الرجوع إلي التاريخ قد يحل هذه المشكلة التي تبدو واضحة، عاكسة عمق الخلافات بين الكنائس المسيحية منذ قرون عدة، فمسيحيو مصر كانوا يحتفلون بعيد الميلاد في يوم 29 كيهك حسب التقويم القبطي، الموافق ليوم 25 ديسمبر من كل عام حسب التقويم الروماني الذي سمي بعد ذلك بالميلادي، وتم تحديد عيد ميلاد المسيح يوم 29 كيهك الموافق 25 ديسمبر وذلك في مجمع نيقية المسكوني المقدس الذي انعقد بحضور ممثلي الكنائس الكبري في العام 325م، بحيث يكون عيد ميلاد المسيح في أطول ليلة وأقصر نهار (فلكياً)، والتي يبدأ بعدها الليل في النقصان والنهار في الزيادة، إذ بميلاد المسيح (نور العالم) يبدأ الليل في النقصان والنهار (النور) في الزيادة ليكون معني ميلاد المسيح واضحا في أذهان رعايا الكنيسة. ووفقا لدراسة الأنبا إبرام، فقد استندت الكنائس المسيحية الكبري في ذلك علي ما قاله القديس يوحنا المعمدان المعروف عند المسلمين بالنبي يحيي عليه السلام- عن السيد المسيح: "ينبغي أن ذلك (المسيح أو النور) يزيد وإني أنا أنقص" (إنجيل يوحنا 30:3). ولذلك يقع عيد ميلاد يوحنا المعمدان، المولود قبل ميلاد السيد المسيح بستة شهور، أي في 25 يونيو، وهو أطول نهار وأقصر ليل يبدأ بعدها النهار في النقصان والليل في الزيادة. لكن في عام 1582م أيام البابا جريجوري بابا روما، لاحظ العلماء أن يوم 25 ديسمبر (عيد الميلاد) ليس في موضعه أي أنه لا يقع في أطول ليلة وأقصر نهار، بل وجدوا الفرق عشرة أيام. أي يجب تقديم 25 ديسمبر بمقدار عشرة أيام حتي يقع في أطول ليل وأقصر نهار ، وعرف العلماء أن سبب ذلك هو الخطأ في حساب طول السنة (السنة= دورة كاملة للأرض حول الشمس) إذ كانت السنة في التقويم اليولياني تحسب علي أنها 365 يومًا و 6 ساعات. ولكن العلماء لاحظوا أن الأرض تكمل دورتها حول الشمس مرة كل 365 يومًا و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية، أي أقل من طول السنة السابق حسابها (حسب التقويم اليولياني) بفارق 11 دقيقة و14 ثانية، ومجموع هذا الفرق منذ مجمع نيقية عام 325م حتي عام 1582 كان حوالي عشرة أيام، فأمر البابا جريجوري بحذف عشرة أيام من التقويم الميلادي (اليولياني) حتي يقع 25 ديسمبر في موقعه كما كان أيام مجمع نيقية، وسمي هذا التعديل بالتقويم الجريجوري، إذ أصبح يوم 5 أكتوبر 1582 هو يوم 15 أكتوبر في جميع أنحاء إيطاليا. ووضع البابا غريغوريوس قاعدة تضمن وقوع عيد الميلاد (25 ديسمبر) في موقعه الفلكي (أطول ليلة و أقصر نهار) وذلك بحذف ثلاثة أيام كل 400 سنة (لأن تجميع فرق ال11 دقيقة و 14 ثانية يساوي ثلاثة أيام كل حوالي 400 سنة)، ثم بدأت بعد ذلك بقية دول أوروبا تعمل بهذا التعديل الذي وصل إلي حوالي 13 يومًا، ولكن لم يعمل بهذا التعديل في مصر إلا بعد دخول الإنجليز إليها في أوائل القرن العشرين (13 يوما من التقويم الميلادي) فأصبح 11 أغسطس هو 24 أغسطس. وفي تلك السنة أصبح 29 كيهك (عيد الميلاد) يوافق يوم 7 يناير، (بدلا من 25 ديسمبر كما كان قبل دخول الإنجليز إلي مصر أي قبل طرح هذا الفرق)، لأن هذا الفرق 13 يوما لم يطرح من التقويم القبطي في الأصل، ومن هنا نشأ الخلاف في الاحتفال بيوم ميلاد المسيح. والطريف أن العام الميلادي لم يعرف بهذا الاسم إلا مؤخرًا، وتحديدًا في القرن السادس الميلادي، عندما نادي الراهب الإيطالي ديونيسيوس أكسيجونوس بوجوب أن تكون السنة (وليس اليوم) التي ولد فيها السيد المسيح هي سنة رقم واحد، وبدء التقويم بها، وكذلك بتغير اسم التقويم الروماني ليسمي التقويم الميلادي، باعتبار أن السيد المسيح ولد عام 754 لتأسيس مدينة روما بحسب نظرية هذا الراهب. وهكذا ففي عام 532 ميلادية، أي في السنة 1286 لتأسيس روما، بدأ العالم المسيحي باستخدام التقويم الميلادي بجعل عام 1286 لتأسيس مدينة روما هي سنة 532 ميلادية، وإن