الرشوة أحد أوجه الفساد المنتشرة في المجتمع، وفي العديد من المصالح والهيئات الحكومية، وبجانب الفوضي والفساد اللذان تقف وراءهما الرشوة، أظهر تقرير اقتصادي أصدرته حملة "إمسك كرش" المعنية بكشف الفساد، أن الرشوة سبب في إعاقة التنمية والاستثمار، حيث أظهر التقرير أن أكثر من نصف رجال الأعمال يضطرون إلي دفع رشاوي من أجل مشروعاتهم، وكحل لمواجهة الروتين والبيروقراطية في الهيئات والمصالح الحكومية والخاصة. خبراء الاقتصاد: الرشوة وفساد قطاعات الدولة وراء تعطل عجلة التنمية مؤسس حملة "امسك كرش": يجب الإعلان عن المفسدين وفضحهم بالمستندات كشف التقرير الاقتصادي الذي أصدرته حملة "إمسك كرش" أن نحو 60% من رجال الأعمال المصريين يدفعون الرشاوي للموظفين في أغلب المصالح الحكومية حتي يحصلوا علي تراخيص لمشروعاتهم الاستثمارية الجديدة بمختلف القطاعات الاقتصادية، وأجمعوا علي أنها سبب تعطل مشروعاتهم، وأن "الرشوة" هي طوق النجاة للحصول علي التراخيص اللازمة لمشروعاتهم، فيما يري40% منهم أن الأزمة في تضارب القوانين وتعدد جهات إصدار التراخيص. وأعد التقرير حسب استطلاع رأي لرجال أعمال من قطاعات اقتصادية مختلفة، منها قطاع مواد البناء والإسكان، والقطاع الصناعي، وقطاع الطاقة، وقطاع المنتجات الغذائية، بالإضافة إلي المشروعات الزراعية، وأشار التقرير إلي أن قطاعات مواد البناء والقطاع الصناعي يستحوذون علي النصيب الأكبر في دفع الرشاوي مقابل إنجاز تراخيص المشروعات. من جانبه قال محمد جمال مؤسس الحملة ل"آخرساعة" أن الحملة معنية بخلق مجتمع خال من الرشوة والمحسوبية وأوجه الفساد نظراً لتفحش الفساد بالمجتمع وأصحاب الكروش الممتلئة، والحملة يقوم بها مجموعة من الشباب يحاربون الفساد والمفسدين بدلائل ووثائق رسمية واستطلاعات رأي، ومع أعمال الحملة وجدنا أن الرشوة منتشرة بقطاعات كثيرة بالدولة كما أنها مؤثرة علي الاستثمار وسبب مباشر في إعاقة الكثير من المشروعات. وأوضح أن وزارة العدل تعمل حالياً علي تعديل القوانين لمكافحة الفساد والقضاء علي البيروقراطية، والحملة في تعاون مستمر معها ومع هيئة الرقابة الإدارية وتعمل علي توثيق كمية كبيرة من البلاغات التي أثبُتت علي صاحبها جريمة الرشوة وهي موجودة بشكل كبير، كما أن الحملة علي تواصل مع مجموعة من المستشارين ومصادر من جميع المحافظات لكشف وقائع الفساد وتوثيقها، أشار إلي أن الحملة أصبحت منتشرة علي نطاق واسع وفي تواصل مع الجمهور وتلقي شكاواهم للإبلاغ عن أي نوع من الفساد سواء رشوة أو اختلاس وعند التأكد من البلاغ تعلن الحملة عن واقعة الفساد خاصة بعد حصولها علي الوثائق والمستندات. من جهته يقول رشاد عبده الخبير الاقتصادي أن هناك فسادا منتشرا وبشكل كبير يظهر في الرشاوي والروتين وتدعمه القوانين والدليل علي ذلك مؤتمر القمة الاقتصادية الذي عقد بشرم الشيخ عندما دعم الرئيس السيسي الاقتصادات مع الدول الأخري كالإمارات والكويت والسعودية وغيرها من الدول وبالفعل حصلنا علي استثمارات كثيرة، لكن عندما قمنا بعمل 11 ورشة موازية للوزارات أعرضت الدول الأخري عن الاستثمار في مصر، وقالت إن الفساد منتشر والروتين والبيروقراطية هما العائق الأول أمام الاستثمار، كما أن هناك دليلا آخر علي انتشار الفساد يوضحه التقرير السنوي العالمي الصادر من مؤسسة الشفافية المعنية بكشف الفساد، حيث أكدت التقارير قبل ثورة يناير 2011 أن مصر تحتل المركز 137 في انتشار الفساد، وبعد الثورة احتلت مصر المركز 97 أي أن الفساد منتشر وبقوه وفي تزايد. يتابع: الرشوة منهج حياة في مصر فعلي سبيل المثال لا يوجد شخص يذهب لأي مصلحة حكومية لترخيص سيارة أو استخراج أوراق هامة إلا ولابد أن يرشو العاملين لإنجاز مهمته وحتي لا يقف أحد عائقا أمامه لأنه "ماختش حلاوته" أو "شرب الشاي" فجميع المواطنين يسمعون هذه الجملة ولا بديل غير الدفع أو الاستسلام للروتين وتعطيل مصلحته. يضيف: يجب التصدي للفساد بوجه عام وللرشوة بشكل خاص علي أن يكون شعار كل مصلحة أو هيئة حكومية أو خاصة معاً ضد الفساد وتعلق لافتات عليها أرقام لتتواصل مع الجمهور المتردد عليها والتقدم بشكاوي ضد أي موظف يطالب برشوة لقضاء مصلحة مواطن ويتم رفع الشكاوي