وكأنه كتب علي جبين المصريين المعاناة، فمن انقطاع الكهرباء إلي ارتفاع الأسعار مروراً بكوارث المرور، جاء صيف 2015 حاملاً معه مشكلة جديدة تضاف إلي قائمة هموم المواطنين، إنها أزمة انقطاع المياه. تلك الأزمة التي كانت عنواناً لمعاناة آلاف الأسر في القري والنجوع امتدت تدريجياً لتضرب مختلف المحافظات بما فيها القاهرةوالجيزة والإسكندرية، الجميع يعاني نقصاً في المياه. كثيرون ربطوا بين تفشي الأزمة ومشكلة الانقطاعات المتكررة للكهرباء باعتبار أن الأخيرة تؤدي إلي تعطل العمل بمحطات المياه، وأحياناً تصيب بعض المحطات بأعطال بالغة لا تقوي الدولة علي مواجهتها في الوقت الراهن، غير أن العديد من الخبراء أكدوا ل"آخرساعة" أن الأزمة ليست في الكهرباء وحدها، وإن كانت سبباً ضمن عشرات الأسباب الأخري التي أدت إلي الوضع الراهن. في نهاية الشتاء الماضي، خرج علينا وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية، الدكتور مصطفي مدبولي، بتصريحات وردية أثلجت قلوب الكثيرين، وجعلتهم يتوقعون أن هذا الصيف سيأتي دون أزمة في المياه، حيث طمأن الوزير المواطنين بقوله إن الجهات المسئولة عن المياه في الوزارة، سترصد جميع النقاط الساخنة علي مستوي الجمهورية لوضعها علي أجندة أولوياتها، وستعمل الوزارة علي طرح حلول عاجلة لها قبل حلول الصيف المقبل - قاصداً هذا الصيف - أسوة بالحل الاستراتيجي الذي تم تنفيذه لعدة مناطق بالقاهرة الجديدة، وفيصل، والهرم، وشدد وزير الإسكان، علي رصد جميع النقاط الساخنة علي مستوي الجمهورية، ووضع الحلول السريعة لها، بهدف الوصول إلي نحو 60% منها وجعلها بلا مشاكل خلال هذا الصيف. مرت الأسابيع سريعاً، وحلت أيام الصيف، فانكشفت تصريحات السيد الوزير، لأن واقع الأمر يؤكد عكس كل ما وعد به، فالأزمة بلغت ذروتها خلال الأسابيع القليلة الماضية، ليس فقط بسبب انقطاع المياه لأكثر من 6 ساعات متواصلة في بعض المناطق، بل بسبب تلوثها في عدة مناطق حيوية، وعدم وجودها لعدة أيام متتالية في مناطق عديدة. مشكلة انقطاع المياه لا تختلف كثيراً عن نظيرتها في الكهرباء، فكلاهما لا يفرق بين سكان منطقة وأخري، أبناء الطبقة الراقية في حي مدينتي بالقاهرة الجديدة، إحدي المناطق الساخنة التي وعد الوزير برصدها، هم الأكثر تضرراً من انقطاع المياه، شأنهم شأن أبناء الأحياء الشعبية في فيصل والهرم، ورغم أن الشركة القابضة لمياه الشرب لا تتركهم دون إرسال فناطيس محملة بالمياه لمواجهة الأزمة، إلا أنهم يرفضون هذا الأمر، واضطروا الأسبوع الماضي لتنظيم مظاهرة أمام مدخل المدينة، مطالبين بتوفير المياه، وقاموا خلالها بقطع الطريق، وأغلقوا بوابات الدخول والخروج إلي المدينة احتجاجاً علي انقطاع المياه. أما في المناطق الشعبية فالوضع يرويه، المواطن أحمد داود، القاطن بحي عين شمس، الذي يقول "ليس لديّ مانع أنا أو أي من أفراد أسرتي علي انقطاع المياه فهذا حال البلد، ولابد من أن نتحمل لكي نعبر تلك الأزمة، لكن هناك دور كبير علي الهيئة المسئولة عن توزيع المياه في مصر، وهي إبلاغنا سواء عن طريق الإذاعة أو التليفزيون أو نشرات الأخبار بمواعيد الانقطاع، مثلما كان يحدث منذ سنوات، لنقوم بتجهيز احتياجاتنا من المياه خلال فترات الانقطاع، فنحن نضطر عند انقطاع المياه إلي ترك شققنا، والذهاب إلي منازل أقاربنا في منطقة أخري حتي تعود المياه". وفي الهرم، يقول سالم مصطفي، محامي، إن انقطاع المياه بات أمراً مزعجاً أكثر بمراحل من انقطاع الكهرباء، لافتاً إلي أنه تأقلم مع انقطاع الكهرباء بالنزول من البيت أو تشغيل الكشاف، ولكن لا يوجد حل عند انقطاع المياه لأكثر من 12 ساعة، وأحياناً تصل لأيام بمنطقة الطالبية والتعاون. المحافظات، الأمر فيها يبدو معتاداً منذ سنوات دون أي محاولة لعلاجه أو التصدي له، ففي منطقة ههيا بالشرقية علي سبيل المثال فقط، ظلت المياه منقطعة لأكثر من أربعة أيام خلال الأسبوع الماضي، ولم تصل شكاوي المواطنين حيال هذا الأمر إلي أي من المسئولين. عادة ينكر المسئولون وجود