كلية الطب حلماَ يراود الكثير من الشباب، لكنهم يواجهون بعد التخرج عقبات كبيرة تتعلق باستكمال دراساتهم العليا، فهناك حوالي 10 آلاف طبيب يتم قبولهم في كلية الطب سنويا، بينما أعداد المقبولين في الدراسات العليا سواء دبلوم أو ماجستير أو دكتوراه لا يتجاوز النصف، ما يعني حرمان جزء كبير من الأطباء من احتياج أساسي لمستقبلهم المهني، نظراً لحاجتهم للانتقال من مرحلة الممارسة العامة في أي مؤسسة طبية لمرحلة التخصص في مجال طبي معين. 11 ألف طبيب مسجل يتخرج منهم ألف سنوياً الدكتور طارق الجمال: نظام الزمالة خمس سنوات يحل المشكلة وفيما أرجع بعض المسئولين الأزمة إلي عدم وجود عدد كاف من الأساتذة للإشراف علي الأعداد المتزايدة من الطلاب، وضعف مخصصات التعليم الطبي، يشكو العديد من الدارسين من ارتفاع تكاليف الدراسات العليا، ما يثقل كاهل الطبيب حديث التخرج، علاوة علي عدم وجود معايير محددة لقبول الرسالة العلمية، فيتم تأجيلها عاما بعد عام دون أسباب واضحة. "آخرساعة" تواصلت مع المختصين لإلقاء الضوء علي هذه المشكلة التي تشكل مشرطاً يمزق الرداء الأبيض، وكانت البداية مع الدكتور مصطفي حجازي، طبيب بالجراحة العامة، وأحد الملتحقين بالدراسات العليا بجامعة عين شمس، حيث أشار إلي أن هناك صعوبة في التسجيل في الدراسات العليا بالجامعات إذا كان المتقدم من خارج كلية الطب ذاتها، أو من جامعة أخري. وأوضح أن الطبيب المبتدئ أو الحاصل علي درجة الماجستير يواجه عقبة في التسجيل الأولي في أي جامعة، فيدخل في دائرة مفرغة ريثما تقبل إحداها بالتسجيل فيها، وحتي إذا نجح في التسجيل فقد لا ينجو من تعنت بعض الأطباء المشرفين علي رسالته العلمية، فأنا كنت مسجلا في جامعة طب الأزهر، وأعددت رسالة الدكتوراه عن "الاكتشاف المبكر لسرطان الكبد في حالات التليف الكبدي في الصعيد"، حيث كان الهدف الأساسي من الرسالة محاصرة مرض سرطان الكبد في بدايته بحيث يكون حجمه أقل من 3 سم، وبالتالي يمكن استئصال جزء صغير من العضو المصاب، مايجنب المريض مضاعفات المرض. يتابع: قمت بتجميع نتائج الدراسة علي حوالي 200 مريض لديهم تليف في الكبد بعد إتمام التحاليل وعمل أشعة تليفزيونية لهم، وكذلك أخذ قياسات علي مؤشر الأورام الذي يظهر دلالات الأورام في الكبد، وبعد ذلك قمت بتحديد عدد المرضي الذين اتضح وجود سرطان الكبد لديهم، فكانت النتيجة اكتشاف أن ما نسبته 10% من المرضي مصابين بسرطان الكبد في كل 100 مريض، ونظراَ لأنني قمت بالدراسة العلمية في مستشفي تعليمي,تحملت كافة تكاليف الأشعة والتحاليل داخل المستشفي. يضيف: نتيجة تعنت الطبيب المشرف علي دراساتي العليا تم إبقاء رسالة الدكتوراه حوالي 6 سنوات، وذلك رغم تحمسه في بادئ الأمر لموضوع الرسالة، وبعدما فقدت الأمل في الحصول علي الدرجة العلمية، قمت إلي السفر إلي المملكة العربية السعودية، وبعد عودتي قمت بالتسجيل مجدداَ ولكن هذه المرة في جامعة عين شمس من أجل الحصول علي رسالة الدكتوراه في موضوع مختلف يتعلق بالفتق الجراحي لجدار البطن. ويؤكد الدكتور مصطفي أن الدراسات العليا تمثل