كان هناك بعض العلماء قد اكتشفوا أن المسيح ولد حوالي عام 750 لتأسيس مدينة روما، وليس عام 754 ولكنهم لم يغيروا التقويم حفاظاً علي استقراره، إذ كان انتشر في العالم كله حينذاك. وهكذا أصبح التقويم الميلادي هو السائد في العالم وسميت السنة التي ولد فيها السيد االمسيح بسنة الرب، وهذه السنة هي التي تنبأ بها أشعياء النبي في العهد القديم، وسماها سنة الرب المقبولة (سنة اليوبيل في العهد القديم) إشارة إلي سنوات العهد الجديد المملوءة خلاصا وفرحا بميلاد السيد المسيح. وجدير بالذكر أن الكنيسة الأرثوذكسية المصرية تمسكت بيوم 7 يناير، لأنه انتشر بين المسيحيين في مصر وبات في حكم المعتقد، كما أن التمسك بهذا اليوم أعطي الكنيسة القبطية مظهر التفرد والاستقلالية عن الكنائس الغربية، التي كانت ترسل العديد من البعثات التبشيرية مطلع القرن العشرين لإقناع الأرثوذكس المصريين بتغيير مذهبهم إلي المذاهب الغربية، كما أن تحول الكنيسة المصرية عن يوم 7 يناير قد يعطي تصورا خاطئا لدي البعض بأن الكنيسة المصرية علي خطأ في معتقداتها في مواجهة الكنائس الغربية. ويرتبط عيد الميلاد بتبادل الهدايا، إلا أن هذه الظاهرة لم تكن منتشرة في البداية، حتي ولم تكن كظاهرة حتي القرن الثامن عشر، عندما بدأت قصة سانتا كلوز "بابا نويل"، في الانتشار وشاركت بصفة تجارية ودعائية حتي صار تقديم الهدايا أحد الطقوس المهمة في عيد الميلاد في العالم كله. فكان الرومان يحتفلون بإله الضوء وإله الحصاد، ولما أصبحت الديانة الرسمية للرومان المسيحية صار الميلاد من أهم احتفالاتهم في أوروبا، وأصبح القديس (نيكولاس) رمزاً لتقديم الهدايا في العيد من دول أوروبا، ثم حل البابا (نويل) محل القديس (نيكولاس) رمزاً لتقديم الهدايا خاصة للأطفال. أما الصورة المعروفة لبابا نويل فقد ولدت علي يد الشاعر الأمريكي كليمنت كلارك مور، الذي كتب قصيدة "الليلة السابقة لعيد الميلاد"، لترسخ السينما فيما بعد شخصية بابا نويل في العقل الجمعي العالمي فلم يعد مقصورا علي معتنقي المسيحية فقط، فقد تأثر كثير من المسلمين في مختلف البلاد بتلك الشعائر والطقوس، حيث تنتشر هدايا بابانويل المعروفة في المتاجر والمحلات التي يملكها في كثير من الأحيان مسلمون، ليعيش الجميع في حالة من المودة والانسجام لتتحول الأعياد الدينية إلي فرصة للجميع لالتقاط الأنفاس والراحة من مجهود العمل تنطلق فيه ضحكات الأطفال البريئة وسط احتفالات الكبار. وتعد شجرة الميلاد من أشهر مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، وهي عادة شائعة عند الكثير من الناس، حيث تنصب قبل العيد بعدة أيام وتبقي حتي عيد الغطاس، وعندما نعود إلي قصة ميلاد السيد المسيح في الأناجيل لانجد أي ذكر لشجرة الميلاد، فمن أين جاءت هذه العادة ومتي بدأت؟. ويقول الدكتور حامد زيان، أستاذ التاريخ الأوروبي الوسيط، إن فكرة تزيين شجرة الميلاد بدأت في ألمانيا في أواخر القرون الوسطي حيث توافرت أشجار الصنوبر دائمة الخضرة، فعندما كانت ألمانيا يحكمها مجموعة من القبائل الجرمانية الوثنية كانوا يحتفلون بتزيين الأشجار ويتم تقديم ضحية بشرية علي إحدي تلك الأشجار للإله "ثور" إله الغابات والرعد. وفي عام 722م أرسل البابا بونيفاسيوس وفدا كنسيا لإقناع تلك القبائل للدخول في المسيحية، وشاهد الوفد تلك العادة من تزيين الأشجار وكان الدور علي ابن أحد أمراء القبائل للتضحية به إلا أنه استطاع الفرار ووقف فيهم خطيبا معلنا اعتناقه للمسيحية ومبينا لقومه أن الإله الحق هو إله السلام والمحبة الذي جاء ليخلص لا ليهلك، فدخلت القبائل في المسيحية وتم قطع الشجرة - التي كان سيذبح عليها الأمير- وزينوها ونقلوها إلي بيت الأمير، احتفالا بدخولهم المسيحية إلا أن مرور الزمن جعل الشجرة المزينة ترتبط بعيد الميلاد المجيد وأصبحت رمزا له.