في مصر 57 طريقة صوفية تمارس أنشطتها الدينية والاجتماعية، وتقدم للمجتمع التربية الروحية والارتقاء بالنفس، ومنهجهم لا يخرج عن كتاب الله وسنة رسول الله ص وتحتضن حوالي 11 مليون صوفي منهم أطباء، وبسطاء ومهندسون، وأساتذة جامعة، وعمال، بالقاهرة والمحافظات., وما إن يطل علينا شهر رمضان المبارك حتي تبدأ احتفالات هذه الطرق الصوفية وإحياء لياليه بإقامة الذكر ومايسمي «بالحضرات» لتلاوة القرآن الكريم، والدروس الدينية،وتتصاعد قصائدهم وأورادهم ومدائحهم في جمل لحنية قصيرة رائعة،ويلتقون علي موائد الإفطار والسحور في عرس سنوي جميل تفوح جنباته عطرا رمضانيا طيبا.. بمجرد أن أعلنت دار الإفتاء المصرية عن بداية شهر رمضان احتفلت المشيخة العامة للطرق الصوفية برئاسة الدكتور عبدالهادي القصبي بقدومه بموكب صوفي كبير انطلق من مسجد صالح الجعفري، مرورا بشارع الأزهر، إلي ساحة المسجد الحسيني، حيث رأينا الوجوه المصرية الطيبة بكل أطياف المجتمع يشاركون في هذا العرس السنوي الجميل، الريفيون بعماماتهم وجلابيبهم البسيطة، والأزهريون بملابسهم الدينية المميزة التي تحدد ملامحها «القفاطين» و«الشيلان» البيضاء، والشباب بملابسهم الأفرنجية الحديثة و«الكاجوال» لكن الفرحة تكسو وجوههم، والصدق يغطي ملامحهم.. احتفالات الطرق الصوفية ولكل طريقة من الطرق الصوفية أعلامها وبيارقها وأناشيدها وقصائدها ومدائحها العذبة في حب الله ورسوله المصطفي [، وقد خرجوا في جماعات متتابعة، وتتوالي مسيراتها، فلكل طريقة أتباعها، فهناك طرق: الرفاعية والجازولية، والبرهامية، والعزمية، والميرغنية، والبيومية، والسلامية الأحمدية، والدمرداشية، والقادرية، والغنيمية، والشناوية، والهاشمية الخلوتية.. إلخ، فكما قلت في البداية عندنا في مصر 57 طريقة صوفية تضم 11 مليون صوفي بالقاهرة والمحافظات، وتمارس أنشطتها الدينية والاجتماعية بشكل رسمي، ولكل طريقة «شيخ»، يعاونه وكيل عام، ونواب، وخلفاء، وخلفاء الخلفاء كل في منطقته.. والطرق الصوفية تقدم للمجتمع التربية الروحية بمعني الارتقاء بالنفس من أمارة إلي لوامة إلي مطمئنة، علي أن يكون منهج الصوفي من جنس ما افترض الله عليه، بحيث لايخرج عن كتاب الله، ولا عن سُنة سيدنا رسول الله [ وكل هذه الطرق الصوفية تنضوي تحت راية الشاذلية.. سيدي أبوالحسن الشاذلي].. إمام الطريقة الجازولية.. يقول سماحة الشيخ سالم جابر الجازولي (شيخ الطريقة الجازولية) شارحا منهج وفلسفة طريقته التي يتبعها حوالي ستة آلاف مريد في الداخل والخارج: التصوف جهاد ونضال في سبيل حياة أفضل علي مستوي العمل لوجه الله، وإخاء بين البشرية جميعا لافرق بين أسود وأبيض، فالكل في الإنسانية سواء، كل فرد يقيم علي قدر عمله وإخلاصه، علي قدر إنتاجه المادي وخلقه الإنساني، فالحياة للجميع والعبادة لله وحده، والتصوف تقشف وعمل في سبيل إسعاد الغير، وإيثار وفناء للفرد في المجموع، والتصوف يقوي الروابط بين الجماعات المتفاهمة المتعارفة التي تكافح في سبيل حياة طيبة، يقول جل شأنه: « وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ». التعارف لوجه الله ومن أكبر الروابط هو التعارف بشرط أن يكون لوجه الله تبارك وتعالي، والمقصود هنا برد العمل إلي الله، أن يكون عملا ليس فيه التواء أو مكر، والمراد من قوله «أتقاكم» أي أخوفكم من الله، وقد تعلمت من والدي العارف بالله سيدي جابر حسين أحمد الجازولي (رحمه الله) أن الخوف عندنا هو الحياء والخشية من الرحمن، فكل من عمل في سبيل إسعاد الجماعة الإنسانية هو بالقطع إنسان كامل في إنسانيته.. سعيد بسعادة الآخرين.. ولزاما علي كل إنسان أن يتعرف علي الله ويأخذ من فيوضاته، ولكن ذلك لابد له من استعداد يكون به علي أبواب القرب.. أما نائبه الأستاذ الدكتور محمد عبدالمنعم شعيب، فيري أن الصوفي هو الذي يرتقي بنفسه من الإسلام إلي الإيمان، إلي الإحسان الذي عرفه سيدنا رسول الله [ بأنه أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فهذه الدرجة هي المسماة عند الصوفية بمقام المراقبة. برنامج شهر رمضان أما برنامج الطريقة الجازولية في شهر رمضان المعظم كما ذكره الأستاذ الدكتور محمد عبدالمنعم شعيب (أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية والعميد الأسبق لكلية الطب، ونائب شيخ الطريقة)، فهو داخل مسجدهم الكبير في القاهرة الذي يتوسطه ضريح العارف بالله الراحل الشيخ جابر الجازولي بحلقات الذكر، وقراءة القرآن، والأوراد، والاذكار التي يتم حفظها والاستعانة بها في أعمال اليوم والليلة، وأذكار جماعية في حلقات السماع، ويتناول الجميع إفطارهم معا (يومي الاثنين والخميس) من كل أسبوع.. أما العشيرة المحمدية فتعقد نشاطها بمسجد المشايخ (أمام دار الشرطة) بدرس ديني أسبوعيا كل يوم اثنين بعد صلاة المغرب، ويحضرها مابين مائة إلي مائتي شخص، وتقام حضرتها كل يوم أحد بعد صلاة العشاء برئاسة الدكتور محمد مهنا (أستاذ القانون الدولي بجامعة الأزهر ومستشار الإمام الأكبر شيخ الأزهر) وهو تلميذ الإمام الرائد محمد زكي الدين ابراهيم، وفي الاحتفالات والمناسبات الدينية تصل الأعداد إلي ألف شخص.. حضرة عباس الديب وداخل مسجد حسن عباس زكي بطريق صلاح سالم، في أكبر قاعاته الفسيحة، تنتظم أسبوعيا كل يوم سبت حضرة عباس الديب، وهي طريقة محمدية شاذلية، يحضرها كوكبة نورانية رائعة من المتصوفين منهم وزراء سابقون. وصحفيون، وأطباء، ومهندسون، ورجال أعمال، وموظفون، وعمال، وبسطاء، وأطياف من المجتمع «المخملي» من الجنس اللطيف المحب لآل بيت رسول الله [ بملابسهم المحتشمة، وقد انتظمن في صفوف متساوية متوازية خلف أماكن الرجال.. وداخل هذه الحضرة المباركة التي يقودها مولانا الشيخ وحيد عباس الديب تستمع إلي تلاوة مباركة لآيات من الذكر الحكيم، من قارئ السورة بالسيدة نفيسة المعروف فضيلة الشيخ أحمد تميم المراغي. وتتلي بعض المأثورات عن سادتنا الأئمة الأعلام «رضي الله عنهم» وتسطع أنوار الحق عندما تتعطر الألسنة بذكر الله (عزوجل) وقراءة الأذكار والأدعية المنظومة، والابتهالات المأثورة، والأناشيد الدينية حبا ومدحا لسيدنا رسول الله [، والصلاة عليه التي تشحذ الهمم.. وتقوي العزيمة وتبعث الطهر في النفوس بصوت المبتهل عبدالحفيظ أبوزيد. صلوات الأرواح والقلوب إنها صلوات القلوب والأرواح التي يشتاق إليها المحبون والمريدون أن يسألوا الله بها رجاءً أو دعاءً، وصلوات الختام القرآنية، بمواقيت الرضا علي الذاكرين، فساعة ختامه مستجابة إن شاء الله لدعاء الشاكرين، ثم تتردد الأناشيد الصوفية علي الدفوف، والتي يتغني بها أحباب الله، وأحباب رسوله [ في أوقات الصفو والرضا تسبيحا لرب العالمين، ومديحا لسيد الأولين والآخرين المبعوث رحمة للعالمين، فيجد الأحباب هنا في هذه الحضرة زادا من الخير لاينفد أبدا، سبحانه الذي لاتنفد خزائنه.. عقود ربانية مع الله يوقعها هنا المحبون للخالق عز وجل، ويتدرجون في منازل الرضوان داخل هذه الحضرة الصوفية الخاشعة التي يحضرها أغنياء ومساكين، فالكل في حب الله، ورسوله [ سواء. ومن أشهر من يلقون دروساً دينية العلماء العظام الدكتور رضا طعيمة، والدكتور عبدالله كامل والدكتور هاني تمام كدعاه إسلاميين متطوعين لوجه الله وحباً لسيدنا الرسول [ أوراد دفع الجوع ومن أجمل الأوراد التي يتلوها هؤلاء الصوفيون لدفع الجوع وأذي العطش في شهر رمضان المعظم، قراءة «الصمدية» كاملة بالبسملة عدة مرات مع إكثار من ذكره سبحانه وتعالي بلفظ (الصمد)، فإن ذلك في اعتقاد الصوفية تذهب عن من يقرؤها ألم الجوع، ومن أراد أن يدفع أذي العطش، فليكثر من الصلاة علي سيدنا رسول الله [ بصيغة: الصلاة والسلام عليك ياخاتم الأنبياء والمرسلين. الصلاة والسلام عليك ياسيد الأولين والآخرين. الصلاة والسلام عليك ياأفضل الخلق أجمعين. الصلاة والسلام عليك يامبعوثاً رحمة للعالمين. وتشهد هذه الحضرة كل يوم سبت إفطارا جماعيا شهيا خمس نجوم بعد صلاة المغرب، وينتظم الجميع في حلقات ذكر وتلاوة، وقراءة القرآن الكريم، في عبادة خالصة، وبعد ذلك يؤدون صلاة التراويح، ثم يستكملون طقوسهم النورانية المعتادة في جو بهيج تفوح جنباته العطر الرمضاني الطيب في مشهد بديع، ويقام أيضا «السحور» بوجباته المعروفة وأشهرها «الفول» و«الزبادي» والأجبان والحلوي أربع مرات في شهر رمضان المعظم.