ظل متحف الآثار الغارقة حلما يراود أهالي الإسكندرية وعشاق التاريخ.. قالوا إن المتحف تحت مياه البحرالمتوسط رحلة استكشافية عبر الزمن يعيشها الزائر مبهورا بمشاهدة المدينة الغارقة.. لكن الحلم توقف وأصبحت فكرة إنشاء المتحف محل جدل بين أثريي الثغر والمسئولين في وزارة الآثار لدرجة أن تصميمات المتحف أصبحت قابعة في مكاتب المسئولين. محمد فاروق: تاريخ مصر الغارق منذ مئات السنين مازال حيا وفي الوقت الذي يتفق فيه البعض مع هذه الفكرة باعتبارها مشروعاً قومياً يعيد للسياحة الأثرية في الإسكندرية من خلال إحياء الآثار الغارقة من الاندثار لكن التكلفة المرتفعة التي قد تصل إلي150 مليون يورو جعلت الفكرة في نظر بعض مسئولي الآثار فكرة مجنونة، وبالتالي ماتت الفكرة، لكن خلال الأسبوع الماضي حاول مركز التوثيق الحضاري من خلال ندوة الوصول إلي تفاصيل المحاولات الفاشلة لإنشاء أول متحف تحت الماء في مصر. والمعوقات التي تقف حائلا دون إنشائه، وسبل حلها وكيفية التنسيق بين الجهات الوطنية المعنية للسعي نحو إنشاء المتحف الذي يعد رحلة عبر الزمن لاكتشاف أسرار المدينة وذلك من خلال الصالون الثقافي الذي أقيم بالمركز تحت عنوان "إنشاء المتاحف البحرية وتحت المائية.. فما سر عدم إنشاء متحف الآثار الغارقة بعد أن تحدث العالم عنه كمشروع قومي. الندوة التي أقامتها لجنة الصالون التراثي الرابع لمركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي أوصت بوضع الآثار الغارقة علي قائمة التراث العالمي ووضع دراسة حقيقية لإنشاء متحف تحت المياه المتوسطة وأكد المهندس محمد فاروق القائم بأعمال مدير مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي علي أهمية آثار مصر الغارقة أسفل مياه البحر بالإسكندرية، والتي لا تقل في أهميته وروعته عن آثار مصر الخالدة التي تروي وقائع المصريين وتزهو بأمجادهم آثارنا الشامخة علي امتداد أرض الوطن . جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها في افتتاح الندوة التي نظمها مركز توثيق التراث بالقرية الذكية، أحد المراكز البحثية بمكتبة الإسكندرية ، بعنوان " إنشاء المتاحف البحرية والتحت مائية، وشارك فيها الدكتور محمد مصطفي المشرف علي الإدارة المركزية للآثار الغارقة والدكتور محمد السيد مدير إدارة متابعة البعثات بالإدارة المركزية للآثار الغارقة والدكتور باسم إبراهيم مدير إدارة المناطق المتحفية بالإدارة المركزية للآثار الغارقة، ومني مختار المرشدة السياحية والباحثة في المتاحف البحرية، مشيرا إلي أن تاريخ مصر الغارق منذ مئات السنين لم يزل حيا.. ليحكي تاريخ الإسكندرية القديمة.. وطالب محمد فاروق بمشروع سياحي لاستغلال ما تم اكتشافه من كنوز خالدة تحت المياه مما يجعل الأنظار تتجه إلي الإسكندرية.. ويعمل علي تنشيط حركة السياحة الوافدة إلي إسكندرية مما يزيد من الليالي السياحية التي يقضيها السائحون في مصر. و قال الدكتور محمد مصطفي المشرف علي الإدارة المركزية للآثار الغارقة أنه لم تجر دراسة سواء هندسية أو دراسة جدوي حقيقية عن كيفية الاستغلال الأمثل للآثار الغارقة ، مشيرا إلي أن جوانب استغلال الآثار الغارقة متعددة وفي مقدمتها إقامة متحف تحت مياه البحر يمكن السائحين من مشاهدة الآثار في مواقعها الأصلية ، كما يمكن نقل صورة كاملة لما يمكن مشاهدته تحت الماء من خلال كاميرات متصلة بمركز للزوار يتم إنشاؤه وتزويده بشاشات عرض تنقل صورة حية من تحت الماء، أو إقامة معارض للمنتشلات الأثرية من قاع البحر. واستعرض د.محمد مصطفي الحالة الراهنة للآثار الغارقة ، ودعا إلي إعلان فرض نظام المحميات الطبيعية علي أماكن الآثار الغارقة ، ووضعها علي قائمة التراث العالمي كتراث متفرد لايوجد له مثيل في العالم أجمع، مشيرا إلي إمكانية إنشاء مراكز غوص تنظم زيارة السائحين لأماكن الآثار الغارقة لمشاهدتها علي الطبيعة بعد اتخاذ كافة الإجراءات القانونية والأمنية لحماية تلك الآثار. واضاف أن شواطئ الإسكندرية وخصوصا منطقة خليج أبي قير ومنطقة الميناء الشرقي تمتلئ بكنوز من الآثار الغارقة التي غرقت بسبب الظواهر الطبيعية علي مدي 15 قرنا، وعلي وجه الخصوص الزلازل التي ألقت بكثير من مباني وقصور وقلاع الإسكندرية في مياه البحر. ومن أشهر هذه المباني التي أطاحت بها الزلازل منارة الإسكندرية القديمة إحدي عجائب الدنيا السبع. وأشار إلي إن الزائرين للمتحف التحت مائي المقترح سوف يكتشفون المدينة الغارقة ومعبد آمون والميناء القديم وقصر الأحلام الذي بناه مارك أنطونيو للملكة كليوباترا، بالإضافة إلي مدينة مينوتيس التي تبعد عن الساحل نحو 2كم، والتي استمرت أعمال الكشف عنها عامين تم خلالهما إزالة طبقة الرمال التي تغطي الموقع، والمدينة تمتد بمساحة 500 - 700م، وتحوي أطلالاً تمتد بمحور من الشرق للغرب تتكون من مئات الأعمدة والكتل الحجرية مختلفة الأشكال والأحجام وكذلك تماثيل لأبي الهول ورءوس ملكية، وتماثيل لبعض المعبودات مثل إيزيس وسيرابيس، إضافة إلي بعض الكتل الحجرية التي تحمل نقوشًا هيروغليفية يرجع بعضها للأسرة 26 وبعضها للأسرة 30 الفرعونيتين، ولعل أهمها أجزاء من ناووس يصور الأبراج والفلك في مصر القديمة، فضلاً عن العديد من العملات الذهبية يرجع بعضها للعصر البيزنطي وبعضها للعصر الإسلامي (العهد الأموي)، بالإضافة إلي العديد من المباني الضخمة والتماثيل التي تصور الملوك بالطراز الفرعوني، ويصل حجمها إلي 4 أمتار في الارتفاع. -الدكتور محمد السيد قال إن أوجه التشابه بين الآثار الغارقة في مصر وكل من فرنسا وإيطاليا والصين وتركيا، وكيفية استغلال تلك الآثار بها ، وأشار إلي التصور العام للمتحف المقترح تحت مياه بالإسكندرية، كما ألمح د.باسم إبراهيم إلي الرؤية المستقبلية للآثار الغارقة وشخص الحالة الراهنة ، مشددا إلي ضرورة إنشاء مركز للآثار الغارقة بقلعة قايتباي كنقطة انطلاق للغوص ومشاهدة الكنوز الغارقة . - مني مختار أشارت إلي الرواج السياحي التي سوف تشهده الإسكندرية في حال الاستغلال الأمثل للآثار الغارقة، والتي ستحول مدينة الإسكندرية من مدينة ترفيهية فقط إلي ثقافية ترفيهية مما يزيد عدد الليالي السياحية لزوار للإسكندرية. - ونعود للوراء قليلا عندما تم إعلان في عام 2006 عن إنشاء متحف تحت الماء بالإسكندرية وكان المتحف المقترح تحت الماء لن يتم بناؤه فقط للقيمة الجمالية ولكنه أيضا للالتزام باتفاقية اليونسكو عام 2001 لصون التراث المغمور بالمياه. وقد قررت الاتفاقية أن القطع الأثرية المغمورة مثالية ينبغي أن تظل في قاع البحر احتراما لسياقها التاريخي ولأنه أيضاُ في بعض الحالات ، وجد أن الماء يحافظ علي القطع الأثرية في الواقع. ولكن البناء علي القطع الأثرية المغمورة مباشرة يمكن أن يلحق الضرر بها، وهذه واحدة من عدد كبير من القضايا اللوجستية التي تم اختيار فريقا من علماء الآثار ، والمهندسين المعماريين والمهندسين الإنشائيين والاقتصاديين، والجهات الحكومية لبحثها في العامين المقبلين. - في عام 2007 اشترك أربعة من أعظم مصممي ومهندسي العصر في هذه المسابقة العالمية، وفاز تصميم المهندس الفرنسي العالمي جاك روجيريهوالذي حدد تكاليف إجمالية لإنشائه ب120 مليون دولار، وأن يتم تنفيذه خلال عامين فقط.كانت تفاصيل المتحف كما يشرح مصمم المشروع أن تكون الزيارة عبارة عن رحلة استكشافية عبر الزمن يعيشها الزائر مبهورا بمشاهدة المدينة الغارقة، وعلي أن يتكون المتحف من جزءين، المبني الرئيسي والذي يمتد كنافذة مفتوحة علي الميناء الشرقي، والذي يوصل إلي المبني الثاني المغمور كليا تحت الماء بعمق10 أمتار، وللانتقال من المبني الأول إلي المبني الثاني يسير الزائر في ممرات تحت الماء بطول60 مترا حتي يصل إلي صالات العرض الرئيسية، وهي أكثر صالات المتحف تشويقا حيث تمكن الزائر من خلال حوائطها الزجاجية من رؤية القطع الغارقة، وفي كل هذا تلعب الإضاءة دورا ساحرا. -ولكن تبقي تساؤلات: ماسر دفن الحلم حتي الآن رغم اكتمال التصميم الفرنسي؟ مصدر رفض ذكر اسمه قال إن عددا من الشركات العالمية مازالت تعرض تمويل المشروع مقابل استثمار هذا المتحف عدة سنوات يعود بعدها للدولة، ويضيف أن التأخير في التنفيذ يرجع إلي ضرورة عمل دراسات للبيئة البحرية في المنطقة المقرر عمل المتحف فيها ودراسات عن الضوء والتربة تحت الماء، وأيضا التيارات البحرية والرؤية تحت الماء وهذه مسئولية علماء علوم البحار المصريين وهم متأخرون لأن البعثة الفرنسية وضعت مليونا و200 ألف دولار تحت حساب عمل هذه الدراسات، ويقول إنه مع إتمام كل هذه الإجراءات تبقي موافقة القوات المسلحة لعمل هذا المشروع التي لم تأت حتي الآن.