للوزارات ويتم عمل تحقيق مع هؤلاء الأشخاص حتي يكونوا عبرة لغيرهم، كما أننا كأفراد لابد أن نتصدي للفساد وعلينا عدم تعزيزه فعلي كل شخص أن يرفض الخضوع وإعطاء أي شخص رشوة فعلينا أن نتجاوز ضعفنا فلابد أن يثور المجتمع بأكمله وتتابع جميع القطاعات بهيئة رقابية لمتابعة الفساد بجميع المؤسسات ويتم الإعلان عن المفسدين وفضحهم بالمستندات بجميع وسائل الإعلام كما حدث مع وزير الزراعة.. ويؤكد أنه لابد أن تتغير قوانين العمل والاستثمارات حيث إنها بمثابة معوقات للاقتصاد والاستثمار، وإعادة النظر في القوانين وتغليظ العقوبات علي المفسدين والفاسدين وأخذ الإجراءات اللازمة معهم وتفعيل دور الأجهزة الرقابية، والعمل علي إنشاء دوائر قضائية متخصصة تتصدي لقضايا الفساد لسرعة الحكم فيها، ذاكراً مثالا عن رئيس شركة قطاع عام قام باختلاس 300 مليون جنيه، وعند التحقيق معه اعترف بجرمه قائلاً "إن الأمر لم يكلفني غير 3 سنوات في السجن بعدها هخرج واقدر أستغل الفلوس زي مانا عايز"، لذلك يجب إحباط نفوذ الفاسدين كما اقترح إنشاء وزارة للفساد لمكافحته والتصدي له.. أشار رشاد إلي أنه يجب أخذ بعض نماذج الدول الأخري المكافحة للفساد مثل سنغافورة التي كانت مستعمرة بريطانية، تخلي عنها البريطانيون عام 63 نظراً لكم الفساد والبلطجة بها ورفضت ماليزيا ضمها لها لنفس السبب، بعد ذلك وبعد استقلالها أول ما قام به الحاكم مكافحة الفساد وسن قوانين صارمة وحكم أول 3 شهور بإعدام وزير وتم إدانة 3 من الوزراء، لذلك سنة 2015 والسنة الماضية سنغافورة الأولي علي العالم في النزاهة والشفافية وذلك نموذج لابد أن نقتدي به ونضعه في الحسبان عند تغيير القوانين ومكافحة الفساد. توافقه الرأي الدكتورة عالية المهدي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة في أن الرشوة والفساد يمثلان عائقا أمام التقدم الاقتصادي لأن الرشوة تعتبر خانة زائدة بجدول المصروفات علي المشروعات سواء كانت إسكانية أو زراعية أو غير ذلك وهي ليس لها مجال بدول أخري وبالأسواق التنافسية وبالتالي يلجأ رجال الأعمال إلي التنمية والاستثمار بالأسواق الخارجية. تضيف: جميع الإحصائيات مؤخراً تكشف عن تنامي ظاهرة الرشوة وانتشار الفساد وفي المقابل نري تضاؤل حجم الاستثمار وانهيار السوق الاقتصادي، وهو ما يوضح مدي تأثير الرشوة التي ولدت من رحم الروتين. فيما أوضح د. أحمد العطار أستاذ القانون الجنائي أن الرشوة في القانون جرم لأنها تعتبر إخلالا بواجبات الوظيفة فهي اتجار الموظف بوظيفته حسب المادة 103 بالقانون ويعتبر طلب الموظف للرشوة هو وقوع للجريمة في حد ذاته بل يعتبر مجرد وعد الراشي للمرتشي بإعطائه ما ليس من حقه جريمة وقد تصل عقوبة الرشوة إلي الأشغال الشاقة المؤبدة ويمكن أن تخفف حسب الظروف المحيطة، ورغم نص القانون بأن الرشوة جريمة يعاقب عليها إلا إنه أصبح من الصعب إثباتها نظراً لأنها أصبحت عادة بالمجتمع، وأصبح الجميع يطلبونها والطرف الآخر يدفع برضا لإنجاز مصلحته.. وأقترح إنشاء جهة مختصة خاصة بتيسير المشروعات الاقتصادية ومتابعتها إلي أن تنفذ حتي لا تعطل أو يهرب أصحابها إلي الاستثمار بالخارج مع المحافظة علي ضمان حقوق المستثمرين بداية من حقوق الملكية إلي ضمان حقوق الأفراد العاملين بها. ومن الناحية الدينية يقول د. محمود يوسف أستاذ الشريعة بكلية أصول الدين إن الرشوة فعل محرم لقول الرسول([)" لعن الله الراشي والمرتشي" لأنها ليس من حق المرتشي، كذلك الراشي لأنه في هذه الحالة يعتبر ناشرا للفساد حتي وإن كانت مصلحته التي يقدم الرشوة من أجلها ملحة. ويري أنه لابد من اتخاذ الجهات المعنية الإجراءات لردع داء الرشوة بالمجتمع والوقوف عندها كمشكلة تفتك بالمجتمع وتنميته لمعرفة أسبابها والقضاء عليها لما ينتج عنها من ظلم وضياع للحقوق، وتوعية المواطن بفداحة هذا الأمر حتي لا يعطي أي شخص ما ليس من حقه من أجل تحقيق مصلحته، مضيفاً أن المبررات التي يعطيها البعض للرشوة كأن يطلبها أحد علي أنها هدية لا تقلل من جرمها لأنه تمويه لا يقبل به الدين فالحرام بيّن، لذلك فالرشوة بجميع مسمياتها حرام لأنها فساد يطيح بالمجتمع إلي فساد أكبر يتمثل في السرقة والقتل والظلم وضياع الحقوق.