عنق الزجاجة بالنسبة للطبيب المبتدئ، فالبكالوريوس الذي يحصل عليه الطبيب يتم تعيينه به فقط، ولكن لكي يرتقي إلي طبيب متخصص في استطاعته فتح عيادة لابد أن يحصل علي الماجستير، فالطبيب الصغير لا يتجاوز راتبه 2000 جنيه مع احتساب نوبات العمل، لذلك فالطبيب يعتمد في دخله علي العيادة ، فلو لم يأخذ درجة الماجستير علي الأقل لن يستطيع فتح عيادة خاصة به، و إذا قام بفتح عيادة بدون حصوله علي الدرجة العلمية قد يتعرض للمحاسبة القانونية من قبل النقابة. وقد عزا أحد شباب الأطباء - رفض ذكر اسمه - سبب الأزمة إلي عدم وجود نظام موحد للتسجيل علي مستوي الجمهورية فيما يتعلق بالدراسات العليا المؤهلة لمرحلة التخصص الطبي، ما يتسسب في معاناة الطبيب المبتدئ في بداية مشواره الأكاديمي، حيث أشار إلي أنه قد تقدم 3 مرات من أجل التسجيل في جامعات متعددة خاصة وحكومية، لأجل تقديم رسالة الماجستير في مجال جراحات العظام، ولكن في كل مرة كان طلبه يصطدم بالرفض دون أسباب مقنعة، حيث طالب بوضع ملامح خطة واضحة من أجل زيادة أعداد المقبولين في الدراسات العليا بكليات الطب وعدم وضع العراقيل أمام مستقبل الأطباء المهني. في حين أوضح الدكتور عاطف النقيب "طبيب نساء وتوليد" الذي يقوم حاليا بتحضير رسالة الدكتوراه عن "إعادة استخدام مخطط الولادة البرتوغرافي لتقليل نسبة الولادة القيصرية ومضاعفاتها" في جامعة عين شمس، أن التكاليف المادية الباهظة لموضوع الرسالة العلمية قد تكون في بعض الأحيان سببا في عزوف طبيب الدراسات عن الخوض فيها، حيث قال: كنت أرغب في تقديم موضوع رسالتي العلمية في مجال يتعلق بأورام المبيض، ولكن علمت أن هذا المجال بحاجة إلي تكاليف مادية ضخمة، لذلك قمت بتغيير موضوع الرسالة واختيار موضوع غير مكلف مادياَ، فالطبيب هو من يتحمل تكاليف اختيار موضوع الرسالة العلمية في النهاية، التي من الممكن أن تصل في بعض الأحيان إلي 100 ألف جنيه، فمن أين سيأتي بهذه المبالغ الطائلة! أما يحيي شاكر نقيب أطباء المنيا فقد أشار إلي أنه علي الرغم من أن وزارة الصحة كانت في فترة من الفترات قد تعهدت بالتكفل بمصروفات الدراسات العليا للأطباء، إلا أن القرارات مازالت تراوح مكانها ولم يتم تنفيذها حتي الآن، لافتا إلي أن مرحلة البكالوريوس في كلية الطب تعتمد في التعليم علي جزء نظري وجزء عملي، وبعد تلك المرحلة يكون التطبيق علي المريض من خلال التعامل المباشر معه، ولابد حينئذ أن يتم صقل مهارات الطبيب من خلال الدراسات العليا والمؤتمرات الطبية. ويري شاكر أن ضعف الاهتمام والإنفاق علي التعليم الطبي يعد جزءاَ أساسياَ من أزمة الدراسات العليا للأطباء، وشدد علي ضرورة زيادة ميزانية التعليم والصحة، بالتوازي مع زيادة حافز أعضاء هيئة التدريس في الجامعات. بينما أشار ياسر سليمان - وكيل كلية طب عين شمس للدراسات العليا - إلي أن أعلي نسبة تقدم للدراسات العليا علي مستوي الجمهورية هي في كلية طب عين شمس، حيث إن هناك مايقرب من 11 ألف طبيب مسجل في الدراسات العليا مابين درجات الماجستير والدكتوراه، يتخرج منهم ألف طالب كل