الأزمات، وينفون التهم عن أنفسهم، ولكن العميد محيي الصيرفي، المتحدث الرسمي باسم الشركة القابضة لمياه الشرب، أكد في تصريحات خاصة ل"آخرساعة"، أنه علي دراية كاملة بكل مشكلات المياه التي تواجه المواطنين، بداية من الانقطاع المتكرر، وصولاً إلي تلوث المياه في بعض المناطق. الصيرفي، نفي المسئولية عن الهيئة، وألقي بها علي عاتق المواطنين، حيث أكد أن مصر تفقد سنوياً بين 3.5 إلي 4 مليارات متر مكعب من المياه بسبب الاستخدام الخاطئ للمياه من قبل المواطنين، وبسبب الإسراف في استخدام المياه بصورة مبالغ فيها. المتحدث الرسمي باسم الشركة القابضة لمياه الشرب، قال إن المواطن إذا استخدم المياه في الغرض المُخصص لها لما كان هناك انقطاعات متكررة، مشيراً إلي أن مياه الشرب لم تتواجد بغرض غسل السجاد، أو رش الشوارع، أو غسيل السيارات، فضلاً عن أن بعض المزارعين يقومون بكسر مواسير مياه الشرب الرئيسية بهدف ري الأراضي الزراعية متحججين بعدم وجود مياه في الترع. الصيرفي، طالب المواطنين بترشيد الاستهلاك، وقال "ليه لازم الشقة تتنضف وتتمسح كل يوم؟، وليه لازم الولاد يستحموا كل يوم؟، كفاية مرة واحدة في الأسبوع، ولابد من الإقلاع عن استخدام الغسالات الأوتوماتيك التي تستهلك ثلاثة أضعاف كمية المياه المستخدمة وعلينا العودة للغسالات الكهرباء العادية". وعن اشتداد الأزمة في منطقة مثل الجيزة، قال الصيرفي إن كمية المياه المنتجة في الجيزة أقل من احتياجها، وذلك بسبب التوسع الأفقي والرأسي العمراني بالمنطقة، كما أن عشوائيات البناء أثرت بالسلب علي توفير كمية مناسبة من المياه، فضلاً عن وجود العشرات يقومون بإتلاف المواسير الرئيسية، ويعمدون إلي تغيير هيدروليكية المياه نفسها، فنجد أن شارعين متوازيين واحد به مياه والآخر لا، وشدد الصيرفي علي أن أزمة انقطاع الكهرباء تؤثر بالتبعية علي توافرالمياه، لافتاً إلي أن الكهرباء المطلوبة في المنازل 220 فولت، والمواتير المستخدمة في توليد المياه 3 فاز ب380 فولت، وهنا يقل الجهد، ولا نتمكن من تشغيل المواتير، كما أن المولدات الكهربائية لا يمكنها تشغيل إلا نصف محطات المياه فقط. الصيرفي، أكد أن القابضة لمياه الشرب شركة تشغيل وصيانة، لافتاً إلي ضرورة إدخال محطات لتعطي مياها لتوزيعها علي المناطق، وسد العجز في المحافظات. من جانبه، أكد الدكتور مغاوري شحاتة، رئيس جامعة المنوفية السابق، الخبير في شئون المياه، أن المشكلة الرئيسية تكمن في قدرة مصر علي إنتاج مياه الشرب، وقدرة المحطات علي معالجة المياه، ولفت إلي ضرورة أن تحافظ مصر علي الفاقد من مياه الشرب الذي تتم معالجته، ويستخدم في أغراض غير مهمة، مشيراً إلي أن الفاقد يمثل 35% من إجمالي الإنتاج. شحاتة، قال إن ما تدعيه الشركة القابضة لمياه الشرب دائماً عن أن انقطاع المياه سببه الرئيسي انقطاع الكهرباء ليس صحيحاً، لأنه في أغلب الأحيان تكون الكهرباء موجودة، والمياه مقطوعة.. خبير المياه، طالب بإنشاء فروع للشركة القابضة للمياه في المحافظات، والعمل علي وضع خطط استراتيجية جديدة للحد من ظاهرة انقطاع المياه سريعاً قبل اشتعال الأزمة خلال السنوات القليلة المقبلة. مدير المعمل المركزي بشركة القاهرة لمياه الشرب، الدكتور عبدالحفيظ السحيمي، أكد إنه لا يوجد نهائياً اختلاط لمياه الشرب بالصرف الصحي، وطالب المواطنين بالاتصال الفوري بالخط الساخن 125 في حالة الشكوي من تلوث المياه، أو تغير لونها، وسيصل مندوب من المعمل في خلال ساعتين ليأخذ عينة من المياه وتحليلها. السحيمي نصح المواطنين بعدم تركيب الفلاتر المنزلية التي تقوم بتنقية المياه، وعدم استخدام المياه المعدنية نهائياً، لافتاً إلي أنها غير مطابقة لمواصفات الجودة، كما أن مياه الصنبور أفضل منها بكثير، وأكد السحيمي، أن هذه المياه ليست معدنية، وإنما مياه معبأة من باطن الأرض، وتعتمد في أساسها علي الأوزون بدل الكلور، وعن الرقابة علي الشركات التي تنتج هذه المياه، أكد أن وزارة الصحة هي المنوط بها وقف زحف الشركات المنتجة لهذا النوع من المياه.