لم أعرف محمود شكوكو علي المستوي الشخصي.. فقدكنت لا أزال صغيرة.. لكنه لفت نظري بجلبابه البلدي والزعبوط فوق رأسه.. وعصا يرقص بها.. وذلك من خلال تمثال له كان يجول بائعو العربات الجوالة في الشارع وهم ينادون عليه »شكوكو بقزازة« كان البائع يركن عربته الجوالة تحت منزلنا في شبرا.. وأشب من الشرفة لأتأمله وقد علق الكثير من النسخ الجبس فوق عصيان من الجريد علي العربة. وكان الأطفال يلتفون حول العربة ليشتروا شكوكو يقزازة فهو الفنان الشعبي المحبوب من جمهور البسطاء زمان. ثم عرفته من خلال أغانيه ونكاته ومنولوجاته الشعبية المأخوذة عن أفلامه التي كانت تذاع في الإذاعة. ❊❊❊ وكان يؤلفها بالفطرة لأنه لم يكن يعرف القراءة والكتابة.. وكلها أغاني تثير الضحك أذكر منها أغنية »حمودة فايت يا بنت الجيران أديني بوسة ونازي أخوكي«. ولمع شكوكو من خلال فيلم عنبر لليلي مراد وأنور وجدي في الاسكتش الذي شارك فيه ليلي مراد مع بعض الممثلين الذين يتقدمون لخطبتها في فيلم »عنبر« وكل منهم يقول مزاياه من أجل الفوز بها يقول فيه: »من ناحية قلبي ونار قلبي.. واتحبب موت وحبيبي لو غاب يوم عني.. أرقع ميت صوت بلدي ومدردج وقدرجي وبنيت م الفول والطعمية أربع عمارات«. وقدم شكوكو اسكتشات ناجحة في أفلامه مع شادية وإسماعيل يس. ولمع شكوكو الذي ولد في حي شعبي بالدرب الأحمر.. وعمل مساعد نجار مع والده في ورشة نجارة.. فهو لم يدرس.. ولم يلتحق بمدارس.. ولكنه كان يؤلف منولوجاته بالفطرة وأغانيه التي بلغت 600 منولوج اسمه الحقيقي محمود إبراهيم إسماعيل موسي.. واكتسب لقب شكوكو من أبيه الأسطي إبراهيم الذي اشتهر في الحي باسم إبراهيم شكوكو. اتجه شكوكو لفن المنولوج من خلال الفرق الشعبية التي كانت تغني وترقص في المقهي المقيم أمام ورشة الخشب التي يعمل فيها الوالد.. كان يطلق النكات والمونولوج والرقص الشعبي التي يؤلفها لنفسه من خلال هؤلاء.. وكان ذلك من باب الهواية بدون مقابل. وانتقل شكوكو بعد ذلك إلي شارع محمد علي وقام بالغناء في الأفراح مجانا فاكتسب خبرة وذاع صيته وشهرته. ويصعد شكوكو سلم النجومية في الثلاثينات وبعد افتتاح الإذاعة بعامين حين التقي برئيس الإذاعة محمد فتحي الذي كانوا يطلقون عليه »بلبل الإذاعة«.. وطلب منه أن يغني في الإذاعة فالمعروف في ذلك الوقت أن محمد فتحي كان له الحس القوي في اكتشاف الفنانين الذين أصبحوا نجوما بعد ذلك. ❊❊❊ اتجه محمود شكوكو بعد ذلك إلي الفرق الفنية ذات الشهرة في ذلك الوقت حين التحق بفرقة علي الكسار ليقدم المونولجات والنكات إلي جانب الرقص وبعض المشاهد التمثيلية.. ثم تختطفه فرقة حسن المليجي التي عمل بها سنوات ثم انضم إلي فرقة »محمد الكحلاوي« ومن خلال هذه الفترة بدأت شهرته. ❊❊❊ وتزداد أهمية شكوكو حين قدم لمسرح العرائس شخصية »الأراجوز« الشهيرة التي سبق أن قدمها في الموالد والأفراح الشعبية وتدرب عليها في معهد الموسيقي ومعهد التمثيل بعد ذلك. وقد بدأ التمثيل في السينما في بداية الأربعينات حينما قدم أول فيلم (بحبح في بغداد) وبعدها قدم حوالي 83 فيلما ومن أهم هذه الأفلام التي شارك فيها مع ليلي مراد وأنور وجدي فيلم »ليلي بنت الأغنياء« و»عنبر« و»قلبي دليلي« كما قدم »طلاق سعاد هانم« و»سحر وجميل« و»خضرة والسندباد القبلي« و»الأسطي حسن« و»ابن الحارة« والسر في بير وظلموني الحبايب وعروسة المولد وحب ودلع وزقاق المدق.. وشلة الأنس وغيرها ومعظمها قدمها للبسطاء وأولاد البلد الذين ينتمي لهم. ❊❊❊ وبالرغم من هذا الكم من التمثيل والرقص البلدي والمونولوج الذي صعد به إلي قمة الفن.. فقد رحل شكوكو فقيرا .. اتصلت به ذات مرة في أواخر رحلته مع الفن وذلك من خلال التليفون لكي يشارك بفنه في حفل خيري لكنه اعتذر بحجة مشغولياته وفوجئت به في الحفل يغني ويرقص ويلقي بنكاته ومولوجاته.. وعرفت ذلك أنه اتصل به متعهد الحفلات والاتفاق علي الأجر.. وقد أسعد كل الحضور بفنه التلقائي الفطري.. وبالرغم من ظهور عشرات من الفنانين الشعبيين الذين لم أستطع أن احفظ أسماء الكثيرين منهم لم يثروا الفن ولم يتركوا أي علامة أو بصمة علي الفن الشعبي ليظل شكوكو هو الوحيد الذي أسعدنا بفنه المتميز.. ورحل شكوكو لكن أعماله لاتزال باقية ولا تزال تسعدنا.. ولم يظهر من بعده شكوكو آخر حتي الآن.