يومياً عبر حدودها بشرط أن يكونوا سوريين أو عراقيين ولا يملكون أوراقَ هوية.