عام. يتابع: بينما تعد الدراسات العليا لخريجي الكليات التجارة والحقوق والآداب مجالاَ اختياريا لمن يريد الإكمال في المجال الأكاديمي من أجل الحصول علي شهادة عليا، فهي تعد مجالاَ إجباريا بالنسبة لخريجي كلية الطب بعد مرحلة البكالوريوس كي ينتقلوا إلي مرحلة الممارس العام حتي يستطيعوا بعد ذلك العمل في التخصص الذي يرغبونه، سواء كان هذا الأمر من خلال الحصول علي شهادة الدراسات العليا من داخل الجامعة في صورة دبلومات أو ماجستير أو دكتوراه، أو في صورة نظام الزمالة الطبية من خلال شهادات تمنح من وزارة الصحة أو من أي مؤسسة طبية أخري متواجدة داخل البلاد. يضيف: الجمع مابين الدراسة والعمل قد يمثل نوعا من الصعوبة لطالب الدراسات العليا، فهو يتخرج من كلية الطب وعمره 25عاما، أي في سن يفوق معظم الخريجين في الكليات الأخري، فيضطر إلي العمل في البداية براتب بسيط في أي جهة، وفي نفس الوقت مطلوب منه أن يكمل دراساته العليا التي تتضمن نسبة حضور عالية سواء للتدريب أو للمحاضرات أو للعمليات الجراحية، وألا تكون مجرد دراسة ورقية فقط، وهو ما قد يتعارض مع ظروف وطبيعة عمله. في المقابل، أرجع طارق الجمال عميد كلية طب أسيوط سبب أزمة الدراسات العليا إلي زيادة عدد الطلاب بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، حيث لفت إلي أن الحد الأقصي الذي يمكن أن يشرف عليه عضو هيئة تدريس في الدراسات العليا هو 6رسائل، ولكن بعض الأقسام الطبية مثل قسم الأطفال والنساء والتوليد والأمراض الجلدية والباطنة، تجاوزتها لتصل إلي 8 أو 10 رسائل، وهذا يمثل عبئا كبيرا علي أساتذة الجامعات، خاصة فيما يتعلق بالإشراف علي الدرسات العليا التي تتطلب وجود الطالب مع أستاذه المشرف عليه. كما أوضح أن عدد الملتحقين بالدراسات العليا بكلية طب أسيوط يقدر ب600 طالب بين عامي 2015 و2016 مسجلين بدرجة الماجستير والدكتوراة ويعتبر هذا عددا كبيرا جداَ، مشيراَ إلي أن جزءا من مشكلة الدراسات العليا يعود إلي ضعف التخطيط، وعدم معرفة ما هو المراد من المتدرب أو التدريب. ويضيف: في مجلس الكلية السابق تم إعتماد معايير مفاضلة ما بين طلبة الدراسات العليا لقبول التسجيل للماجستير والدكتوراه وهي معايير واضحة للغاية تعتمد علي التقدير العلمي ورسالة التخرج وكذلك علي مكان العمل نفسه، وأيضا تأخذ في الاعتبار مستوي التدريب السابق سواء كان في مستشفي تعليمي أو مستشفي مركزي، لكي يتم تجنب التحيز والاختيار العشوائي. يتابع: الطبيب الذي يريد الانتقال من مرحلة الممارسة العامة إلي مرحلة التخصص ليس بحاجة إلي عمل دراسات عليا تصلح بصورة أكبر لشخص أكاديمي يعمل في الجامعة، بل يحتاج إلي تدريب من نوع خاص، لذلك فأنا أقترح تعميم نظام الزمالة المصرية لمدة خمس سنوات واعتمادها كمؤهل رئيسي من أجل الممارسة كأخصائي وبهذا يمكن أن نسهم بشكل كبير في حل المشكلة، فالجامعات بإمكانها أن تستوعب أعدادا كبيرة للغاية من الزمالة الطبية للتدريب الإكلينيكي، ولكن زيادة استيعاب الدراسات العلمية أو الرسائل الطبية محدودة بعدد الأساتذة المشرفين عليها.