كان لوصول الفيلم الأردني "ذيب" أو ذئب، إلي الترشيحات النهائية لأوسكار أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، صدي واسع المدي، بين كل من يعشق فن السينما، في عالمنا العربي، وهو من إخراج وتأليف الأردني الشاب ناجي أبو نوار، وقد حصد أكثر من خمس عشرة جائزة، من مهرجانات عدة، وكانت قمة ما وصل إليه، الترشح للأوسكار! "ذيب" يسبح في صفحات التاريخ والجغرافيا أيضاً،تبدأ أحداثه في أعقاب الحرب العالمية الأولي، حيث الدولة العثمانية، التي كانت تبسط نفوذها علي مناطق كبيرة من العالم العربي قد بدت تتهاوي وتضعف، بينما بدأت كل من إنجلترا وفرنسا تسعي، في تقسيم تركة الرجل العجوز" سايكس بيكو "تلك هي الخلفية التاريخية لأحداث ذيب، أما المساحة الجغرافية التي تتحرك فيها شخصيات الفيلم، فهي الصحراء الممتدة من جنوب الشام، إلي الحجاز، ومع المشهد الافتتاحي، سوف تتعرف علي ذيب الطفل "جاسر عيد" وهو الشخصية المحورية ومحرك الأحداث، وهو يقوم بإلقاء دلوه في بئر مياه، كي يسقي بعضَ الدواب، وسرعان ما نتعرف علي حسين الشقيق الأكبر، للصبي ذيب، وهو يقوم بتدريبه علي التعامل مع البندقية، وإصابة هدف غير متحرك، ولأن أي سيناريو احترافي لا يقدم تفصيلة مجانية، فيمكن أن تدرك بسهولة أن هذا الطفل الصغير الذي لا يزيد عمره عن عشر سنوات، سوف يستخدم السلاح في مرحلة ما، من السيناريو، شخصيات الفيلم قليلة، ومع ذلك فهناك زخم، وتلاحق في الأحداث، وبدخول ضابط إنجليزي إلي الحكاية، تبدأ تفاصيلها تتجه نحو منطقة التصعيد، يطلب الإنجليزي دليلاً يصحبه عبر الصحراء ليصل إلي نقطة ما، مقابل مبلغ من المال، سرعان مايقرر حسين أن يكون دليلاً للضابط الإنجليزي، ويصطحب معه آخر، ولكن الطفل الصغير ذيب، تتملكه حالة هائلة من الفضول وعشق المغامرة، فيلحق بشقيقه، رغم المشقة التي يتكبدها، ليروي فضوله في معرفة، ماذا يخبّئ الضابط الإنجليزي في الصندوق الغريب الذي يحمله معه في حرص شديد، وسرعان ما تتعرض القافلة إلي مهاجمة قطاع الطرق، وتتم حالة صدام وتبادل رصاص، بين الطرفين ينتهي بسقوط الضابط الإنجليزي صريعاً، أما ذيب فإنه يهرب من وابل الرصاص بصعوبة بالغة، ولكنه يسقط في بئر مياه عميقة أثناء الهرب ويقدم المخرج "ناجي أبو نوار" واحداً من أهم مشاهد الفيلم، وهي محاولات الصبي الصغير، الخروج من البئر، الذي كاد يغرق فيه، لولا غريزة البقاء التي تدفعه لتكرار المحاولة، حتي ينجح بعد جهدٍ مضنٍ في الخروج من البئر، ليجد شقيقه حسين جثة هامدة، يغطيها ذباب الصحراء، وتحوم حوله الصقور، فيقوم بدفنه مستخدماً الصخور، ويدرك أنه أصبح وحيداً تماماً في هذا الفراغ الشاسع وتلك الصحراء الممتدة، التي لا يعرف لها أولاً من آخر، ورغم كل هذا فإن فضوله يدفعه كي يعود إلي جثة الضابط الإنجليزي، ليبحث بين أشيائه، علي الصندوق الذي كان يخفيه بين أغراضه، ويفاجأ الطفل ذيب، بأن أحد قطّاع الطرق لا يزال علي قيد الحياة، ولكنه مصاب بطلقة في إحدي ساقيه، تمنعه من الحركة، بل يدرك أن هذا الشخص بالذات هو من قتل شقيقه حسين، ولأن كلاً منهما الرجل والصبي في حاجة للآخر ولو بشكلٍ مؤقت، فإنهما يتفقان ألا يخون أحدهما الآخر، حتي يصلا إلي بر الأمان، بل إن ذيب يساعد الرجل في استخراج الرصاصة من ساقه، قبل أن تلوث كل جسده وتؤدي إلي موته، ربما بحاسته الفطرية، أدرك أن بقاء هذا المجرم علي قيد الحياة، هو فرصته الوحيدة للنجاة، تستمر رحلة، بين القاتل والصبي، ينام كل منهما وعينه نصف مغلقة مثل الذئاب خوفاً من غدر وخيانة رفيق الرحلة، هل تعتقد أن ذيب يمكن أن ينسي ثأر شقيقه؟ وماهي اللحظة الفاصلة التي يتحينها، وهل يمكن أن ينجح فيما عزم عليه، أم أن القاتل سوف يسترد عافيته في مرحلة ما من الرحلة، ثم ينقض عليه ليلحقه بشقيقه حسين؟ تلك الأسئلة التي لابد أنها سوف تدور برأسك وتجعلك في حالة هائلة من الترقب والتوتر لمعرفة ماذا تخفي الأحداث! الطفل جاسر عيد من المواهب الاستثنائية، فهو يحمل وجهاً مليئاً بالانفعالات المكتومة التي لا تفصح عن حقيقة ما في صدره، والطريف أنه يواجه الكاميرا للمرة الأولي، وسوف تندهش من قدرته وموهبته الفطرية، علي تأدية كل المشاعر المتباينة، وكأنه محترف، والحقيقة أن السينما العالمية تولي اهتماماً كبيراً بوجود الأطفال، وتمنحهم مساحات عريضة في الأحداث، بعد فترة تدريب وإعداد، ومن باب الصدفة أن أحد أهم الافلام المرشحة لأوسكار أفضل فيلم room يعتمد بدرجة كبيرة علي موهبة الطفل جاكوب تريمبلاي، الذي قدم أداءً مبهراً، لشخصية "جاك" الذي وصل عمره إلي خمس سنوات، وهو يعيش مع أمه الشابة داخل غرفة مغلقة، عليهما، وكأنها زنزانة، لايري منها إلا شعاع الشمس، وقد اعتاد علي أن تكون مساحة الغرفة هي عالمه الذي يتحرك فيه فقط، وأن العالم الخارجي غير موجود بالمرة، حتي تأتي اللحظة الفاصلة، ويكون عليه أن ينقذ نفسه هو وأمه من هذا السجن المفروض عليهما، بخطة وضعتها الأم، ونفذها الطفل بإتقان، غير أن صدمة وجوده خارج الزنزانة تكاد تطيح بصوابه فلم يتوقع أبداً، أن العالم فسيحٌ ومتنوعٌ وشرسٌ إلي هذه الدرجة! الطفل جاكوب تريمبلاي حصل علي جائزة من نقابة الممثلين في أمريكا، ضمن جوائز كثيرة حصل عليها الفيلم، وهو الأمر الذي يدفعنا للسؤال عن تواجد الأطفال في أفلامنا المصرية! فبعد النجاح المبهر الذي قدمته الطفلة فيروز "رحمها الله" في الخمسينيات، بمساعدة المنتج والمخرج أنور وجدي، نستطيع أن نقول إن وجود الأطفال في أفلامنا كان مجرد استنساخ لحالة فيروز، يعني لابد أن يكون الطفل أو الطفلة يستطيع الغناء والرقص وكأنه لعبة للتسلية في الفيلم، ولم يخرج من هذه الدائرة المغلقة إلا المخرج كمال الشيخ الذي اختار طفلة لتلعب بطولة فيلم "حياة أو موت"، ثم قدم طفلة أخري هي إيمان ذو الفقار ابنة مريم فخر الدين في فيلم ملاك وشيطان مع رشدي أباظة وزكي رستم! وكانت الطفلة في كلا الفيلمين هي محرك الحدث، وعقدته الأساسية، ثم مرت سنوات ليقدم المخرج فطين عبد الوهاب الطفلة إكرام عزو في فيلم عائلة زيزي، مع مجموعة من النجوم بينهم فؤاد المهندس، وسعاد حسني وأحمد رمزي وعقيلة راتب، وكانت الطفلة التي يحمل الفيلم اسمها، هي الراوية التي تقدم الحدث والشخصيات من وجهة نظرها، وفي نهاية الثمانينيات من القرن العشرين قدم حسام الدين مصطفي الطفلة هديل خير الله في بطولة فيلم العفاريت الذي يعتبر أول ظهور سينمائي لعمرو دياب، ورغم أن هديل أصبحت الآن فتاة جميلة يافعة، غير أن الناس مازالت تناديها باسمها في الفيلم "بلية"، ولم يعد للأطفال وجود في أفلامنا المصرية إلا كمادة للترفيه والتندر، مثل الطفلة مها عمار في فيلم حرامية في كي جي وان، وبعدها ظهرت طفلة أخري هي منة عرفة مع أحمد حلمي في فيلمه ظرف طارق، ولم يتعد دورها أن تكون كمالة عدد، يغني لها أحمد حلمي، ويتحدث الجميع عنها دون أن تكون هناك استفادة حقيقية لوجودها سوي كونها طفلة لذيذة!! طبعاً صعب أن نتحدث عما قدمه تامر حسني مع الأطفال في أفلامه، والسبكي الذي قدمهم مثل المسوخ الآدمية، فأساء إلي طفولتهم وبراءتهم وكأنهن راقصات "مسخوطين" وكانت آخر طفلة يتم تقديمها في فيلم مصري هي مريم تامر التي قدمها المخرج الكبير داود عبد السيد في فيلمه قدرات غير عادية، وبالإضافة لمساحة تواجدها التي تساوي مساحة تواجد الأبطال بل تتفوق عليهم، فإن معظم الأحداث تدور حول قدراتها غير العادية بالفيلم، وهي فتاة موهوبة فعلاً، واستحقت الاهتمام من المخرج والإعجاب من الجمهور.